Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

قمة باريس تكشف عمق الانقسام بين أوروبا والولايات المتحدة

قد يكون اتفاق كير ستارمر وإيمانويل ماكرون على تشديد العقوبات ضد روسيا في محاولة لتسريع وقف إطلاق النار في أوكرانيا لافتاً، لكنه لا يمكن أن يحجب الانقسامات العميقة في قضايا أخرى

كير ستارمر وإيمانويل ماكرون استضافا فولوديمير زيلينسكي بصورة مشترك في قمة باريس الخميس الماضي (أ ب)

ملخص

تظهر قمة باريس عمق الانقسامات بين الولايات المتحدة وأوروبا حول سياسات الحرب في أوكرانيا، حيث تسعى أوروبا إلى دعم أوكرانيا عسكرياً بينما تفضل الولايات المتحدة تقليل مشاركتها والتركيز على مصالحها مع روسيا. هذه التباينات تشير إلى انهيار محتمل للتحالف الأطلسي التقليدي.

مهما حاول إيمانويل ماكرون وكير ستارمر إخفاء الأمر، إلا أن ما طغى على قمة باريس أول من أمس الخميس لم يكن التوافق بين ضفتي الأطلسي، بل الانقسامات العميقة.

فعلى رغم كونهما رئيسين مشتركين للقمة، عقد الزعيمان الفرنسي والبريطاني مؤتمرين صحافيين منفصلين. وأشار ستارمر في حديثه إلى أن هذا الاجتماع كان الرابع من نوعه لمناقشة ما يعرف إما باسم "تحالف الراغبين" وفق التسمية البريطانية، أو "قوة الطمأنة" كما تفضل فرنسا وألمانيا تسميتها. ولفت إلى أن أكثر من 200 متخصص في الشأن العسكري أمضوا أياماً في التخطيط بلندن.

وبذل كل من ماكرون وستارمر جهداً واضحاً لعدم الاصطدام مباشرة بجهود السلام الأميركية، مؤكدين أن الخطط الأوروبية معدة لـ"اليوم التالي" بعد التوصل إلى اتفاق. وحرصا على إظهار مواقف إيجابية تجاه الرئيس ترمب.

ومع ذلك، كان من الصعب تجاهل الشعور بأنهما ينتظران فشل الجهود الأميركية، ويستعدان لاتباع نهج مختلف تماماً.

وتتضمن هذه الاستراتيجية تشديد العقوبات على روسيا في محاولة لزيادة الضغط على موسكو للقبول بشروط وقف إطلاق النار الحالية، وهو ما يتعارض مع تلميحات أميركية بإمكانية تخفيف العقوبات مقابل موافقة روسيا على وقف إطلاق النار في البحر الأسود. وتكررت التصريحات التي تؤكد أن السلام لا يتحقق إلا "من خلال القوة"، وهو ما شدد عليه ماكرون وستارمر، مشيرين إلى أن الوحدة الأوروبية الظاهرة تجسد هذا النهج.

ومن المحتمل أن يكون التركيز المكثف على هذه النقاط المشتركة محاولة لصرف الانتباه عن الانقسامات الأوروبية في قضايا أخرى، من بينها الخلاف المستمر حول ما إذا كان يجب البدء في إنفاق الأصول الروسية المصادرة، وليس مجرد الاكتفاء باستخدام الفوائد المتراكمة عليها. وأثيرت تساؤلات حول مدى حكمة إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا دون الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة. والمثير للدهشة أيضاً أن هناك بعض الأوروبيين ما زالوا يأملون في أن تغير الولايات المتحدة موقفها الرافض للتدخل العسكري المباشر في أوكرانيا.

ما يتضح أكثر فأكثر هو وجود صدع عميق بين جانبي الأطلسي، صدع قد يتبين في النهاية أنه لا يمكن رأبه.

فمن جهة، لدينا الولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترمب والذي لا تظهر إدراته - أو في الأقل أعضاؤها البارزون - سوى الازدراء تجاه أوروبا. وأحدث دليل صارخ على ذلك جاء من الرسائل التي أرسلها مستشارو ترمب عبر تطبيق "سيغنال"، والتي تضمنت وصف الأوروبيين بأنهم "متطفلون بائسون" لا يستحقون أن يتم "إنقاذهم" مرة أخرى.

لكن هذه التصريحات سبقها وضع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في موقف حرج داخل المكتب البيضاوي، وهجوم جي دي فانس اللاذع على الأوروبيين في مؤتمر ميونيخ الأمني، إضافة إلى تصريحات وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث التي أوضح فيها أن أوروبا لم تعد ضمن الأولويات الأميركية.

بدلاً من التقرب إلى الأوروبيين، تسعى الولايات المتحدة الآن إلى التقارب مع الروس، إذ أجريت مكالمتان مطولتان في الأقل بين ترمب وفلاديمير بوتين، وزار المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف موسكو. وكشف عن هذه التحركات عبر مقابلة مع الصحافي تاكر كارلسون إذ سخر ويتكوف من دعم المملكة المتحدة لأوكرانيا، واصفاً إياه بأنه "مجرد استعراض" نابع من عقدة تشرشل. [ميل بعض السياسيين البريطانيين إلى استدعاء صورة ونستون تشرشل، وبخاصة في سياق المواجهة مع روسيا، باعتباره رمزاً للصمود والقيادة في زمن الحرب].

اقرأ المزيد

وعلى الجهة الأخرى، لدينا القطب الأوروبي الذي تجسده قمة باريس، إذ استقبل زيلينسكي بحفاوة بالغة وأضيء برج إيفل بألوان العلم الأوكراني، وتعهد ماكرون بإرسال مزيد من الأسلحة. وتحدث الجميع تقريباً عن زيادة الإنفاق الدفاعي، فيما اتهم ستارمر الروس بـ"التلاعب" وعدم رغبتهم في تحقيق السلام.

يمكن وصف المنظور الأميركي في بعض الأوساط بأنه "واقعي"، استناداً إلى الحقيقة المرة التي تفيد بأن أوكرانيا تواجه خطر خسارة الحرب، من ثم فإن الأولوية يجب أن تكون تقليص خسائرها ووقف إراقة الدماء. لكن مصير أوكرانيا لن يكون عاملاً حاسماً بالنسبة للولايات المتحدة التي تفصلها عنها محيطات، وتعد الصين التهديد الرئيس لها.

أما في أوروبا فالرؤية مختلفة تماماً، إذ لا يمكن السماح لروسيا بالاستفادة من غزوها غير القانوني، ويجب أن تخرج أوكرانيا من هذه الحرب بسيادتها الكاملة لأن مصيرها حيوي لمستقبل أوروبا بقدر ما هو غير ذي أهمية بالنسبة للولايات المتحدة.

إن النظرة الأميركية المتعالية تجاه الأوروبيين متجذرة منذ زمن، وكان ينبغي ألا تفاجئ باريس ولندن بالقدر الذي فعلته. ويمكن القول إن آراء ترمب إلى الحد الذي يمكن تصنيفها فيه تعكس رؤية تركز على المصالح الإقليمية أكثر من كونها انعزالية بالكامل. كما أنه ليس من غير المألوف أن يكون هناك خلاف بين الأوروبيين والولايات المتحدة، وأحياناً في ما بينهم، حول العمليات العسكرية. ففي حرب العراق مثلاً، كانت فرنسا معارضة بشدة، مما أدى إلى توتر شديد مع واشنطن ولندن، بينما اختارت ألمانيا النأي بنفسها بهدوء.

لكن الحرب في أوكرانيا مختلفة لأن الولايات المتحدة تخلت فجأة حتى عن مجرد المجاملة للموقف الأوروبي. فهي تسعى الآن إلى إنهاء الحرب كجزء من مساعيها إلى تطبيع العلاقات مع روسيا وإعادة ما يمكن تسميته علاقة "القوى العظمى". وإذا فشلت جهودها في إنهاء ما تعده تركة غير محسومة للإدارة السابقة في أوكرانيا، فإن الأولوية ستظل لعلاقة القوى العظمى، مما سيترك أوروبا وحيدة تتعامل مع التداعيات، في ما ستعده واشنطن شأناً أوروبياً بحتاً.

المشكلة أن هذا التحول جاء مبكراً وبسرعة تفوق قدرة الأوروبيين على تنظيم دفاع مستقل خاص بهم، مما يعرض أوكرانيا لخطر التخلي عنها. كما أنه يؤدي بالفعل إلى اتساع الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما قد يمهد لنهاية الوجود العسكري الأميركي في القارة، بعد أكثر من 80 عاماً.

هذا الاحتمال - وهو لا يزال احتمالاً وليس يقيناً - يثير قلق أجيال من الأوروبيين المؤمنين بالعلاقات الأطلسية الخاصة، الذين لم يروا التحالف مجرد واقع سياسي، بل كان تأكيداً أنهم وفق رؤيتهم للعالم كانوا دائماً في الجانب الصحيح من التاريخ. لكن هذا العصر قد يكون على وشك الأفول.

© The Independent

المزيد من آراء