ملخص
وفق المشروع لن يتمكن الفلسطينيون من الوصول إلى كامل المنطقة الواقعة بين "معاليه أدوميم" والقدس، مثل "مجمع الخان الأحمر" الذي يعدونه أكثر المناطق استراتيجية لخلق تواصل إقليمي لدولة فلسطينية مستقبلية. وإضافة إلى عرقلة مخططات الدولة الفلسطينية، فتنفيذ المشروع يعني إزالة عقبة أخرى في طريق تطبيق السيادة في مستوطنة "معاليه أدوميم".
بينما ترقب الإسرائيليون، سكان الجنوب والشمال، ما سيتمخض عن المجلس الوزاري الأمني المصغر "الكابينت" الذي انعقد حتى ساعة متأخرة من مساء السبت، بما يتعلق بالتقدم في صفقة الأسرى، من جهة، ورد الحكومة على مطالب سكان الشمال المتعلقة بحماية أمنهم بعد إطلاق صاروخين من لبنان، من جهة أخرى حرص المجتمعون على هيمنة الملف الاستيطاني في القدس على الأجندة الإسرائيلية، بعد الكشف عن مصادقتهم على مشروع يشكل الخطر الأكبر على مستقبل فلسطينيي القدس، وهو المشروع المعروف باسم طريق "نسيج الحياة" الذي يربط المدينة بخط متواصل بكبرى المستوطنات "معاليه أدوميم"، من دون إبقاء أي حي أو بلدة فلسطينية داخل هذا الخط.
المشروع الذي طرح منذ أعوام، وتم تجميده بسبب خطورة تفاصيله، نجحت حكومة بنيامين نتنياهو- بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية)- إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) في الموافقة عليه، ومنح التعليمات لوضع خرائطه ومباشرة التنفيذ فيه فور الحصول على مصادقة لجان التنظيم في القدس ولجان المنطقة، وهي لجان بأكثريتها من اليمين الذي يدعم الاستيطان وتعزيزه ومشاريع عزل الفلسطينيين عن الشوارع والمسارات المخصصة لليهود.
المدينة بين اليهود والفلسطينيين
عملياً إسرائيل بمشروعها هذا تقسم المدينة بين اليهود والفلسطينيين عبر مسار يوصل مركز المدينة بمستوطنة "معاليه أدوميم"، وهي المستوطنة المقامة على نحو 30 ألف دونم (الدونم الواحد يعادل 1000 متر مربع)، ومن ثم فرض السيادة الإسرائيلية على هذه المستوطنات، وهو جانب شكل عقبة كبيرة في محادثات السلام كافة التي جرت بين إسرائيل والفلسطينيين وتطرقت إلى العاصمة القدس.
وفق المشروع لن يتمكن الفلسطينيون من الوصول إلى كامل المنطقة الواقعة بين "معاليه أدوميم" والقدس، مثل "مجمع الخان الأحمر" الذي يعدونه أكثر المناطق استراتيجية لخلق تواصل إقليمي لدولة فلسطينية مستقبلية. وإضافة إلى عرقلة مخططات الدولة الفلسطينية، فتنفيذ المشروع يعني إزالة عقبة أخرى في طريق تطبيق السيادة في مستوطنة "معاليه أدوميم".
الهيمنة على محاور الضفة
المشروع بتفاصيله الجديدة تقدم به وزير الأمن يسرائيل كاتس، بالتنسيق مع الوزيرين بن غفير وسموتريتش. وصباح أمس الأحد، وبتجاهل مختلف القضايا المهمة التي عقد "الكابينت" خصيصاً لمناقشتها، أصدرت الحكومة الإسرائيلية بياناً خصصته لهذا المشروع الاستيطاني الجديد.
في بيانها عدت "المصادقة عليه إنجازاً استراتيجياً كبيراً وخطوة تاريخية من شأنها تعزيز الاستيطان والأمن ورفاهية سكان المنطقة كافة". ومضمون ما تطرقت إليه الحكومة، في بيانها، فإن المشروع يعزز الهيمنة الإسرائيلية على محاور الضفة الرئيسة ويؤدي إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها. ويشمل المشروع شق طريقين رئيسين، الأول يربط بين قريتي العيزرية والزعيم (وهي ملاصقة لجبل الزيتون)، وسيخصص هذا الطريق لحركة المركبات الفلسطينية من دون المرور داخل أي منطقة تابعة لـ"معاليه أدوميم" الاستيطانية. أما الطريق الثاني والمعروف باسم "الطريق البديل 80"، وهو مسار التفافي جديد شرق مستوطنة "معاليه أدوميم"، فسيربط بين العيزرية والمنطقة الواقعة قرب قرية خان الأحمر إلى الشرق من مدينة القدس.
وبحسب ما أوضحت الحكومة فإن المشروع سيشكل بديلاً للطريق "رقم 1"، ويربط منطقة بيت لحم بمدينة أريحا والأغوار. وتذرعت بأن المصادقة جاءت بناء على توصية أمنية في أعقاب الأخطار والظروف الأمنية الجديدة التي نشأت خلال حرب "طوفان الأقصى". وسيشرف على تنفيذ المشروع قائد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية وسيمول عبر صندوق "خارج الموازنة" التابع لـ"الإدارة المدنية". وبحسب مسؤول سياسي إسرائيلي، فهذه أموال مخصصة لخدمة الفلسطينيين. وقد خصص له نحو 100 مليون دولار لتنفيذ الطريق بين قريتي العيزرية والزعيم، ونحو 3 ملايين دولار لتخطيط الطريق البديل 80، كما ستقدم وزارة المواصلات دعماً للسلطات الاستيطانية لتنفيذ هذه المشاريع.
بداية لابتلاع مزيد من الأرض
رئيس مستوطنة "معاليه أدوميم" غاي يفراح عد أن المصادقة على المشروع تنهي قرابة 25 عاماً من الترقب لتنفيذه لضمان فصل اليهود عن الفلسطينيين "بتنفيذه قريباً سيحسن بشكل كبير أمن سكان معاليه أدوميم والمنطقة المحيطة بها". وذكر يفراح أنه عمل على تنفيذ هذا المشروع منذ توليه رئاسة بلدية المستوطنة، ووضعه على رأس جدول أعماله، وأنه أجرى خلال حرب "طوفان الأقصى" لقاءات وجلسات عدة مع المسؤولين حتى تم الاتفاق على تنفيذه، وبدعم كبير من وزيري الأمن كاتس والمالية سموتريتش.
من جهته، أشاد رئيس مستوطنة بيت إيل شاي ألون بالمشروع وعده بداية لابتلاع مزيد من الأرض لمصلحة إسرائيل على أرض الواقع وليس فقط عبر التصريحات قائلاً "هدف المشروع واضح هو تطبيق السيادة على كل الضفة الغربية. بعد أعوام عديدة من الظلم، حان الوقت لرؤية المناطق مليئة بالبناء اليهودي واسع النطاق".
وإذ عد المشروع انطلاق مسار جديد للاستيطان اليهودي قال "بعد أعوام من التجاهل التام والمتهور لخطة فياض (سلام فياض) الفلسطينية للاستيلاء على أراضي الدولة وإنشاء البنى التحتية لإقامة دولة فلسطينية بحكم الأمر الواقع، حان الوقت لدفنها بالكامل، من خلال البناء وإقامة المزارع وإنشاء تواصل إقليمي يهودي، ليصبح الواقع في الضفة كما هي الحال في غزة، حيث يفهم العدو الطريقة التي تؤذيه أكثر من غيرها وهي الاستيلاء على الأراضي، وعلينا الاستمرار بهذا المسار".
طريق فصل عنصري
من جهتها، حذرت حركة "سلام الآن"، اليسارية من تداعيات وخطورة تنفيذ هذا المشروع وعدته مخططاً جديداً للهيمنة وفرض السيادة على مساحات جديدة من الأرض الفلسطينية. وبحسب الحركة فإن "المشروع خطر يسمح للحكومة بضم مساحة شاسعة تبلغ نحو ثلاثة في المئة من الضفة الغربية. الطريق هو طريق فصل عنصري مصمم لإغلاق مساحة شاسعة للفلسطينيين الذين لا يمكنهم الوصول إليها بالسيارة، بالتالي تقسيم الضفة الغربية إلى نصفين. لا نهاية لسخرية الحكومة التي تسعى إلى بناء الطريق من موازنة جمعت من ثمار السيطرة الإسرائيلية على الأراضي وخصصت قانوناً لمصلحة الفلسطينيين".
إنهاء الصراع؟
ورأت الحركة أنه بتنفيذ هذا المشروع يتم القضاء على إمكانية إنهاء الصراع وحل الدولتين "الذي يعتمد على إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل. يقع قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية جغرافياً واقتصادياً وثقافياً في المدينة الواقعة بين رام الله والقدس الشرقية وبيت لحم. المناطق التنموية الوحيدة المحتملة المتبقية لهذه المدينة هي المناطق الواقعة شرق القدس، في المنطقة نفسها التي تسعى فيها إسرائيل إلى إقامة المشروع وخلق تواصل إقليمي إسرائيلي من القدس إلى الشرق الذي من شأنه أن يقسم الضفة الغربية إلى قسمين".
وفق حركة "سلام الآن" أيضاً يشكل "المشروع فصلاً عنصرياً على الأرض حيث سيلحق الضرر بالتجمعات السكانية الفلسطينية، وسيشكل الطريق ضربة قاضية لكامل منطقة وسط الضفة الغربية، ولعشرات التجمعات البدوية في منطقة معاليه أدوميم، مثل تجمع الخان الأحمر، وسيتم عزل هذه التجمعات عن جميع أنحاء الضفة الغربية، ولن تتمكن فعلياً من الوصول إليها بالسيارة. وقد يعني ذلك الطرد الفعلي للتجمعات السكانية الفلسطينية من المنطقة".
من جانب آخر وفي تحليل لحركة "سلام الآن" للمشروع وخطورته اتضح أيضاً أنه ستكون له انعكاسات مباشرة وخطرة على البلدات الفلسطينية التي تعيش قربه "حيث سيتم عزل الشارع عن هذه البلدات. يمر مسار الطريق عبر بيوت تعود ملكيتها لفلسطينيين سيتم هدمها كلها وترحيل سكانها".