ملخص
هناك مخاوف عالمية من وجود "المقاتلين الأجانب" في سوريا. وتبقى السيناريوهات أو الاحتمالات الموجودة على أرض الواقع في هذا الشأن، مرهونة بالظرف الإقليمي والدولي، وباستجابة الحكومة السورية الجديدة للشروط المفروضة.
قبل أيام قليلة، سلمت الولايات المتحدة قائمة شروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. ووفقاً لمصادر مطلعة لـ"رويترز"، فإن من بين المطالب التأكد من عدم تولي مقاتلين أجانب مناصب قيادية في الإدارة الحاكمة في سوريا.
المطالب الأميركية المتعلقة باستبعاد الفصائل المقاتلة من غير السوريين، تعكس مخاوف دولية وإقليمية شديدة، عززها تعيين الحكومة بعضاً من الأجانب الذين كانوا سابقاً في صفوف المعارضة، من بينهم أردني وتركي بوزارة الدفاع.
ما الذي يفسر القلق الدولي؟
ترى الدول الأوروبية والغربية أن المقاتلين الأجانب وخصوصاً أولئك الحاملين جنسيتها، يهددون أمنها القومي بشكل رئيس، متخوفة من أن بعضهم قد يحاول تنفيذ هجمات في بلدانهم الأصلية.
وكثيراً ما أشارت الجهات الدولية إلى أنها تتابع تحركات الإدارة السورية الجديدة في هذا الشأن بحذر، مشددة على ضرورة الامتثال للمعايير المتبعة في مجال مكافحة التطرف والحفاظ على سيادة الدولة.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، نشر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تقريراً تضمن تأكيد مصدرين مطلعين أن مبعوثين أميركيين وفرنسيين وألمان حذروا سوريا من أن تعيين جهاديين أجانب في مناصب عسكرية عليا يمثل مصدر قلق أمني لأوروبا. إذ أوضح مسؤول أميركي أن التحذير الذي وجهته الولايات المتحدة، صدر خلال اجتماع بين المبعوث الأميركي دانييل روبنشتاين وأحمد الشرع.
وأوضح المسؤول وفقاً للتقرير ذاته، أن هذه التعيينات لن تساعد سوريا في تعزيز التعاون مع واشنطن.
أما التحذيرات الأوروبية، فقد تطرق إليها وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا جان نويل بارو وأنالينا بيربوك، عندما بحثا قضية المقاتلين الأجانب المجندين في الجيش خلال اجتماعهما مع الشرع في الثالث من يناير الماضي.
تحذير آخر جديد ورد قبل أيام وتحديداً في 25 مارس (آذار) الماضي، على لسان السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة دوروثي شيا، عندما أكدت أنه "يجب ألا يكون للمقاتلين الأجانب أي دور في الجيش السوري أو مؤسساته الحاكمة"، وذلك أثناء قراءتها كلمتها في جلسة إحاطة مجلس الأمن في شأن الوضع بالشرق الأوسط.
وفي الجلسة ذاتها، أشارت شيا إلى الاشتباكات الأخيرة في الساحل السوري، مؤكدة أن التقارير الواردة عن ارتكاب مقاتلين أجانب فظائع هناك، بمثابة تذكير صارخ بخطورة هذا التهديد. وقالت "يجب إبعاد جميع المقاتلين الأجانب من مواقعهم فوراً، وتفكيك الوحدات العسكرية التي تضم مقاتلين أجانب"، فيما أكدت أن بلادها تشجع السلطات السورية الموقتة على تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية الساعية لدعم العملية الانتقالية في البلاد.
مخاوف الدول الأصلية للجماعات الأجنبية المقاتلة
منذ أعلنت قائمة التعيينات والترفيعات في الجيش السوري الجديد في يناير الماضي، إذ تضمنت القائمة أسماء مقاتلين أجانب، سلطت وسائل الإعلام الضوء على قلق البلدان الأصلية لهؤلاء الرجال.
القضية تناولها تقرير على إذاعة أوروبا الحرة "راديو ليبرتي"، إذ أشار إلى أن حكومات البلاد التي جاء منها المقاتلون الذين جرى ترفيعهم وتعيينهم في سوريا، شعرت بخوف من بالغ من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى احتمال تصدير الثورات إليها.
وأورد التقرير تصريحاً لشخص مسؤول في إنفاذ القانون في طاجيكستان، طلب عدم الكشف عن هويته، بيّن أن سوريا قامت بترفيع سيف الدين توجيبويف من رتبة رائد إلى عقيد، وهو مطلوب لدى الحكومة الطاجيكستانية بتهمة المشاركة في نزاع خارجي، وورد اسمه في البنك المركزي الطاجيكي للأفراد المحظورين من ممارسة الأنشطة المالية.
توجيبويف وشقيقه توجها إلى سوريا عام 2013 وجندا مواطنين آخرين من مواطني بلدهما الذي تخشى حكومته من أن بعودتهم إليها قد يحاولون التسبب في مشكلات خطرة كونهم مثل "القنبلة الموقوتة".
تتشارك طاجيكستان هذه المخاوف مع باقي الدول التي صدرت مقاتلين إلى الحرب السورية منذ عام 2012، وخصوصاً الصين التي تضع هذا الملف ضمن قائمة أولوياتها في العلاقات مع إدارة دمشق الجديدة، إذ إن الإيغور يشكلون نسبة عالية في صفوف الفصائل المقاتلة اليوم في سوريا.
الأجانب الذين كانوا مع "داعش"
عند الحديث عن الأجانب في سوريا، يجب ألا نتناول فقط أزمة الأفراد النشطين حالياً ضمن فصائل تنتشر على امتداد الجغرافيا السورية، الذين تقدر أعدادهم وفقاً لإحصاءات غير رسمية بنحو 5 آلاف مقاتل، فهناك أضعاف هذا العدد من المقاتلين المحتجزين في شمال شرقي البلاد، وهم يشكلون أزمة في غاية الخطورة، ليس لسوريا فحسب، وإنما للعالم بأسره.
أشارت "ذا غارديان" إلى أن السلطات الكردية تحتجز ما يصل إلى 65 ألف شخص، 42 ألفاً منهم أجانب يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم "داعش" وتحتجز أقاربهم في سجون ومخيمات في مختلف أنحاء المنطقة التي تحكمها.
وكثيراً ما دعت منظمات حقوق الإنسان باستمرار الدول إلى إعادة مواطنيها الأجانب المحتجزين في شمال شرقي سوريا إلى أوطانهم. وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن احتجاز الأجانب "غير قانوني"، وإن السلطات التي يقودها الأكراد تحتجزهم في ظروف تهدد حياتهم".
لكن في الحقيقة، أن خروج مقاتلي داعش وعائلاتهم من الأجانب، من سوريا وعودتهم إلى بلدانهم الأصلية، ستمثل مشكلات كبيرة لتلك البلدان، وعلى أكثر من صعيد، سواء كان ذلك سياسياً أم اجتماعياً أم ثقافياً. وللأسف لم تطرح حتى الآن أية حلول مناسبة يمكن أخذها بعين الاعتبار أثناء مناقشة هذه القضية.
ووفقاً لفرانشيسكو مارون الباحث في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، تتفاوت قدرة الدول الأوروبية إلى حد كبير في تنفيذ الملاحقة القضائية للمقاتلين الأجانب العائدين، ففي حين تمتلك دول الآليات اللازمة، تفتقر أخرى إليها بشكل واضح، وهو ما يشكل خطراً كبيراً على الدولة نفسها.
كذلك يشير مارون إلى أن الشعوب الأوروبية لا تبدي ترحيباً بإعادة استقبال مواطنيهم الذين كانوا يقاتلون خارج أراضيها.
هل ينال أحمد الشرع الثقة؟
السيناريوهات أو الاحتمالات الموجودة على أرض الواقع، عديدة ومرهونة بالظرف الإقليمي والدولي من دون شك، منها عدم تغيير وضع المقاتلين الأجانب في سوريا، بمعنى أن يبقوا فيها لتتم الاستعانة بهم مرة أخرى في حال تجدد القتال وعدم استقرار الوضع.
أيضاً من الممكن أن تتم تصفية أو ترحيل المتطرفين منهم، غير الممتثلين للسياسة الجديدة وغير الراضين عن منهج وقرارات أحمد الشرع بعدما أصبح رئيساً للبلاد.
وبالنسبة إلى أولئك الذين اندمجوا وبخاصة الذين تزوجوا من مواطنات سوريات، فمن الممكن أن ينالوا الجنسية السورية ليصبحوا مواطنين بصفة رسمية.
ولا ننسى أن ثمة احتمالاً بأن يختار قسم كبير من الوحدات الأجنبية المقاتلة في سوريا، مغادرتها بصفة طوعية، إما للعودة إلى بلدانهم الأصلية أو للانتقال إلى مناطق نزاع أخرى.
وفي وقت سابق، كانت "اندبندنت عربية" قد نشرت تصريحات خاصة من مصدر مقرب من "هيئة تحرير الشام" قوله إنه "في عام 2023 جرى تسليم 17 شخصاً يحملون الجنسية الأذرية من المتهمين بالانتماء لتنظيم 'داعش' إلى بلدهم الأصلي"، مضيفاً أنه "في عام 2020 كان عدد الأجانب مع عائلاتهم نحو 10 آلاف شخص، وبعد سقوط أفغانستان بيد حركة طالبان غادر كثير من الأفغان، وخلال الأعوام الماضية جرى إبعاد عدد كبير من المتشددين أو المتهمين بالانتماء لتنظيم 'داعش' وبقي اليوم نحو 4 آلاف أجنبي، وهذا العدد يشمل المقاتلين مع عائلاتهم".
وبحسب آراء عديد من الدبلوماسيين والمحللين المطلعين على الشأن السوري، فإن الإدارة السورية الجديدة تواجه اليوم تحديات عدة، يتعلق أهمها بتحقيق التوازن بين الشروط الدولية المفروضة لتقديم الدعم السيادي والاقتصادي اللازم لإعادة إعمار سوريا، ومصالح الكتائب الأجنبية المقاتلة.
وحتى بعد تشكيل حكومة جديدة نالت تأييداً دولياً كبيراً إلى حد ما، باعتبارها ضمت جميع مكونات المجتمع السوري، لا يزال السؤال الأبرز: كيف من الممكن أن يوازن أحمد الشرع بين ضرورة إقامة علاقات ودية مع المجتمع الدولي والدول التي يتحدر منها المقاتلون الأجانب، والوفاء بتعهدات إدارته بألا تتحول سوريا إلى مصدر تهديد لدول العالم، وإقناع هؤلاء الرجال بتعديل أجندتهم والتخلي عن فكرة القتال في أوطانهم.
هنا يشكك كثر في قدرة الحكومة السورية على احتواء هذا الملف البالغ في الحساسية، في ظل معارضة العواصم العربية والغربية، تعيين الأجانب في المناصب العليا للإدارة الحاكمة، لأنها خطوة قد تشجع الجهاديين العابرين للحدود الوطنية.
في المقابل، هناك جهات تراهن على تصريح الشرع بأن جميع القوى العسكرية يجب أن تكون تحت مظلة الجيش الوطني، وأنه لن يُسمح لاستخدام الأراضي السورية كقاعدة لمهاجمة دول أخرى.
فيما يوضح آرون زيلين مؤلف كتاب "عصر الجهادية السياسية: دراسة عن هيئة تحرير الشام" في تصريحات إعلامية، أن تعيينات أجانب في مناصب عسكرية مهمة في سوريا، لا تشير على أن القادة السوريين الجدد لديهم أي أجندة خارج بلادهم، مشيراً إلى أنها محاولة من أحمد الشرع وإدارته وهيئة التحرير الشام للتأكد من أن هؤلاء الرجال يتبعون أوامر الدولة السورية وأنه لا يوجد عمل مستقل الآن بعدما انتهت الحرب إلى حد كبير.
ويؤكد زيلين وهو محاضر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن الشرع تحدث عن منح الجنسية للأجانب الذين أقاموا في البلاد لفترة معينة ودعموا هيئة تحرير الشام في قتالها ضد نظام الأسد، في محاولة لتوطينهم وجعلهم سوريين، فمن الأفضل لهم أن يندمجوا ويتبعوا الدور الجديد للهيئة بدلاً من أن يعملوا لحسابهم الخاص.
في الختام، ومع كثرة الاحتمالات والتساؤلات في شأن ملف المقاتلين الأجانب، لا يبدو ثمة إجابات وخيارات محددة ومعلن عنها، وتبقى الإجابات عن جميع الأسئلة رهينة الرئيس السوري وإدارته الجديدة، من جهة، وقيد التغييرات الإقليمية والجيوسياسية في المنطقة، من جهة ثانية.