ملخص
تأثرت العاصمة الخرطوم، بشدة، بعقود من الحروب والصراعات الأهلية والاضطرابات السياسية والعسكرية، من ثورات وانقلابات خلال العقود الأخيرة، مما كان له تأثير كبير في مسيرتها التاريخية حتى وصلت إلى الحرب الدائرة الآن.
فماذا نعرف عن العاصمة السودانية الخرطوم؟ 10 أسئلة تلقي الضوء على الخرطوم بتاريخها، وتطورها، ومعالمها المعمارية والسياحية، وأحداثها السياسية والعسكرية؟
تعد العاصمة السودانية الخرطوم عند ملتقى النيل الأبيض والنيل الأزرق، من أهم الحواضر السياسية والاقتصادية والثقافية في المنطقة العربية والأفريقية التي تضم مزيجاً من التراث التاريخي العريق مما جعلها مركزاً ثقافياً وتجارياً مهماً في السودان منذ العصور القديمة، كذلك شكلت مهداً لحركات التحرر الأفريقية ورائداً لحركة دول عدم الانحياز، على رغم التحديات الاقتصادية والسياسية.
تأثرت العاصمة الخرطوم، بشدة، بعقود من الحروب والصراعات الأهلية والاضطرابات السياسية والعسكرية، من ثورات وانقلابات خلال العقود الأخيرة، مما كان له تأثير كبير في مسيرتها التاريخية حتى وصلت إلى الحرب الدائرة الآن.
فماذا نعرف عن العاصمة السودانية الخرطوم؟ 10 أسئلة تلقي الضوء على الخرطوم بتاريخها، وتطورها، ومعالمها المعمارية والسياحية، وأحداثها السياسية والعسكرية؟
1- كيف كانت الخرطوم قبل أن تكون عاصمة وأين تقع؟
لم يكن للخرطوم كمدينة بموقعها الجغرافي المميز بين النيلين الأزرق والأبيض وجود معروف قبل العصور الحديثة، بل كانت سوقاً ونقطة لتجمع القوافل التجارية لكل أنواع المواشي القادمة إلى تقاطع النهرين، حيث سهولة سبل تربيتها في تلك المنطقة الغنية بالغابات والمزارع العشوائية التي تحتاج إلى كثير لاستصلاحها، لذلك تفادى الأوائل اتخاذها موقعاً للسكن وفضلوا العيش بعيداً منها. وبعد دخول الاستعمار التركي والمصري – البريطاني، وإنشاء جسور أم درمان والخرطوم وبحري، حفز موقعها المستعمر على اتخاذها عاصمة للبلاد، وبدأ كل من خورشيد باشا (حاكم وقائد عسكري عثماني) والجنرال تشارلز غوردون (كان حاكماً إنجليزياً للسودان) برنامجاً لتنمية المنطقة والمجتمع وتشجيع المواطنين على السكن داخلها، مما أسهم في تغيير معالم المنطقة لتصبح هي عاصمة البلاد.
تقع الخرطوم تحديداً عند ملتقى النيلين الأبيض والأزرق المعروفة بـ"المقرن"، ليشكلا معاً نهر النيل، وباتت مركزاً للحكم في السودان حيث توجد مقار رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والوزارات إلى جانب قيادة القوات المسلحة والبعثات الدبلوماسية الأجنبية ومقرات المنظمات الإقليمية العربية والأفريقية ومعظم المؤسسات السياسية بالبلاد.
2- متى أُسست الخرطوم ومن أين جاء اسمها؟
يرجع تاريخ تأسيس الخرطوم كعاصمة، إلى العقود الأولى من القرن الـ19 أثناء فترة الحكم العثماني - المصري في السودان، الذي اتخذها عاصمة للبلاد، غير أن تاريخها كموقع استيطان بشري أبعد من ذلك بكثير، فقد سكنها الإنسان منذ العصر الحجري، كما كان موقعها موطناً لحضارة مملكة علوة القديمة، وشهد القرن الماضي المرحلة الأولى من مراحل ازدهارها عندما شيدت العمارة في العهد البريطاني - المصري على النسق المعماري الإنجليزي الذي ما زال ماثلاً للعيان في كثير من مبانيها القديمة، مثل جامعة "الخرطوم" ومبنى وزارة المالية، ومصلحة البريد والبرق، وعديد من المرافق الحكومية المطلة على النيل التي يشكل بعضها متاحف مفتوحة للناس.
أما من أين جاء اسم الخرطوم فقد اختلفت الروايات في شأن سبب تسميتها وحول أصل التسمية ومعنى اللفظ، فهناك من يرجع التسمية وهو الراجح، إلى شكل قطعة الأرض التي تقع عليها المدينة التي يشقها النيلان الأبيض والأزرق ويلتقيان فيها على شكل منحنى ليرسما بينهما قطعة أرض أشبه بخرطوم الفيل، غير أن الرحالة البريطاني الكابتن جيمس غرانت، الذي رافق الكابتن جون إسبيك في رحلته الاستكشافية لمنابع النيل، ذكر أن الاسم مشتق من زهرة القرطم التي كانت تزرع بكثافة في المنطقة، وتُصدر إلى مصر لاستخراج الزيت منها للإنارة، والتي وجدوها في موقع الخرطوم الحالي واستخدموا زيت حبوبها في علاج جروح جنودهم، وهناك تخمينات أخرى لسبب التسمية لكن لا سند لها.
3- هل الخرطوم مدينة واحدة؟ وكم عدد سكانها؟
يطلق على الخرطوم حيث يجب هنا التمييز بين الخرطوم الكبرى أي العاصمة القومية أو العاصمة المثلثة التي تتألف من ثلاث مدن هي الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، التي تشكل مجتمعة ولاية الخرطوم، وبين الخرطوم المدينة أو الخرطوم عموماً كما تسمى سابقاً التي هي جزء من العاصمة، أما العاصمة المثلثة فهي المكونة من المدن الثلاث التي تتوزع فيها المصالح والدواوين الحكومية وترتبط مع بعضها بعضاً جغرافياً وإدارياً واجتماعياً، وتتوزع الأضلاع الثلاثة للعاصمة السودانية كالآتي: مدينة الخرطوم تقع على الضفة الجنوبية والغربية للنيل الأزرق والضفة الشرقية للنيل الأبيض، أما المدينة الثانية فهي أم درمان، وتقع على الضفة الغربية للنيل الأبيض ونهر النيل الموحد بالتقاء واندماج النيلين الأزرق والأبيض عند نقطة المقرن، أما الضلع الثالث في مدن العاصمة السودانية فهو مدينة الخرطوم بحري أي الخرطوم شمال، وتقع على الضفة الشمالية للنيل الأزرق والضفة الشرقية لنهر النيل.
هذه المدن الثلاث وضواحيها وبعض المناطق المحيطة بها هي التي تشكل مجتمعة مع أريافها ولاية الخرطوم إحدى ولايات السودان الـ18.
4- كيف هو مناخ وبيئة الخرطوم؟
يسود الخرطوم المناخ الصحراوي الحار الجاف في معظم أشهر السنة باستثناء يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، حيث فصل الخريف وهطول الأمطار المدارية الشديدة، بمعدل يزيد قليلاً على متوسط 155 ميليمتراً سنوياً، وتنخفض درجات الحرارة بصورة نسبية خلال الفترة من ديسمبر (كانون الأول) وحتى فبراير (شباط). ويمتد شتاء الخرطوم طوال الفترة من ديسمبر وحتى فبراير حيث يكون الجو معتدلاً ولطيفاً بدرجة كبيرة، نتيجة انخفاض درجات الحرارة صباحاً وحتى الظهيرة إلى ما بعد غروب الشمس.
5- ما أبرز المحطات في تاريخ الخرطوم؟
مرت الخرطوم عبر تاريخها بكثير من المحطات التاريخية المهمة أيرزها حصار الخرطوم، وهو الحدث البارز الذي وقع في الفترة من عام 1884 إلى 1885، حيث حاصر الثوار التابعون للإمام محمد أحمد المهدي، وانتهى الأمر بانتصارهم ومقتل الجنرال تشارلز جورج غوردون على أيدي الثوار داخل قصر الحاكم العام في مدينة الخرطوم. وشكلت حادثة مقتل الجنرال الإنجليزي الذي روع المستعمرات الإنجليزية، تحرراً للعاصمة والسودان، مما جعل الإمبراطورية البريطانية تفكر في إعادة احتلال السودان مرة أخرى انتقاماً لمقتل أحد أبرز قادتها العسكريين فيها بتلك الطريقة.
أما في فترة ما بعد حصول السودان على استقلاله عام 1956، فقد شهدت الخرطوم كثيراً من الأحداث والفعاليات السياسية الوطنية والإقليمية والدولية، في إطار دورها كعاصمة سياسية للسودان ومقر للحكم باستضافة كثير من مؤتمرات المنظمات الإقليمية وإبرام اتفاقات إنشائها في السودان مثل تأسيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في فبراير1957، وتنظيم أول بطولة لكأس الأمم الأفريقية، وإنشاء اتحاد إذاعات الدول العربية في الخرطوم في فبراير 1969، وإنشاء المنظمة العربية للتنمية الزراعية في مارس )آذار( 1970، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا 1975، والهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1976.
من المحطات المهمة في تاريخ الخرطوم هو فقدانها مركزها كعاصمة للبلاد خلال عهد المهدية بعدما اختار الإمام المهدي بعد انتصاره وتحرير الخرطوم مدينة أم درمان أعلى الضفة الأخرى من نهر النيل عاصمة للدولة، نتيجة لذلك، تحولت منشآت ودواوين الحكم إلى أم درمان، غير أنه وبهزيمة المهدية في معركة كرري في ديسمبر 1898، أعاد اللورد كتشنر العاصمة مجدداً إلى الخرطوم كعاصمة رسمية للحكم الثنائي في 1899.
بانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية طلب السودانيون من إنجلترا الوفاء بوعدها لهم بمنح السودان حق تقرير المصير لمشاركته في الحرب إلى جانب الحلفاء، وبدأت حكومتا الحكم الثنائي في مناقشة هذه المطالب مع الأحزاب السودانية، وتشكل البرلمان السوداني الذي تولى مهمة الاقتراع على استقلال السودان، أو وحدته مع مصر، وفي الأحد الأول من يناير (كانون الثاني) احتفلت الخرطوم برفع علم الاستقلال على سارية سرايا الحاكم العام وتغيير اسمها إلى القصر الجمهوري.
6- ما أبرز الأحداث السياسية التي عاشتها الخرطوم؟
عاشت الخرطوم في تاريخها المعاصر أحداثاً سياسية داخلية عدة مثل الانقلابات والثورات الشعبية العاصفة التي أسهمت في تشكيل تاريخ البلاد، وكانت مسرحاً سياسياً متميزاً للحراك الوطني المشحون بالكفاح والولاء من أجل الحرية والاستقلال، وزاخرة بنشاط المنتديات السياسية والثقافية والاجتماعية التي كانت تجمع كل قوى الشعب العاملة بالخرطوم، واعتبرت فترة الخمسينيات من أخصب الفترات الثقافية للخرطوم، واشتهرت بالمقولة المتداولة: القاهرة تكتب، وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ.
كذلك شكل حصول السودان على استقلاله من دولتي الحكم الثنائي، بريطانيا ومصر، محطة ونقطة تحول كبيرة في تاريخ الخرطوم كعاصمة سياسية وللبلاد بصورة عامة إيذاناً ببداية مسيرة الحكم الوطني.
ومنذ أول حكومة وطنية منتخبة عام 1953 بدأت دورة متبادلة من الانقلابات العسكرية والثورات المناهضة لها، كل ثورة تسقط انقلاباً ويقع انقلاب آخر في ما عرف بالدورة الجهنمية الخبيثة في تاريخ البلاد.
وقع أول انقلاب عسكري أطاح أول حكومة منتخبة في تاريخ السودان بقيادة الفريق إبراهيم عبود عام 1958 انتهى إلى حكم عسكري استمر حتى عام 1964، إلى أن أسقطته ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964، وهي واحدة من أبرز الأحداث التي شهدتها الخرطوم في تاريخ السودان، حين اندلعت احتجاجات شعبية أدت إلى سقوط النظام العسكري وانتقال البلاد إلى نظام ديمقراطي استمر حتى عام 1969.
في مايو (أيار) 1969 أطاح انقلاب عسكري قام به الرائد جعفر النميري الحكومة الديمقراطية واستمر حتى عام 1985 لتطيحه ثورة أبريل (نيسان) من العام نفسه، وتقوم على أنقاضه حكومة انتقالية ديمقراطية استمرت حتى عام 1989، ليطيحها انقلاب عمر البشير في الـ30 من يونيو (حزيران) من العام نفسه ويستمر حكم الإسلاميين 30 عاماً حتى الثورة السودانية 2018 - 2019، وهي واحدة من أبرز الأحداث السياسية الحديثة، حين خرج السودانيون في احتجاجات كبيرة في الخرطوم وبقية المدن ضد حكومة البشير، مما أدى في النهاية إلى إطاحته في أبريل 2019 بعد حكم دام أكثر من 30 عاماً.
7- ما أهم المعالم السياحية بالخرطوم؟
تعتبر الخرطوم أحد المراكز السياحية والطبيعية المهمة في السودان، ليس فقط لكونها عاصمة البلاد، لكن لوجود كثير من المعالم الأثرية والسياحية المهمة بها مثل المتاحف والآثار والحدائق والمتنزهات الجاذبة للسياح الأجانب والمحليين أثناء العطلات والإجازات ومن أهمها:
-جزيرة توتي قبالة أجمل مناطق الخرطوم، شارع النيل والمقرن، ومنها ينطلق نهر النيل بعد التقاء رافديه الأساسين، الأبيض والأزرق، نحو الشمال، ويربطها بالخرطوم جسر توتي المعلق الذي أنشئ قبل أعوام معدودة.
-جزيرة التمساح وتتوسط النيل الأزرق قرب قرية أم دوم جنوب الخرطوم، وعرفت بهذا الاسم نسبة إلى شكلها الذي يشبه شكل التمساح.
-جزيرة البط حيث توجد أعداد كبيرة من الطيور المائية المستوطنة والمهاجرة.
-غابة السنط غرب الخرطوم على شط مجرى نهر النيل الأبيض، التي تعتبر محمية طبيعية منذ عام 1939، ومعظم أشجارها من فصيلة السنط الذي يقاوم مياه فيضانات النهر خلال فصل الخريف، وتأوي الغابة أنواعاً كثيرة من الطيور المستوطنة والمهاجرة.
8- ما أبرز المواقع الأثرية في الخرطوم؟
يعتبر المتحف القومي من أبرز المعالم الأثرية بالخرطوم، ويتميز بإطلالته على ضفة النيل الأزرق عند منطقة المقرن، ويحوي مقتنيات أثرية من مختلف أنحاء السودان يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ، وحتى فترة الممالك النوبية، وهناك أيضاً متحف التاريخ الطبيعي الذي يضم حيوانات محنطة وأخرى حية مثل الزواحف والطيور والمواشي والحشرات مع التعريف العلمي والتاريخي للحيوانات بالسودان، ومن أهم الطيور الموجودة فيه، صقر الجديان، وهو شعار جمهورية السودان، إلى جانب متحف الإثنوغرافيا حيث تعرض نماذج من الأدوية التقليدية المستعملة في الحياة اليومية بالسودان، ونماذج من أسلحة وأدوات الصيد والزراعة لدى قبائل السودان المختلفة.
ويمثل متحف القصر الجمهوري معرضاً للوحات وصور حكام السودان خلال الحقب المتعاقبة منذ عام 1889، وحتى ما بعد الاستقلال، والسيارات الرئاسية، وهدايا الرؤساء الوطنيين، إضافة إلى مقتنيات أثرية لأوان وأثاث استخدمت في القصر الرئاسي. ويحتوي متحف القصر الجمهوري الذي افتتح عام 1999، على مقتنيات تعود إلى القصر الجمهوري "مقر الحكم في السودان"، فضلاً عن أن مقره مبنى أثري لكاتدرائية صممت على النمط المعماري البيزنطي.
ويضم المتحف الحربي، بوزارة الدفاع، مجموعة من نماذج الأسلحة الأثرية المختلفة والأزياء العسكرية والدروع والصور والخرائط العسكرية التاريخية.
ومن أهم المعالم الأثرية بالعاصمة الخرطوم القباب العثمانية شرق ميدان أبو جنزير وسط الخرطوم، وتضم مقابر لأشهر القادة والعسكريين الأتراك في السودان ومن بينهم مؤسس الخرطوم الحكمدار عثمان جركس باشا البرنجي خلال العهد العثماني 1839.
وهناك أيضاً آثار عاصمة مملكة علوة المسيحية من القرن السادس إلى القرن الـ15 الميلادي، بمنطقة سوبا شرق الخرطوم، فضلاً عن كثير من المباني الأثرية داخل العاصمة على رأسها القصر الجمهوري والبريد المركزي.
9- ما أشهر الحروب التي شهدتها الخرطوم؟
على رغم أن السودان شهد كثيراً من الحروب والصراعات الدموية على مدى تاريخه الطويل أهمها الحرب الأهلية بجنوب السودان (1955 - 1972)، ثم الثانية (1983 - 2005)، وحرب دارفور (2002 - 2018)، وتأثرت بها الحياة السياسية والاجتماعية في السودان، لكن معظمها كان بعيداً من العاصمة الخرطوم باستثناء بعض الحروب التي وقعت أحداثها داخل العاصمة الخرطوم نفسها وهي، معركة كرري 1898 التي تعد من أبرز المعارك في تاريخ الخرطوم والسودان كله، حيث هزم الجيش البريطاني ثوار المهدية بقيادة محمد أحمد المهدي، ونتج منها سقوط الخرطوم في يد القوات البريطانية المصرية.
أما الحرب الثانية فهي الحرب الراهنة التي اندلعت بين الجيش وقوات "الدعم السريع" قبل عامين في منتصف أبريل 2023، وما زالت مستمرة حتى اليوم.
10- ما أبرز أسباب الحرب الحالية في الخرطوم؟
يرجع معظم المراقبين أبرز أسباب الحرب الراهنة إلى تصاعد التوترات بين المكون العسكري في السلطة الانتقالية، الجيش وقوات "الدعم السريع"، في شأن إدارة الفترة الانتقالية عقب إطاحة نظام عمر البشير عام 2019، حين شُكلت حكومة شراكة انتقالية بين المكونين العسكري والمدني، قوى الحرية والتغيير، وبلغت ذروتها بإطاحة قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بتلك الشراكة، في الـ25 من أكتوبر 2021، وإعادة رموز النظام السابق إلى الحكم بشكل تدريجي، مما أغضب "الدعم السريع" وفاقم خلافها مع قائد الجيش.
يشير المراقبون إلى أن التوقيع على الاتفاق الإطاري كوثيقة تم التوافق عليها لاحقاً بين المكونين العسكري والمدني لتجاوز خلافاتهما واستئناف الفترة الانتقالية والتحول المدني الديمقراطي بوساطة عربية - غربية، أثار حفيظة فلول النظام السابق من التيار الإسلامي الذي بدا طامعاً في العودة إلى سدة الحكم من جديد عقب انقلاب البرهان، وبدأ يعمل جاداً على توسيع فجوة الخلاف بين الجيش و"الدعم السريع" والدفع بهما إلى هاوية الصدام.
وشكل الخلاف حول إعادة هيكلة المنظومة الأمنية والمدى الزمني لدمج "الدعم السريع" في الجيش وفق المراقبين، أكبر عوامل تصاعد الخلاف، إلى جانب مساهمة الصراع الخفي بين قيادتي الجيش و"الدعم السريع" في تصعيد التوترات وتحويلها إلى صراع مسلح بتأجيج من عناصر النظام السابق للصراع الذي اجتذب في ما بعد كثيراً من التدخلات الإقليمية والدولية.