Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الحرب تجرد العاصمة السودانية من معالمها المعمارية

مبانٍ ومنشآت حيوية في الخرطوم تحولت إلى هياكل محروقة نتيجة تصاعد وتيرة المعارك واستخدام المدفعية الثقيلة والغارات الجوية

المعارك ألحقت أضراراً بالغة ببعض المباني التاريخية والمنشآت الاستراتيجية في العاصمة (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

صُدم السودانيون من حجم الدمار الكارثي الذي حل بمعالم الخرطوم البارزة التي تعكس تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام، بخاصة مبانٍ مثل السرايات القديمة وبريد السودان وجامعة الخرطوم والمتاحف، وكذلك القصر الجمهوري والكنائس والمساجد والسكة الحديد.

لم تعد العاصمة السودانية الخرطوم كما كانت عليه قبل 23 شهراً، حيث تحولت خضرة "مقرن النيليين" إلى سحب وأعمدة من الدخان الأسود الداكن، واكتست وشوارعها بسخام المخلفات والحرائق، وتعرضت مبانٍ ذات قيمة تاريخية وطراز معماري فريد إلى التدمير والتخريب، فضلاً عن تحول معالم مهمة ومنشآت حيوية إلى هياكل محروقة نتيجة تصاعد وتيرة المعارك، إضافة إلى استخدام طرفي القتال للمدفعية الثقيلة والغارات الجوية.

وصُدم السودانيون من حجم الدمار الكارثي الذي حل بمعالم الخرطوم البارزة التي تعكس تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام، بخاصة مبانٍ مثل السرايات القديمة وبريد السودان وجامعة الخرطوم والمتاحف، وكذلك القصر الجمهوري والكنائس والمساجد والسكة الحديد.

فكيف ينظر المتخصصون في مجال المعمار وهندسة المساحة إلى واقع ومستقبل المباني ذات القيمة التاريخية ومعالم العاصمة السودانية البارزة وإمكان إعادة إعمار الخرطوم في مرحلة ما بعد الحرب ونهوضها من جديد؟ وكيف للدولة أن تحقق هذه الغاية في بلد متعثر اقتصادياً ولا يزال غارقاً في الصراع والانقسام السياسي؟

صعوبات وتحديات

الباحث والمعماري سيف الدين مسعود قال إن "المعارك ألحقت أضراراً بالغة ببعض المباني التاريخية والمنشآت الاستراتيجية في العاصمة، ويدفعنا الأمل بعدما تسكت أصوات المدافع وتصفو فوهات البنادق في إعادة رونق العاصمة لتقف مرة أخرى شامخة، لكن التحديات كبيرة والأوضاع معقدة للغاية". وأضاف أن "العمارة الحضرية في السودان لن تعود لسابق مجدها، بخاصة القصر الرئاسي القديم، سواء إن كان تعرض للقصف كله أو جزء منه، إذ يشكل بدايات حركة العمارة في السودان بتاريخنا الحديث".

وأوضح مسعود أن "هناك مباني لمقار حكومية ووزارات صممها رموز العمارة في البلاد، بالتالي من الصعب أن تعود كما كانت، وفي المقابل فإن العمارة الحديثة التي نهضت أخيراً تم تغليفها بألواح ألمنيوم ولذلك حدث فيها تدمير سريع بعكس الحجر والرمل".

 

 

ويتابع المتحدث "مطار الخرطوم الدولي يعد رقماً في معادلة الصراع بين الجيش وقوات ’الدعم السريع‘ ويعد معلماً مهماً مثل السكة الحديدية، وهو لم يسلم من الدمار والخراب ومن الصعب ترميمه بالكيفية القديمة ذاتها".

وأشار الباحث والمعماري إلى أن "الأزمة الاقتصادية التي يعانيها السودان ستقف حائلاً بين الأمنيات والآمال والواقع الأليم"، لافتاً إلى أن" المباني التاريخية لن تعود لوضعها الطبيعي"، واقترح مسعود إعادة ترميم مباني العاصمة الخرطوم بالبصمة والجودة نفسهما حتى تستعيد مجدها من جديد.

رؤية علمية

في السياق أوضح المعماري ومهندس الديكور إيهاب مهدي أن "الخرطوم لا تتميز بنمط معماري معين، فهي تضم مختلف الأشكال والأنماط والألوان في مبانيها، لكنها تتميز بخيوط معمارية واضحة في طراز الأبنية من حيث تاريخ بنائها، وفي المنطقة الشمالية المطلة على النيل الأزرق يظهر النمط الكولونيالي الذي يعود إلى القرن الـ19 والعصر الفيكتوري وما قبله".

وتابع "يظهر فن العمارة المملوكية الإسلامية في مباني الوزارات والدواوين الحكومية القديمة التي بناها الأتراك ومن بينها سراي الحكمدار (القصر الجمهوري القديم) الواقعة في المنطقة المحاذية للنيل الأزرق، والتي تم تخطيط شوارعها في عهد كتشنر على شكل العلم البريطاني (الصلبان المتقاطعة رأسياً وأفقياً وعرضياً) مستنداً في تخطيطه بصورة عامة على مخطط واشنطن الأميركي مع إدخال بعض العناصر العسكرية كبناء ثكنات الجنود (داخليات جامعة الخرطوم حالياً)، وفي عام 1908، نفذ مخطط ملكين، وهو بمثابة تعديل لتخطيط كتشنر متأثر بتخطيط غاردن سيتي في القاهرة".

اقرأ المزيد

وأضاف "في المنطقة التي تليها جنوباً يسود معمار خمسينيات وستينيات القرن الـ20، ومن أبرز أمثلته امتداد فندق السودان الواقع على النيل الأزرق، وكلما ابتعدنا جنوباً من النيل أو اتجهنا نحو أطرافه الشمالية في منطقة المقرن، نجد نماذج لأنماط العمارة المعاصرة مثل قصر المؤتمرات (مبنى قاعة الصداقة الحالي) الذي بناه الصينيون في سبعينيات القرن الماضي، وهو شبيه بمباني ’ميدان السلام الأبدي‘ في بكين، فيما تتمثل العمارة الحديثة في فندق ’كورينثيا‘ الذي تم تشييده على شكل بيضة نعام ضخمة، فضلاً عن مبنى بنك السودان المركزي الجديد ذي الواجهة الزجاجية، وعدد من الأبراج الجديدة التي تتركز في وسط الخرطوم ومنطقتي المقرن وبري".

وأشار مهدي إلى أن "إعادة إعمار الأنماط المعمارية وطراز الأبنية في العاصمة يحتاج إلى رؤية علمية، إلى جانب تكوين لجنة فنية متخصصة تضم خبراء ومهندسين من رموز العمارة في السودان".

ولفت المعماري ومهندس الديكور إلى أن "خيارات الإصلاح والإعمار تبدو أمراً غاية الصعوبة والتعقيد، لكنه غير مستحيل حالما توفرت الإرادة الوطنية والتكاتف المجتمعي لمجابهة تحدي توظيف تجربة الحرب المريرة وتحويلها إلى فرصة برؤية جديدة، تعتمد على تطوير قدراتها ومواردها، خصوصاً في ظل وجود معماريين سودانيين أصحاب خبرة وكفاءة خارج البلاد يمكن الاستعانة بهم في إعادة الإعمار والنهوض بالبنية التحتية".

مهمة شاقة

على الصعيد نفسه أشار عضو هيئة المساحة السودانية السابق عامر الفكي إلى أن "المعارك ألحقت أضراراً بالغة بالمباني التاريخية والمنشآت الاستراتيجية في الخرطوم، وحدث تدمير كبير لأبرز معالم العاصمة لتجد الدولة نفسها في مواجهة مهمة شاقة لإعادة الإعمار والبناء في فترة ما بعد توقف الحرب".

 

 

ولفت إلى أن "النهوض بالبنية التحتية يحتاج إلى تخطيط سليم وعلمي يضع تصوراً للسنوات المقبلة وفق عدد السكان والخدمات التعليمية والصحية، مع الوضع في الاعتبار تضاريس العاصمة".

وتابع الفكي "الجامعات والهيئات ذات الصلة بالملف المعماري والهندسي يمكن أن تلعب أدواراً مهمة في عملية إعادة الإعمار والنهوض بالبنية التحتية ومتابعة عمليات تنميتها وتطويرها مستقبلاً على النهج العلمي الصحيح".

نهضة عمرانية

ظلت الخرطوم على وضعها العمراني القائم منذ تأسيسها حتى جاء القرن الـ20 ليشهد أول مرحلة من مراحل ازدهارها عندما شيدت العمارة في العهد البريطاني - المصري على النسق المعماري الإنجليزي، والذي لا يزال ماثلاً للعيان في الأبنية القديمة المنتشرة بمحاذاة نهر النيل الأزرق قبل التقائه بالنيل الأبيض.

واستمرت عمليات التخطيط العمراني للمدينة بصورة منتظمة وفق خطة الدولة للتنمية والنهضة العمرانية لعموم مدن البلاد، حيث شهدت بداية الربع الثاني من القرن الماضي، وتحديداً عام 1927 تشكيل أول لجنة للتخطيط العمراني للعاصمة الخرطوم، وكان أبرزها تخطيط عامي 1946 و1950، والذي شمل توسيع الطرق والشوارع وإنشاء الحدائق العامة والميادين وبناء امتدادات جديدة في الأحياء لاستيعاب موجات الهجرة السكانية نحو العاصمة، ونتيجة للنمو الديموغرافي والرغبة في تجميل العاصمة، شهدت المدينة عملية تخطيط عام 1958، بخاصة في المنطقة القريبة من مقرن النيلين، وبرز نمط معماري جديد مغاير للنمط الاستعماري، كما تكررت العملية التخطيطية في عامي 1977 و1990 في المنطقة ذاتها.

المزيد من تقارير