تمضي سلطات الاحتلال الإسرائيلي بكل قوة في ترسيخ وجودها في القدس المحتلة، وفرض حقائق على الأرض تجعل إزالتها ليس صعباً فقط بل مستحيلاً.
ومن هذه الحقائق، المقبرة اليهودية في القدس الشرقية المحتلة التي يحرص الإسرائيليون على دفن موتاهم فيها بسبب مكانتها الدينية لديهم.
وعلى سفح جبل الزيتون المطل على البلدة القديمة للقدس، تقع أكبر وأقدم مقبرة يهودية في المدينة المحتلة، بنيت قبل أكثر من 110 سنوات، وتضم رفات حوالى ربع مليون يهودي.
مضاعفة المساحة
وكان حاخام يهودي استأجر قطعة الأرض التي تقع فوقها المقبرة من الوالي العثماني عام 1897 لمدة 100 عام، وضاعفت السلطات الإسرائيلية بعد ذلك مساحتها، حيث تمتد من سفح جبل الطور إلى بلدة سلوان.
ويُدفن في هذه المقبرة اليهود من كافة أنحاء إسرائيل بسبب "قدسيتها بحسب معتقداتهم"، حيث دفن فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغن وعدد من مؤسسي الدولة.
ومع حرص اليهود المتدينين على دفن موتاهم قرب ما يعتقدون أنه "بداية الصراط المستقيم إلى يوم القيامة"، وما يسمونه "جبل الهيكل" أصبحت المقبرة لا تتسع لاستيعاب المزيد من الموتى.
وفي ظل ازدياد عدد السكان الإسرائيليين فإن حاجتهم إلى مدافن جديدة تزداد، إذ تشير إحصاءات إلى وفاة نحو أربعة آلاف شخص سنوياً.
مقبرة ضخمة جديدة
ومن أجل ذلك، لجأت السلطات إلى طرق غير تقليدية عبر بناء مقبرة ضخمة جديدة أسفل المقبرة القديمة التي تمتد من جبل الزيتون وحتى بلدة سلوان، وتبلغ مساحتها أكثر من 1600 متر مربع بعمق خمسين متراً، وتتسع لأكثر من 23 ألف قبر بتكلفة بلغت نحو 90 مليون دولار.
ومن المقرر أن تفتتح المقبرة الجديدة الشهر المقبل، ويتوقع أن تمتلئ خلال عشرة سنوات.
ويحتوي كل قبر على طبقات عدة من المواد المانعة للتسرب، حيث ثبتت أنابيب تهوية ضخمة للمساعدة في الحفاظ على درجة حرارة ثابتة ومريحة يوفرها النفق بشكل طبيعي.
وتأمل مؤسسة "شيفرا كديشا" التي تشرف على دفن اليهود في إسرائيل، في أن يخف الضغط على مقابر القدس المحتلة بعد إنشاء "مقبرة الأنفاق".
وقال شانانيا شاشور، المسؤول في "شيفرا كديشا"، أنه سيتم بناء المزيد من القبور بشكل عمودي إذا ما "تقبل الناس هذه الطريقة الجديدة للدفن".
ترسيخ واقع أبدي
في المقابل، أوضح الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، أن سلطات الاحتلال تعمل على ترسيخ واقع أبدي في المدينة المحتلة فوق الأرض وتحتها، مضيفا أن سلطات الاحتلال تمكنت من تهويد 97% من المدينة دون الاكتراث لكافة القرارات الدولية التي تعتبرها مدينة محتلة ويحرّم تغيير واقعها.
ويرى المتخصص في شؤون القدس جمال عمرو أن سلطات الاحتلال تحاول منع الفلسطينيين المقدسيين من دفن موتاهم في مقابر القدس، مع العمل على ابتكار طرق غير تقليدية لدفن اليهود فيها.
في سياق متصل، تتعرض قبور الفلسطينيين في القدس المحتلة إلى اعتداءات شبه يومية، إضافة إلى الحفريات الإسرائيلية أسفلها ما يتسبب بانهيارها.
وتقوم السلطات بحفريات أسفل مقبرتي باب الرحمة واليوسفية الملاصقتين للمسجد الأقصى، كما سبق أن نبشت القبور فيهما وحطمت الشواهد.
وتعد مقبرة باب الرحمة الملاصقة، من أقدم المقابر الإسلامية في القدس، ويعود تاريخها إلى 1400 سنة، وتضم العديد من قبور الصحابة، أبرزهم عبادة بن الصامت وشداد بن أوس.