انتقدت مؤسسة Jubilee Debt Campaign، التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، "سياسة التوسُّع في الإقراض التي تبنَّاها صندوق النقد الدولي خلال السنوات الأخيرة".
المؤسسة البريطانيَّة وصفت سياسة الصندوق بـ"الإقراض المتهوّر"، خصوصاً إلى الدول "ذات مستويات الدَّين المرتفعة".
وأشارت في هذا الإطار إلى مصر التي حصلت أخيراً وخلال 3 سنوات على 12 مليار دولار من الصندوق على 6 شرائح، كانت آخرها في أغسطس (آب) الماضي بقيمة ملياري دولار، وسط تكهنات غير رسميَّة بإمكانيَّة تمديد اتفاقيَّة قرض جديد، وهو ما نفته الحكومة المصريَّة، مؤكدة "استمرار القاهرة في التعاون فنياً مع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي".
إقراض متهور
وقالت المؤسسة، في تقرير لها، "صندوق النقد الدولي منح تمويلات تصل إلى نحو 93 مليار دولار إلى عددٍ من الحكومات المصنَّفة على أن لديها مستويات ديون مرتفعة للغايَّة"، ومن بينها مصر، دون اشتراط قيام تلك الدول بتطبيق برنامج لإعادة هيكلة مديونياتها، ما يجعل الإقراض أمراً "متهوراً".
مؤسسة (Jubilee Debt Campaign) تتركز دائرة أعمالها على إجراء أبحاث الديون العالميَّة، كما تُطلق الحملات لإسقاط ديون الدول الناميَّة في محاولة للتخفيف من حدة الفقر بها.
وتابعت، "صندوق النقد الدولي لديه سياسة تمنعه من تقديم القروض إلى الحكومات التي لديها وضع غير مستدام للديون"، دون أن يجعل التمويل "مشروطاً ببرنامج لإعادة هيكلة تلك الديون لجعل الوضع مستداماً".
وأضافت "رغم ذلك فإن صندوق النقد الدولي ليس لديه تعريف محدد للديون غير المستدامة"، ما يمهّد الطريق أمام الحكومات للحصول على التمويل "دون معالجة تلك المشكلة الأساسيَّة"، مؤكدة أن الحصول على مزيدٍ من القروض من صندوق النقد الدولي "يفرض عبئاً اقتصادياً على مواطني تلك الدول"، إذ تطالبهم الحكومات بـ"تحمّل تدابير تقشفيَّة".
أعدَّت المؤسسة البريطانيَّة نموذجاً يشمل مصر، إضافة إلى خمس دول، تلقت تمويلاً من صندوق النقد الدولي "دون أن يشترط الصندوق إجراء إعادة هيكلة لديونها"، رغم أن خدمة الدين الحكومي الخارجي كنسبة من كل من الإيرادات والصادرات تفوق بكثير حدود "الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر" التابع إلى صندوق النقد الدولي.
الدول الخمس الأخرى هي الأرجنتين (حصلت وحدها على تسهيلات قياسيَّة بقيمة 56 مليار دولار)، وأنغولا، والإكوادور، وباكستان، وسريلانكا.
وخصت المؤسسة مصر بالذكر قائلة "حصلت (القاهرة) على التسهيل الائتماني الممتد البالغ 12 مليار دولار من صندوق النقد بعد قيام الأخير بتقييم وضع الديون في البلاد"، والذي وصفه بأنه "مستدامٌ، لكنه عرضة لمخاطر كبيرة".
استراتيجيَّة شاملة لخفض الدين العام
وفي هذا الشأن وردّاً على التقرير، قال نائب وزير الماليَّة المصري أحمد كجوك، "المؤسسة البريطانيَّة لها مطلق الحريَّة في توجيه النقد إلى الصندوق الدولي".
وأضاف، في حديثه مع "اندبندنت عربيَّة"، "لكن عند إشارتها إلى مصر أغفلت أو ربما لا تعلم أن الحكومة المصريَّة ممثلة في وزارة الماليَّة تتبنى استراتيجيَّة شاملة لخفض الدين العام وإعادة هيكلته"، موضحاً "الاستراتيجيَّة تستهدف خفض الدين العام المصري إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022، إلى جانب الاعتماد على إصدارات الدين الطويلة الأجل، وتسريع عمليَّة دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي للبلاد".
وأكد نائب وزير الماليَّة أن الحكومة المصريَّة "حددت سقفاً للديون الخارجيَّة لا يتخطى حاجز الـ110 مليارات دولار"، متوقعاً الوصول إلى هذا الرقم "خلال عامين أو ثلاثة أعوام".
وتابع كجوك، "الحكومة المصريَّة نجحت في خفض معدلات الدين العام من 108% العام المالي قبل الماضي إلى 97% العام المالي الماضي، وكذلك خفض معدل العجز الكلي بالموازنة العامة إلى نحو 7% من الناتج في العام المالي 2018 - 2019".
العام المالي الماضي أكد "النقد الدولي"، في تقرير، "قدرة مصر على خفض معدل الدين العام إلى 83.3% من الناتج المحلي خلال العام المالي المقبل نزولاً من 86%، متوقعاً للعام المالي الحالي ومقابل 103.2% في عام 2016 - 2017، مع خفض نسبة الدين الخارجي أيضاً إلى 17.6% من الناتج المحلي العام المالي المقبل مقابل 18.1% عام 2016 - 2017، وتراجع الدين المحلي إلى 65.7% من الناتج المحلي بنهايَّة العام المالي الحالي 2019 - 2020 مقابل 85% عام 2016 - 2017".
مخاطر إعادة تمديد الديون
في المقابل ألمحت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز"، في تقريرها عن ديون الشرق الأوسط، أصدرته في مارس (آذار) الماضي إلى أن مصر "تستحوذ على 20% من إجمالي الديون السياديَّة طويلة الأجل المتوقع طرحها خلال 2019 بنحو 28 مليار دولار"، مشيرة إلى أن القاهرة "تواجه مخاطر إعادة تمديد الديون، إذ يصل الاستحقاق عليها من الديون 36% من الناتج المحلي الإجمالي".
وقال سيرجي جورييف كبير الاقتصاديين بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنميَّة، "ارتفاع معدلات الدين يعتبر تحدياً كبيراً يواجه الحكومة المصريَّة حالياً".
وطالب القاهرة، في تصريحات صحافيَّة تعقيباً على تقرير "ستاندرد آند بورز"، بـ"تقليل الاعتماد على الدين الخارجي ليكون مرناً وفق المعايير الماليَّة والصدمات الخارجيَّة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال فخري الفقي المساعد السابق للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، "الحكومة المصريَّة أصبحت في وضع أفضل حالياً"، إذ تطبق استراتيجيَّة لإدارة الدين العام (المحلي أو الخارجي)، وكذلك تخطو خطوات جادة في كفاءة إدارة أصول الدولة وهيكلة الديون بالتركيز على التخلص من الدين قصير الأجل أو إلى ديون طويلة ومتوسطة الأجل".
وطالب الفقي، في تصريحات خاصة، الحكومة بـ"زيادة التركيز على دفع حصيلة صادرات السلع ذات القيمة المضافة المرتفعة، إلى جانب المساعدة في تدفق الاستثمارات الأجنبيَّة المباشرة، والتوسع في الاقتراض من المؤسسات التمويليَّة الدوليَّة والإقليميَّة ذات فوائد منخفضة، وتقليص الاعتماد على الاقتراض من الحكومات".
الدين العام المحلي لمصر بلغ نحو 4.2 تريليون جنيه (نحو 256 مليار دولار أميركي) حتى نهايَّة مارس (آذار) الماضي، بما يمثل نحو 79% من الناتج المحلي الإجمالي، ويمثل الدين الخارجي منه نحو 106.2 مليار دولار حتى نھايَّة مارس (آذار) 2019، ويمثل نحو 36.9% من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتقرير البنك المركزي المصري في أغسطس (آب) الماضي، الذي وصف حجم الدين العام في تقريره قائلاً "النسبة لا تزال في الحدود الآمنة وفقاً للمعايير الدوليَّة".
الدين العام للدول يمثل إجمالي مديونيَّة الدولة لمؤسسات وأفراد داخل البلاد، ويُحسب كنسبة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لإعطاء صورة عن قدرة الدولة الماليَّة على تغطيَّة ديونها دون حدوث أزمات.