قبل بضعة أيام، "احتفل" أهالي هونغ كونغ بالعيد الوطني الصيني باحتجاجات ومواجهات واسعة ضد الشرطة. خلال تلك المواجهات، أطلق أحد رجال الشرطة النار على أحد رفاقنا، وهو طالب يبلغ من العمر 18 عاماً، ما زاد من الاستياء الشعبي ضد الحكومة. في غضون ذلك، اعتُقِلَ عدد لا يحصى من المتظاهرين وعُذّبوا واستُجوِبوا.
والآن، يبدو أن السلطات قد ذهبت أبعد من ذلك.
وفي يوم الجمعة الماضي، عمدت الرئيسة التنفيذية في سلطة هونغ كونغ، كاري لام، إلى الالتفاف على البرلمان، واعتمدت "قانون ضد القناع" مستندة إلى أحكام "قانون أنظمة الطوارئ" في المدينة. ويعني ذلك الإجراء أن مواطني هونغ كونغ الذين يحتجون ضد حكومتهم وضد الشرطة لا يستطيعون تغطية وجوههم دون سبب "دفاعي معقول". وقد مُنِحَتْ الشرطة تفويضاً قانونياً لإزالة غطاء وجه الأشخاص كلهم، مع معاقبة قاسية لمن ينتهكون ذلك القانون أو يرفضون الامتثال لأوامر الشرطة.
في المقابل، ثمة ما لم تدركه لام على ما يبدو، ويتمثّل في أنها وضعت العربة أمام الحصان. وطالما لم تُحل المشكلات الاجتماعية العميقة في هونغ كونغ، ويستمر قمع حقوق الإنسان والحرية المدنية فيها، فلن تفيد تلك القوانين في استعادة النظام الاجتماعي.
وعلى الرغم من أننا نحن أهالي هونغ كونغ نقبع الآن تحت حكم قوانين وحشيّة، إلا أن رفاقنا ما زالوا يتشبّثون بعصيان مدني واسع النطاق، مظهرين جرأة قصوى من خلال الاصطفاف الجماعي. فقد خرجوا مرتدين أقنعتهم بأعداد غفيرة إلى الشوارع في نهاية الأسبوع الماضي، احتجاجاً على قوانين ظالمة ووحشيّة الشرطة وحكومة متشددة.
قوبل ذلك العصيان المدني بعواقب شديدة. إذ تعرض الصحافيون والمراسلون إلى الضرب بلا هوادة من قِبَل الشرطة، لمجرد أنهم كانوا يرتدون أقنعة لحماية أنفسهم من الغاز المسيل للدموع. وللسبب نفسه، أرغمت الشرطة بقسوة المتظاهرين على إزالة أقنعتهم. وحتى كتابة هذا التقرير، أحيل ثلاثة أشخاص على المحاكمة بموجب ذلك القانون، وقد أُفرِجَ عنهم جميعاً بكفالة، لكنهم ممنوعون من مغادرة هونغ كونغ.
بالاختصار، تمثّل تلك المعطيات الواقع الجديد في مدينتنا. وسيواصل أهالي هونغ كونغ عصيانهم المدني، ويعتقل مزيداً من الأشخاص لمجرد ارتداء الأقنعة. وبينما لا تزال معنويات الناس مرتفعة، يبقى قانون حظر الأقنعة مجرد خطوة اخرى على طريق تحويل هونغ كونغ إدارة بوليسية.
في المشهد نفسه، لا يشكّل قانون حظر القناع سوى مجرد واجهة. وعِبْرَ اللجوء إلى "قانون أنظمة الطوارئ"، من دون إعلان حالة طوارئ، فتحت الحكومة الباب بهدوء أمام التدخل في مصالح كل طرف ترغب في تختاره.
ويمنح ذلك الإجراء غير المسبوق الحكومة الحق في ممارسة السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، دون قيود. فبموجب أحكام القانون، يحق لها الاستيلاء على الممتلكات الخاصة دون إشعار، وذلك باسم الحفاظ على الأمن والنظام العام. ويعني ذلك أيضاً أن حقوق الملكية الخاصة التي تعتبر حجر الأساس في المعجزة الاقتصادية لهونغ كونغ، أصبحت الآن في خطر شديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في نفسٍ مُشابِه، يُعرّض ذلك الأمر المصالح الغربية في هونغ كونغ إلى تهديد لا يمكن احتماله. وقد حان الوقت الآن أمام المستثمرين الغربيين كي يعيدوا التفكير في خططهم الاستثمارية في هونغ كونغ. إذ لا يمكن لأحد أن يتوقع متى يمكن أن تستغل الحكومة تلك القوانين لأغراض سياسيّة، خصوصاً في خضم النزاعات التجارية بين الصين والغرب.
من جهة اخرى، يسمح "قانون أنظمة الطوارئ" أيضاً للحكومة باحتجاز الأشخاص باسم الأمن والنظام العام. وعند تلك النقطة، يجب ألا ننسى ما حدث مع مواطنيْن كنديّيْن عندما أُلقي بهما في السجن بالذريعة نفسها داخل الصين أثناء النزاع الديبلوماسي بشأن اعتقال الحكومة الكنديّة وانزهو مينغ، المسؤولة في شركة "هواوي".
إذا كان اللجوء إلى ذلك القانون يجري بتلك البساطة في هونغ كونغ، فلن يكون غير واقعي القلق بشأن السلامة الشخصية للأفراد المقيمين فيها، ومن بينهم مواطني الدول الغربية.
في ذلك الصدد، من المستطاع القول إنّ هونغ كونغ ليست بحال من الأحوال بعيدة من الخلاص. إذ إنها مدينة عالمية يتعايش الغرب والشرق فيها. وفي نهاية المطاف، يتمثّل كل ما حدث في أن حفنة من القيادات المحلية قد أَخْرَجَت استقرار هونغ كونغ عن مساره عِبْرَ سياساتها الخاطئة بشكل أساسي.
واستطراداً، يمكن للغرب إن أراد، اداء دور حيوي للمساعدة في إيجاد حل لذلك الوضع. ونحن بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكن أن نحصل عليها من المجتمع الدولي، خصوصاً من مجالنا الحضاري السابق.
في ذلك السياق، تستطيع المملكة المتحدة أن تفعل أكثر من مجرد نقل الاستثمارات. إذ إنها تستطيع فرض عقوبات فردية على كبار المسؤولين الذين ينتهكون مبادئ حقوق الإنسان، وتجميد أصولهم في المملكة المتحدة وإلغاء جنسياتهم البريطانية. ويمكن لتلك الإجراءات أن تساعد كثيراً في التخفيف من الوضع في هونغ كونغ، مع الحفاظ على بيئة الأعمال في المدينة.
وعلى الرغم من كل الرعب المنتشر في شوارعنا، إلا أن قناعتنا بصيانة حرية هونغ كونغ وديمقراطيتها لن تتزحزح أبداً. إننا نتشبث بنفس قيم الديمقراطيات الغربية. لذلك نطالبهم ونرجو منهم الانضمام إلينا، والمساعدة في صيانة هونغ كونغ وشعبها.
(جوشوا وونغ هو رئيس جمعية "ديموسيستو" وبيلي فونغ هو الرئيس السابق لنقابة الطلاب في جامعة هونغ كونغ)
© The Independent