يبدو أن كيانا مصرفيا جديدا سيدخل حلبة المنافسة للمصارف الخليجية، حيث أعطى بنك الكويت المركزي الضوء الأخضر لاستحواذ بنك بيت التمويل الكويتي على 100% من رأسمال البنك المتحد البحريني عن طريق تبادل الأسهم، الأمر الذي سيخلق مصرفا جديدا بأصول تصل إلى 90 مليار دولار، ليحجز ترتيباً في قائمة البنوك العشرة الخليجية الكبار.
فبعد أكثر من سنتين على الجدل حول هذا الاستحواذ، والضغوط السياسية البرلمانية التي لاحقته، بات الكيان الجديد قاب قوسين أو أدنى من الظهور بعد أخذ الموافقات الرسمية.
وكان مشروع الاستحواذ مرّ على مدار سنة كاملة بالفحص النافي للجهالة والتقصي، وانتهى بموافقة البنكين على معدل تبادل الأسهم، عند 2.235 لأسهم الأهلي المتحد، مقابل كل سهم في بيت التمويل، المعروف اختصارا بـ"بيتك".
موافقة مشروطة
ويقول بنك الكويت المركزي، في بيان حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه، إنه "وافق على طلب (بيتك) الاستحواذ على (الأهلي المتحد)، وهي عملية مشروطة بمجموعة متطلبات فنية وقانونية وإجرائية قبل التنفيذ".
وبيت التمويل الكويتي واحد من أكبر وأقدم المصارف الإسلامية في العالم، ويبلغ رأسماله نحو 634 مليون دينار (1.9 مليار دولار)، ويمتلك بنوكا في تركيا وألمانيا والبحرين وماليزيا. في المقابل، يبلغ رأسمال مجموعة البنك الأهلي المتحد البحريني 1.9 مليار دولار، ولديها وحدات تابعة أو زميلة واستثمارات في بريطانيا ومصر وليبيا والعراق وسلطنة عمان والكويت.
من الإخوان المسلمين إلى العائلات الليبرالية
وخطة "بيتك" أنه سيصبح بنكاً يمتد من الكويت، فالخليج، ثم أوروبا وآسيا. وكان "بيتك" شهد تحولات عدة في السنوات الأخيرة، فقد سيطرت عليه مجموعات مقربة من جماعة الإخوان المسلمين لسنوات طويلة، قبل أن تتمكن منذ سنوات قليلة عائلات تجارية ليبرالية ذات نفوذ في الاقتصاد والسياسة الكويتية من السيطرة عليه، وعلى رأس هذه العائلات "المرزوق" و"الغانم" و"النفيسي"، الممثلة أيضا في مجلس الإدارة. وقررت هذه الإدارة الجديدة أن تخوض تجربة أوسع مما قامت به الإدارة السابقة، بتوسيع انتشارها في مناطق ودول مثل بريطانيا ومصر والعراق، ووقع اختيارها على "الأهلي المتحد" البحريني لتنفيذ صفقة استحواذ عن طريق المبادلة بالأسهم.
ملكيات مشتركة
وهناك ملكيات مشتركة بين البنكين سهلت عملية التوصل إلى اتفاق. فأكبر ملاك "بيتك" هي الجهات الحكومية الكويتية بنسبة تقارب 50%، وهم الهيئة العامة للاستثمار الكويتية بنسبة 24%، والهيئة العامة لشؤون القصر بنسبة 10.5%، والأمانة العامة للأوقاف بنسبة 7.3%، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بنسبة 6%. بالمقابل هناك ملكيات كبيرة للقطاع الخاص الكويتي بنسب دون 5%، غير مفصح عنها، وهي تمثل العائلات المذكورة في مجلس الإدارة.
أما قائمة كبار الملاك في "الأهلي المتحد"، فهم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الكويتية بنسب 18.7%، وهي تمتلك في البنكين معا، إضافة إلى شركة التمدين الاستثمارية التابعة لمجموعة "المرزوق" الكويتية بنسبة 7.7%، وهذه المجموعة أيضا لديها ملكيات غير معلنة في "بيتك" بنسب أقل من 5%، وهناك ملكية أيضا للهيئة العامة للتأمين الاجتماعي في البحرين بنسبة 10%.
جدل سياسي وتخوف
لكن هذه الحصص المشتركة، خصوصا المملوكة للحكومة الكويتية في "بيتك"، خلقت جدلا سياسيا وبرلمانيا في الكويت حول ضرورة حماية المال العام من هذا الاستحواذ الضخم، خصوصا أن هناك ملاكا مسيطرين من القطاع الخاص يملكون نسبا أقل من النسب الحكومية. وكان هناك تخوف من أن يكون البنك الأهلي المتحد البحريني منكشفا على مناطق جغرافية مليئة بالتحديات والمخاطر الجيوسياسية، مثل العراق ومصر، وأن تكون أصوله سيئة (قروض غير منتظمة السداد أو معدومة)، وأن يكون غرض مشروع الاستحواذ ضم هذه الأصول السيئة إلى محفظة "بيتك" النظيفة، ويتم تغطيتها بتجنيب مخصصات إضافية تحرم المال العام من أرباح "بيتك".
لكن بنك الكويت المركزي قال، في بيان، إن "شركة ماكينزي المتخصصة في الاستحواذات والاندماجات درست مشروع الاستحواذ، وإن أبرز نتائج الدراسة الخاصة بجودة أصول البنكين المعنيين بشقيها (محفظة التمويل ومحفظة الاستثمار) مكتبيا وميدانيا، تبين أن الأصول ذات جودة عالية، وأن نسب القروض غير المنتظمة فيها منخفضة". كما كانت هناك تطمينات من دراسة "ماكينزي" لأمور متعلقة بمخاطر السوق وكفاية رأس المال ومخاطر السيولة، بحسب "المركزي".
إبعاد "الأهلي المتحد" الكويتي
لكن "المركزي" حاول إبعاد البنك الأهلي المتحد في الكويت، وهو بنك مستقل إسلامي تابع للبنك الأهلي المتحد في البحرين، عن عملية الاستحواذ، حيث طلب "بضرورة الإبقاء على البنك الأهلي المتحد- الكويت ككيان منفصل يضمن حماية المنافسة والعملاء ومنع الاحتكار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والسبب في ذلك أن الكيان الجديد، في حال ضمّ البنك الأهلي المتحد الكويتي إليه، سيستحوذ على 66% من الحصة السوقية في القطاع الإسلامي (مقابل 51% قبل الاندماج)، وهو مستوى اعتبره البنك المركزي "مرتفعا قد يترتب عليه ضعف في المنافسة على مستوى القطاع المصرفي الإسلامي في الكويت".
وكان بيت التمويل الكويتي قدم مجموعة من الدراسات التي تم إعدادها بشأن الفحص النافي للجهالة بمشاركة جهات استشارية عالمية ومحلية، أبرزها (PWC) و(Goldman Sachs) و(HSBC) و(Freshfields Bruckhaus Deringer) إلى جانب شركة الشال.
خلاصة الاندماج
وخلصت الدراسات المقدمة، سواء من جانب بيت التمويل الكويتي أو شركة (ماكينزي) المكلفة من بنك الكويت المركزي، إلى أن عملية الاستحواذ المقترحة يتوقع أن تكون لها مزايا ومنافع يمكن إيجازها فيما يلي:
سيكون الكيان الجديد أكبر بنك إسلامي في العالم، وبالتالي أقدر على تمويل المشاريع التنموية الكبرى، وأقدر على المنافسة عالميا مع الانتشار في (11) سوقا مما يمنحه فرصا لتعزيز أعماله في عدد من الأسواق ذات النمو السريع، كما يسهم في تحسين إيرادات البنك من المصادر الخارجية. وكذلك أقدر على تطوير الصيرفة الإسلامية من خلال توظيف أفضل العناصر والإنفاق على البحث والتطوير.
مؤشرات السلامة المالية للكيان الجديد بعد الاندماج من حيث جودة الأصول ومعدلات الربحية والسيولة وكفاية رأس المال ومخاطر السوق تقع ضمن النطاق الآمن.
في المقابل، فإن هناك بعض المخاطر المترتبة على عملية الاستحواذ المقترح، يتعين على البنك اتخاذ الإجراءات اللازمة لإدارتها والحد من آثارها، ومنها مخاطر تحويل العمليات التقليدية بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، ومخاطر تقنية المعلومات، ومخاطر الأمن السيبراني، والمخاطر القانونية والتنظيمية.
وقال رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي" بيتك"، حمد المرزوق، إن "المزايا الإيجابية للمصرف الجديد سيترتب عليها زيادات إيجابية مؤثرة في ربحية سهم (بيتك) والتوزيعات النقدية".