تسابق السلطات العراقية الزمن، لضمان تهدئة الشارع المطالب بإسقاط النظام السياسي، قبيل زيارة أربعينية الإمام الحسين، مطلع الأسبوع المقبل، إذ من المتوقّع أن يُشارك ملايين الأشخاص من داخل البلاد وخارجها.
يأمل رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في أن تقود تحركاته إلى تهدئة الأوضاع داخل البلاد خلال الأيام القليلة المقبلة، وطمأنة المجتمع الدولي الذي ينظر بقلق إلى ما يوصف على نطاق واسع بـ"إجراءات قمعية" تمارسها الحكومة ضد المحتجين السلميين.
اجتماعان للأمن والخدمات
عبد المهدي عقد اجتماعين أمس الأحد، الأول أمني يتعلق بإجراءات الحكومة لكشف ملابسات مقتل وجرح واعتقال آلاف المحتجين خلال تظاهرات دامية انطلقت مطلع الشهر، تطورت شعاراتها من المطالبة بفرص عمل ومحاربة الفساد، إلى إسقاط النظام السياسي، فيما كان طابع الثاني خدماتي، ويختصّ بتنفيذ خطة حكومية لتوزيع أراض سكنية على الفقراء.
وشارك اليوم الاثنين في لقاء الرئاسات الثلاث، الحكومة والجمهورية والبرلمان، بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى، لإقرار خطوات تهدئة إضافية، على أمل تجنب التصعيد خلال زيارة الأربعينية المليونية.
ويخشى عبد المهدي، وفق مصادر مطلعة، أن يستغل المحتجون الحشود المليونية المتوقع مشاركتها في الأربعينية، لتنظيم تظاهرات كبيرة يصعب السيطرة عليها، لذلك يغتنم فرصة الأيام القليلة المتبقية حتى موعد الزيارة ليل السبت المقبل، لاحتواء الغضب الشعبي المتزايد ضد حكومته، بخاصة بعد تورطها في حمام دم ضد المتظاهرين.
قصر السلام
تدارس المجتمعون في قصر السلام، حيث مقر الرئيس برهم صالح، "الوضع السياسي والأمني في هذا الظرف بالغ الحساسية وفي ضوء التطورات الخطيرة الحاصلة بعد تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وما رافقها من حوادث مؤلمة وجرائم أدت إلى استشهاد وجرح مواطنين من المدنيين والعسكريين".
وبحسب المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية، فقد خلُص الاجتماع في جانب أساسي منه إلى وجوب "التحقيق الدقيق والأمين والعاجل بقضايا العنف والاستخدام المفرط للقوة والاعتداء على القنوات الإعلامية".
وأكد المجتمعون ضرورة أن يكون عمل لجنة التحقيق المكلفة كشف ملابسات الحوادث التي رافقت التظاهرات "مهنياً ومستقلاً، ومنع أية محاولة للتأثير في سير التحقيقات أو حجب المعلومات التي تحتاج إليها اللجنة من أجل انسيابية عملهم (أعضاء لجنة التحقيق) بكل حياد واطمئنان واحترام للحقيقة، بما يحول دون تكرار مثل هذه الحوادث والجرائم"، إضافةً إلى التشديد على إنصاف الضحايا وتعزيز "حرية المواطن وحقه بالتظاهر السلمي ويحفظ للأجهزة الأمنية مكانتها واعتبارها كحام للمواطنين وحقوقهم، ويصون ديمقراطية النظام السياسي للدولة العراقية ويحفظ سلام وأمن البلد".
إطلاق سراح جميع المعتقلين
وأقرّ اجتماع الرئاسات الثلاث بحضور الممثل الأعلى للسلطة القضائية في العراق "إطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين السلميين فوراً وسواهم ممّن اعتُقلوا بدواعي وظروف التظاهرات".
ودعا اجتماع قصر السلام "الجميع إلى احترام حرية العمل الإعلامي وأمن العاملين في مجال الإعلام وسلامتهم، واحترام حق العراقيين بالحصول على المعلومات المتاحة للصحافيين ونشرها وبثها بحياد ومسؤولية مهنية بلا خشية وبكل اطمئنان وبلا أية رقابة سوى رقابة الضمير وتقاليد المهنة والشعور الوطني المسؤول".
كما أكد الاجتماع "ثقته بتقدير وسائل الإعلام للظرف الحرج والحساس جداً الذي يمر به العراق"، آملاً في "تعزيز الشعور بالمسؤولية إزاء استقرار العراق وأمنه وسلامه واستقلاله وبما يطوّر تجربتنا الديمقراطية الفتية التي يشكل الإعلام وحريته ركناً أساسياً من أركان تقدّمها ورسوخها."
طمأنة المجتمع الدولي
يقول مراقبون إن موجة الترهيب التي سادت أوساط الصحافيين العاملين في وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية خلال تغطية التظاهرات، سبّبت حرجاً بالغاً للحكومة العراقية أمام المجتمع الدولي، في ظل هجمات طالت مقرات مؤسسات إعلامية وتوجيه تهديدات بالقتل لناشطين في المجال الإعلامي، نُسبت جميعها إلى ميليشيات عراقية مسلحة موالية لإيران، تقول إنها تعمل لحماية عبد المهدي.
وتوضح مصادر خاصة لـ "اندبندنت عربية"، أنّ "رئيس الوزراء تواصل شخصياً مع بعض وسائل الإعلام والصحافيين لطمأنتهم، لكنه طالب بأن تكون التغطية متوازنة".
وقال صحافيون تحدثوا إلى عبد المهدي إنهم لا يثقون بقدرة الحكومة على حمايتهم، في ظل تهديد الميليشيات.
لجنة لتشخيص مشاكل النظام
ووافق اجتماع قصر السلام أيضاً على "تشكيل لجنة من الخبراء العراقيين، المشهود لهم بالاستقلال التام والنزاهة والحرص والضمير اليقظ لوضع برنامج وطني استراتيجي، تتمكّن من تشخيص مشاكل نظام الدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والتشريعية والثقافية واقتراح الحلول الممكنة، على أن يُحدّد وقت ملزم لعمل اللجنة وكذلك مخرجاتها، وعلى أن يُحترم عملها والنتائج التي تخلُص إليها من قبل جميع مؤسسات الدولة والقوى النافذة فيها".
ودعا الاجتماع "الكتل والقوى السياسية في مجلس النواب ولجان المجلس إلى مواصلة عقد اجتماعاتهم في هذه الظروف، والعمل بكل الطاقات والإمكانات لصالح العمل الرقابي وإنجاز التشريعات والتعديلات القانونية اللازمة لتسهيل عمل الإصلاح ومكافحة الفساد، خصوصاً التشريعات الضرورية لتأمين نظام قانوني عادل ومتماسك للعمل والتوظيف والتقاعد والإسكان والرعاية الاجتماعية والصحية والتأكيد على السلطة التنفيذية الإسراع بإرسال مشاريع القوانين المذكورة، بغية اطمئنان أي عراقي على حياته ومستقبله ومستقبل أبنائه".
واتفق الرؤساء الثلاثة على "إحالة جميع ملفات قضايا الفساد، وتحديداً الكبرى منها، إلى المحكمة ذات الاختصاص، على أن تُنجز المحكمة كل القضايا في سقف زمني غير قابل للتأخير تحت أية ذرائع، وتُناط بالبرلمان مسؤولية التشريع بتجريم كل متستّر بتعمّد، على أي قضية فساد كبرى تمسّ أمن الدولة، المالي والاقتصادي والخدماتي وتهدر أموالها".