انتهت زيارة البابا فرنسيس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من دون أن تنتهي مفاعيلها الإيجابية في أرض شبه الجزيرة العربية والعالم، وفتحت صفحة جديدة في تاريخ المنطقة على صعيد التسامح وحوار الأديان. واختتم رأس الكنيسة الكاثوليكية أيامه الثلاثة بإقامة قداس تاريخي في مدينة زايد الرياضية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، شارك فيه آلاف المؤمنين الآتين من مختلف مناطق دولة الإمارات ومن خارج البلاد. ومن بين الحاضرين، حوالي أربعة آلاف مسلم أتوا لمشاهدة البابا، وفق مصادر كنسية محلية. ونُقل المصلون مجاناً في ألفَي حافلة من مدنهم المختلفة في الدولة الخليجية، إلى مدينة زايد الرياضية في العاصمة.
وشهدت الساعات الأولى من ليل الاثنين الثلثاء 4 فبراير (شباط)، توافد آلاف المؤمنين الذين قدموا من مختلف مناطق دولة الإمارات ومن خارج البلاد، إلى مدينة زايد الرياضية، للمشاركة في القداس البابوي. ووصل البابا فرنسيس على متن سيارة مكشوفة وسط ترحيب حافل من جموع المؤمنين، الذين غصت بهم مدينة زايد استعداداً لأول قداس بابوي في منطقة الخليج العربي. وتجمع الآلاف وهم يلوحون بأعلام الفاتيكان على جانبي مدخل الملعب القريب من جامع الشيخ زايد الكبير. ومن بين جموع المصلين، اختار البابا فرنسيس عمالاً مغتربين ليسلّم عليهم، والبابا الأرجنتيني الأصل خورخي ماريو بير غوليو، المتحدّر من أصول إيطالية لأبوين هاجرا إلى الأرجنتين، أظهر منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية عام 2013، تعاطفه مع المغتربين والمهاجرين.
170 ألفا شاركوا في القداس
وذكر أحد منظمي الاحتفال بالقداس عبر مبكرات الصوت أن أعداد المصلين الحاضرين بلغ 50 ألفاً داخل الملعب، و120 ألفاً خارجه، وهو أكبر تجمّع بشري في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وفق ما نقلت وسائل إعلام إماراتية محلية.
وقال البابا في عظة ألقاها بالإيطالية في ملعب كرة القدم لافتاً فيها إلى "حب الله للمؤمنين، إذ إنه يريد أن يقيم معهم شركة على الدوام ما يعطي الفرح الحقيقي للإنسان، الفرح الذي يعطي السلام حتى في الألم"، وأوضح البابا فرنسيس أن "يسوع وجّه الطوبى للودعاء والفقراء والمضطهدين بعكس ما كان سائداً في ذلك الوقت، وهو تغلب على روح العالم بقوة المحبة الإلهية"، وقال "لنطلب نعمة اكتشاف جمال يسوع والتشبه به وعدم البحث عن غيره"، وتناول موضوع "التنوع"، لافتاً إلى أن ذلك "يحبه الروح القدس" متوجهاً إلى المؤمنين بالقول إنها "شهادة تعطونها للجميع". أضاف "العيش كمن يستحق الطوبى لا يعني أن نكون مبتهجين على الدوام، وليس سهلاً بالنسبة إليكم أن تعيشوا بعيدين من البيت". واستذكر القديس أنطونيوس الكبير "الذي عاش في صحراء مصر وغاص في جهاد روحي متواصل وكان يتعرض لتجربة الحنين والتحسر على الحياة الماضية، لكن الرب طمأنه الى وجوده بقربه".
الحياة اليومية لا تحتاج إلى أعاجيب
وقال "عيش التطويبات لا يتطلب أعمالاً باهرة، بل التشبه بيسوع في الحياة اليومية بالحفاظ على نقاوة القلب والعيش بوداعة وعيش الرحمة مع الجميع متحدين بالله، والحياة اليومية لا تحتاج إلى أعاجيب وأعمال خارقة بل إلى مواجهة تحدياتها". وتابع البابا "طوبى للودعاء"، ذاكراً القديس فرنسيس "عندما أعطى تعليمات إلى إخوته المتوجهين إلى المسلمين وغير المسيحيين ناصحاً إياهم بالابتعاد عن الشجار والخلاف، والتسلح بالإيمان والمحبة"، وطوبى للساعين إلى السلام"، مشيراً إلى أن "المسيحية تعزز السلام بدءاً من الجماعة التي نعيش فيها". وختم "الكنيسة التي تثابر على كلمة يسوع وعلى الكلمة الأخوية هي كنيسة محبوبة من الرب وتعطي ثمراً، وليس فيها مسيحيون فئة أولى ومسيحيون فئة ثانية".
وقداس اليوم الأخير من زيارة البابا، جاء غداة حدث تاريخي تمثّل بتوقيع القطبين الدينيين البابا وشيخ الأزهر أحمد الطيب وثيقة "الأخوة الإنسانية" وهي وثيقة تاريخية تهدف إلى تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك والسلام العالمي، وتدعو إلى "مكافحة التطرف"، وتؤكّد الحرية الدينية وحماية أماكن العبادة وحق المواطنة نفسه لجميع سكان المنطقة.
ووُقعت في صرح زايد المؤسس، في حضور نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، وولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد.
وبعد انتهاء القداس، غادر البابا فرنسيس مدينة زايد الرياضية، وكان في وداعه في مطار أبو ظبي حيث أقيمت له مراسم وداع رسمية، ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.
وعلى متن الطائرة قال البابا فرنسيس للصحافيين أنه وجد خلال اجتماعات خاصة مع زعماء الإمارات "نية حسنة" للبدء في عملية سلام لإنهاء الصراع في اليمن.