مع دخول الانتفاضة الشعبية في لبنان ضد الحكومة وسياساتها والقوى السياسية الممثلة فيها يومها السادس، طُرحت في الأوساط السياسية المحلية تساؤلات عن دور الجيش اللبناني في تأمين مقومات صمود اللبنانيين في الشارع، وسط رهانات على هذا الدور، وحيثيته وخلفيته، وما إذا كانت تتصل بحسابات داخلية لقائده، أو أن ثمة كلمة سر خارجية، أميركية تحديداً من أجل دعم الانتفاضة.
دعم أميركي
ما يبرر الانطباع عن دعم أميركي محتمل، يعود إلى الكلام الذي نُقل عن مسؤول في وزارة الخارجية قبل أيام عن دعم الولايات المتحدة الأميركية لحقّ الشعب في التعبير عن مطالبه. وكان لافتاً أن الموقف الأميركي كان الموقف الوحيد، عربياً ودولياً الذي يعقّب على الحراك الشعبي اللبناني، باستثناء موقف إيراني، عكس قلق طهران على الوضع في لبنان وعلى تركيبة السلطة فيه.
ففي الوقت الذي كان يقول المسؤول الأميركي إنّ "تطبيق لبنان الإصلاح يفتح الباب أمام الدعم المالي الدولي"، برز صمت عربي وأوروبي ودولي عموماً حيال الانتفاضة التي يشهدها لبنان منذ يوم الجمعة الماضي. فيما علّقت إيران على ما يحصل، من خلال الإعلام الإيراني الذي عكس انطباعات بأنّ ثمة جهات خارجية توظّف التحرّكات الشعبية للانقلاب على الوضع في لبنان، فيما أعرب وزير الخارجية محمد جواد ظريف عن تضامن بلاده مع الحكومة والشعب لإيجاد حل للأزمة.
علماً أن معلومات ترددت عن إمكان صدور بيان أوروبي يحدد موقف الغرب. وفيما لم يصدر لغاية الآن هكذا موقف، برز لقاء رئيس الحكومة سعد الحريري بالسفير الفرنسي برونو فوشيه والسفير الكويتي عبد العالي القناعي، الذي قال إن الوقت الآن ليس للكلام بل للعمل، في دلالة على أن الحريري بدأ العمل على ترجمة بنود ورقته الإنقاذية. وكان حضر اللقاء رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر. كذلك كان للحريري لقاء مع سفراء دول مجموعة الدعم الدولي، في إشارة أيضاً إلى بدء الحريري تسويق ورقته الاقتصادية وحصد الدعم الدولي الذي يحصن موقعه على رأس السلطة التنفيذية.
رئاسة الجمهورية
أما على المستوى الداخلي، فقد وضعت بعض الأوساط السياسية، لا سيما القريبة من التيار الوطني الحر الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل، موقف الجيش في إطار السباق على الرئاسة، باعتبار أن قائد الجيش العماد جوزف عون، وعلى الرغم من قربه من رئيس الجمهورية، مرشح جدي وقوي لخلافته.
ولا بد في هذا الإطار من التذكير بالحملة التي شُنت قبل شهر تقريباً ضد الجيش، والتي بدأت بالموازنة والمسّ بحقوق العسكريين في الخدمة الفعلية وفي التقاعد، وصولاً إلى منع التغذية عنه، وقد ترافقت تلك الحملة مع استهداف واضح ومركز لقائده وضباطه، طرحت علامات استفهام كبيرة حول توقيت الاستهداف وأسبابه ومبرراته.
على المقلب الرسمي، تحرص قيادة الجيش على عدم الانزلاق في التأويلات والتسريبات والتحليلات الجارية لموقع الجيش ودوره، خصوصاً بعدما جرت أكثر من محاولة لزج المؤسسة العسكرية في المسألة، من خلال إصدار بيانات أو مواقف عن مصادر عسكرية أو حتى القول إن الجيش في صدد صدّ المتظاهرين أو قمعهم. وكان واضحاً أن هناك محاولات غير بريئة لزجّ الجيش في المواجهات القائمة وجعله فريقاً. وقد استدركت القيادة هذا المشهد المعطوف على مشهد لا يزال حاضراً في ذهنها قبل نحو شهر، وله علاقة بحملة الاستهداف الممنهج التي تعرض لها قائد الجيش، فكانت صارمة في دعوة المواطنين ووسائل الإعلام إلى الاستناد حصراً إلى ما يصدر عنها وعدم الانجرار وراء بيانات كاذبة أو غير واضحة المصدر هي غير معنية بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبرز في هذا الإطار البيان الذي أصدرته القيادة وفيه دعوة إلى "جميع المواطنين المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم المرتبطة مباشرة بمعيشتهم وكرامتهم إلى التعبير بشكل سلمي وعدم السماح بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة".
تدرك القيادة أن مسألة إسقاط الحكومة وتلبية بعض من يصرخ في الشارع لحكومة عسكرية، دونها عقبات كثيرة ولا يمكن أن تتم من خارج توافق داخلي ودولي، خصوصاً أن ثمة حرصاً دولياً على الاستقرار في لبنان وعلى تحصين موقع الجيش ودوره في حماية الاستقرار. ومن هذا المنطلق، تضع قيادة الجيش، التي تأتمر أساساً بالسلطة السياسية، تحركها ضمن إطار حماية المواطنين والأملاك العامة، وهو ما يصب في صلب مهمة الجيش.
ولا بد في هذا الإطار من الإشارة إلى معلومات ترددت في الساعات القليلة الماضية عن اشتباك حصل بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش حيال دور العناصر المولجة أمن الساحات والشوارع. إذ دعا الرئيس بحسب المعلومات إلى فض التظاهرات وفتح الطرق، لكن قائد الجيش رفض الاصطدام مع المتظاهرين، حاسماً خياره في حمايتهم.
وبالفعل، بدا واضحاً من أداء العناصر العسكريين المولجين الحماية، قيامهم بصد العناصر المشاغبين أو الدراجات النارية التي سعت إلى اختراق المتظاهرين.
وقد رفع موقف الجيش من معنويات المتظاهرين الذين رحبوا وأعربوا عن ارتياحهم وثقتهم في المؤسسة العسكرية وعناصرها وقيادتها.
ولكن السؤال الذي لا يزال يشغل الأوساط السياسية في بيروت، حول آفاق المرحلة المقبلة، سيما أنه بدا في الساعات القليلة الماضية أن القرار الرسمي اتخذ بضرورة استعادة الحياة الطبيعية وذلك من خلال تنفيس التظاهرات وإعادة فتح الطرق والمدارس والجامعات. وليس واضحاً حتى الساعة ما إذا كان الجيش سيستمر في موقفه أو سيكون ملزماً بتنفيذ قرار السلطة السياسية بإعادة الانتظام إلى الوضع العام.