"أهم قرار اتّخذته الحكومة اللبنانية رداً على الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت المناطق اللبنانية كافة هو إقرارها موازنة 2020، إذ من المتوقّع أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي صفراً في المئة"، هكذا اعتبر نديم المنلا، كبير المستشارين الاقتصاديين لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، لافتاً إلى أن "هذه الخطوة لاقت ترحيب المجتمع الدولي، خصوصاً بعد إعلان الحكومة سلّة من الإصلاحات التي وافقت عليها معظم القوى السياسية، كما أنها عكست صورة إيجابية حول اتخاذ الإجراءات الجدية لمكافحة العجز".
مرجع للحكومات المستقبلية
وأشار مستشار الحريري في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية"، خلال لقاء عُقد في بيت الوسط مع مجموعةٍ من المراسلين العالميين، إلى أنه "في الأسابيع الماضية، كان التركيز على اتخاذ إجراءات ضريبية لمكافحة العجز، لكنّ الموازنة التي تم الاتفاق عليها البارحة تتناول خفض عدد كبير من النفقات وخدمة الدين والنفقات الاستثمارية وتحويلات الخزينة لصالح شركة الكهرباء، كما أنها ستُشرك كل مكون موجود في الدولة وبالتالي، ستشكّل هذه الموازنة مرجعاً لكل الحكومات الحالية والمستقبلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن "هذه القرارات مبنية على إجراءات متوسطة الأمد"، مشدّداً على "أهمية وجود عنصرين هما: الخصخصة وخطة الكهرباء، إذ سيُخفَّض دعم الأخيرة، ممّا سيوفر حوالى مليار دولار أميركي على خزينة 2021".
أما بقية الإجراءات المهمة بحسب المنلا، فهي "تتعلق بإلغاء المؤسسات العامة التي لم تعد فاعلة، كتحويل وزارة الإعلام إلى مؤسسة خاصة. أضف إلى ذلك، وجود بند مكافحة الفساد وسلّة اجتماعية تتألف من ثلاث نقاط: برنامج الفقر الوطني وتأمين قروض الإسكان وقانون الحماية الاجتماعي"، متحدثاً عن "وجود قرارات مهمة اتُّخذت حول البرنامج الاستثماري لإعادة تأهيل البنى التحتية وكل النفقات الاستثمارية ستكون خارج الموازنة وكلها تناولت الأوضاع المالية والاجتماعية والفساد وأيضاً دمج المؤسسات العامة".
خصخصة المؤسسات العامة
وعمّا يميّز الورقة الاقتصادية هذه عن سائر القرارات وكيفية ضمان تنفيذها بشكل فعال، أوضح أنها "المرة الأولى التي نقرر فيها إشراك القطاع الخاص في القطاع العام. لذا، أردنا البدء أولاً بخصخصة قطاع الاتصالات وقد أرسل مجلس الوزراء إلى مجلس الخصخصة رسالة طلب فيها تعيين مستشار مالي واستثماري قانوني للقيام بهذه المهمة. ثانياً، قرار إلغاء وزارة الإعلام يُعدّ خطوة مهمة وقد أبلغنا وزيرها جمال الجراح بالبدء فوراً بتحضير خطة لخصخصتها قبل نهاية العام وهي تتضمن تلفزيون لبنان والإذاعة اللبنانية والوكالة الوطنية للإعلام. ثالثاً، قرار التعديل المالي على الموازنة من خلال خفض النفقات، بدلاً من زيادة الضرائب".
وعن إلغاء 15 مؤسسة عامة إضافية، قال: "أعطينا بعض الوزراء مهلاً لتقديم خططهم بالنسبة إلى خصخصة وزاراتهم وستكون وزارة شؤون النازحين التالية بعد الإعلام".
وأوضح أنه "لن يُصار إلى إقالة الموظفين في وزارة الإعلام، بل سيبقى الموجودون وسيُدمجون في الدولة بشكل فعّال شرط التزام تجميد التوظيف، كما حُدّد في البيان الوزاري لعام ٢٠١٩"، لافتاً إلى أن "هناك أسباب عدة لذلك، أبرزها الحد من المصاريف العشوائية وغير المدروسة وإدارتها بالشكل المناسب".
مكافحة الفساد تمهيد للإصلاحات البنيوية
اليوم لا توحي قراءات بعض الاختصاصيين الاقتصاديين بأنّ هذه الورقة صالحة للتنفيذ، خصوصاً أنها تتضمن بحسب قولهم "عناوين عريضة وفضفاضة وبرّاقة"، أبرزها مسألة "مكافحة الفساد". من هنا، أوضح مستشار الحريري أنه "خلال جلسة مجلس الوزراء، طُلب من وزير العدل تقديم اقتراح قانون عن الفساد ودمجه مع اقتراحات المجتمع المدني"، مشيراً إلى أن "هناك استراتيجية جدّية لمكافحة الفساد قيد الإعداد. كما أنه طُلب من الوزراء كافة رفع السرية المصرفية عن حساباتهم". وقال إنّ "هناك نية للاستجابة".
يُشار إلى أن المجتمع الدولي قد تعهّد بالبدء بتطبيق مقررات مؤتمر "سيدر" شرط العمل الجدي والشفاف على تطبيق إصلاحات مالية واقتصادية، خصوصاً في ما يتعلّق بالفساد. وشرح المنلا أنّ "رؤية "سيدر" الأساسية هي الاستثمار في إعادة تأهيل البنى التحتية وبالتالي، سنتمكن من خفض معدلات البطالة وخلق النمو، خصوصاً أن لبنان يمتلك حالياً على الطاولة 14 مليار دولار متوفرة للإنفاق على المشاريع".
وردّاً على سؤالنا عن "سبب البطء في تطبيق الإصلاحات"، أكد أن "هذه إحدى الأمور التي كانت تزعج الرئيس الحريري"، آملاً في أن "تمضي هذه العملية بسرعة، بخاصة أن هناك مبلغ 1.5 مليار دولار لنهضة البنى التحتية. لذا، سيكون ذلك هو المصدر الرئيس لخلق النمو وفرص العمل في السنوات الأربع المقبلة". وأكد أن "تفعيل الخصخصة سيكون مصدراً رئيسياً لتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد"، معتبراً أن "ميزانية 2020 هي العلاج الفوري على المدى القصير للعجز ومتطلبات التمويل من الحكومة والبلد لتعزيز النمو ونتوقع أن يؤثر ذلك إيجاباً في الأجواء العامة".
كهرباء في منتصف العام المقبل
أما بالنسبة إلى الوعود التي قُطعت منذ سنوات حول موضوع الكهرباء وتخوف المواطنين من وقف تحويلات الخزينة لصالح شركة الكهرباء، ممّا يعني اللجوء إلى المولدات الخاصة، أوضح المنلا أنه "بمساعدة مستشار دولي، وضعنا خريطة طريق تسمح لشركات عالمية رائدة في قطاع الكهرباء مثل Siemens وGeneral Electric وMitsubishi بتقديم اقتراحاتها خلال أربعة أشهر وعرضها على لجنة وزارية مختصة برئاسة الحريري ومن ثم اختيار العرض الأنسب للمباشرة بتطبيقه في لبنان". وأعرب عن أمله في أن "نكون قادرين على توليد 1000 ميغاواط من الكهرباء بحلول منتصف عام 2020، ستسهم بالتالي في خفض دعم الكهرباء لعام 2021".
اليوم، تؤكد لنا الساحات الميدانية أن اللبنانيين فقدوا ثقتهم بالحكومة وبالمنظومة السياسية كلّها. لكنّ المنلا أكد من جهته أن "الرئيس الحريري عازم على عدم تخليه عن مسؤولياته"، معتبراً أن "الطريق لاستعادة الثقة شاقّة وليست سهلة". أما عن سؤالنا "لماذا بقي وزير الاتصالات محمد شقير في وزارته ولم يُحمّل المسؤولية وبالتالي يُعاقب على قراره غير المدروس"، أكد أن "المسؤولية لا تقع على شقير، بل كان اقتراح أحد وزراء حزب القوات اللبنانية المستقيلين".
قطاع الاتصالات مصدر أساسي للخزينة
وعن الإصلاحات التي قدمتها الحكومة في ما يتعلّق بقطاع الاتصالات في لبنان، خصوصاً الخليوي الذي يُعد الأغلى مقارنة بسائر الدول، أوضح أنه "خلال مناقشة موازنة ٢٠١٩-٢٠٢٠ لاحظنا انخفاضاً في الأرباح، علماً أنّ هذا القطاع يشكل مصدراً أساسياً للخزينة"، مؤكداً "أهمية دور الخصخصة للمستهلك والدولة"، ومشيراً إلى أنّ "البنك الدولي يضع لمساته الأخيرة على دراسة ستُقدَّم إلى وزير الاتصالات بشأن الخيارات المتاحة في هذا الصدد".
هذه الورقة التي أنقذت الحكومة من السقوط، تحمل عناصر إيجابية عدة كما يراها الخبير الاقتصادي الدكتور كامل وزنة، إلاّ أنّ العبرة تبقى في التنفيذ.
فراغ حكومي أم وعود مطاطة؟
من هنا، أوضح وزنة في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" أنه "لا نستطيع تحمّل الفراغ في لبنان وعلينا مراعاة شركات الائتمان الدولية التي أعطت فترة زمنية للبنان، مرتبطةً بالاستقرار السياسي والاجتماعي وأي تغاضٍ عن ذلك، له تداعيات مالية وسلبية على الوضع الاقتصادي". وأكد أنّ "أي تخفيض للقيمة الائتمانية للبنان سيشكّل عبئاً اقتصادياً إضافياً"، معتبراً أن "أي تغيير حكومي أو إعادة انتخابات قد تأخذ سنوات فراغ في لبنان، لذلك لن نستطيع التحمل وبالتالي ستزداد نسبة خطورة الانهيار".
وقال: "بين الوعود المطاطة والانهيار، نفضّل الخيار الأول مع الضغط على إنجاز ما هو مطلوب من إصلاحات بنيوية، خصوصاً في قطاعَيْ الكهرباء والاتصالات، إضافةً إلى تأمين استثمارات حقيقية بالنسبة إلى البنى التحتية بغية حماية المواطن"، مشيداً بـ"الورقة الإصلاحية التي حددت العمل الفوري في تلك القطاعات".
واعتبر أن "اللبنانيين استطاعوا أن يثبتوا أنهم شعب مسالم في التظاهرات التي نظّموها، فقد أعطت صورة إيجابية عن لبنان للقطاع السياحي، خصوصاً أن الإعلام الدولي ينقل الصورة الخاطئة عن البلاد، بحيث كُوِّنت فكرة أننا بلد غير مستقر على الصعيد الأمني ومقبل على الحرب في أي لحظة". وختم: "لا أحد يريد الانهيار لهذا البلد. واليوم، قدّمت هذه الورقة أفضل الحلول وعلينا العمل ضمن الضوابط التي تخدم لبنان وصالحه".