أقدمت البنوك المركزية بعد الأزمة المالية العالمية على شراء سندات وأوراق مالية خلال الفترة بين 2010- 2017 بلغت أكثر من 9.1 تريليون دولار، حسب تقديرات بنك "أوف أميركا".
وابتداء من أكتوبر (تشرين الأول) 2017، بدأ الفيدرالي الأميركي في تقليص حجم الميزانية العمومية "balance sheet"، التي كانت تبلغ حينها 4.5 تريليون دولار، وقال إن الاقتصاد لا يحتاج إلى هذه المحفزات.
وبعد اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2007، دشّن الفيدرالي برنامج التيسير النقدي بشراء السندات من القطاع الخاص لرفد النظام بالسيولة التي تساعد الاقتصاد على الخروج من الأزمة وتخليص هذه المؤسسات من الأصول المسمومة عديمة الفائدة، ونتيجة لهذه العمليات تضخمت الميزانية العمومية للفيدرالي.
وأتت هذه الزيادة في مشتريات الفيدرالي بعد عملية خفض سعر الفائدة التي تم تخفيضها إلى مستوى قريب من الصفر. الفيدرالي كان يستخدم سعر الفائدة فقط (بالزيادة أو التخفيض) منذ 30 عاما لتحقيق أهداف التفويض الذي يعمل به، وهو ''الوصول إلى مستوى الإشغال الكامل في سوق العمل وتحقيق الاستقرار في الأسعار''. لتحقيق هذا الهدف بدأ الفيدرالي الأميركي أخيرا في استخدام آلية جديدة، وهي شراء السندات مع خفض سعر الفائدة، ويهدف بها إلى خفض سعر الفائدة على المدى الطويل وتخفيف تكلفة الإقراض، إضافة إلى توجيه السيولة من القطاع المالي إلى قطاعات أخرى، والتي يطلق عليها الاقتصاد الحقيقي أثناء فترات الركود الاقتصادي والأزمات.
الفيدرالي يشتري سندات بـ60 مليار دولار شهريا
استمر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في انتقاد سياسة الفيدرالي. ففي نفس يوم اجتماع شهر ديسمبر (كانون الأول) 2018 غرّد ترمب قائلا "على الفيدرالي أن يحذر من تكرار الأخطاء"، داعيا الفيدرالي إلى وقف عملية تقليص حجم الميزانية العمومية، واستمر في انتقاد سياسة التشديد النقدي ورفع سعر الفائدة طوال العام 2018.
ومع انطلاق شرارة الحرب التجارية وتباطؤ نمو القطاع الصناعي عالميا، تعالت الأصوات بانتقاد الفيدرالي بأنه رفع سعر الفائدة بوتيرة سريعة خلال الفترة بين ديسمبر2015 وديسمبر 2018.
وتراجعت معدلات السيولة في أسواق المال الأميركية أخيرا، مما تسبب في ارتفاع تكلفة الاقتراض قصيرة الأجل "USONRP" إلى مستوى قريب من 5.00% في منتصف سبتمبر (أيلول) 2019. هذا الارتفاع دفع الفيدرالي إلى توفير السيولة مباشرة عبر آلية "اللايبور" للمرة الأولى منذ 11 عاما.
وفي سبتمبر 2019، و15 أكتوبر 2019، أعلن الفيدرالي أنه سيقوم بشراء السندات قصيرة الأجل ''عام أو أقل من ذلك'' بواقع 60 مليار دولار كل شهر، على أن يستمر في هذا التوجه حتى الفصل الثاني من 2020.
دواعي التحول من تقليص الميزانية إلى توسيعها
في أغسطس (آب) 2007، وقبل الأزمة المالية العالمية، كان حجم الميزانية العمومية للفيدرالي الأميركي 870 مليار دولار، وبحلول يناير (كانون الثاني) 2015 ارتفعت إلى 4.5 تريليون دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد الأزمة المالية العالمية بدأ الفيدرالي الأميركي في شراء طيف واسع من السندات والأوراق المالية، وتضخمت ميزانيته العمومية في ظل سياسة نقدية غير تقليدية استمرت خلال الفترة بين 2008 وحتى أكتوبر 2014، وهو التوقيت الذي أعلنت فيه جانيت يلن، رئيسة الفيدرالي الأميركي وقتها، إيقاف برنامج التيسير النقدي وشراء السندات. وكان الفيدرالي يشتري سندات حكومية تصدرها وزارة الخزانة، إضافة إلى أوراق مالية مدعومة برهونات عقارية "MBS"، وبلغ إجمالي الميزانية العمومية حينها 4.48 تريليون دولار.
في ديسمبر 2014، أعلن الفيدرالي أنه لن يقلص حجم الميزانية العمومية، وسيستمر محتفظا بالأصول التي يحملها حتى تستقر السياسة النقدية وسعر الفائدة عند المستويات الطبيعية "Normalization".
في ديسمبر2015، رفع الفيدرالي سعر الفائدة وكانت المرة الأولى التي يرفع فيها سعر الفائدة منذ الأزمة المالية العالمية، ثم أتبع ذلك الرفع الثاني للفائدة في ديسمبر 2016، ثم قرر الفيدرالي تقليص حجم الميزانية العمومية في اجتماع مارس (أذار) 2017.
وفي أكتوبر 2017، قال الفيدرالي الأميركي إن صحة الاقتصاد جيدة، ومن الأفضل أن يبدأ عملية الخفض بـ50 مليار دولار شهريا حتى الربع الرابع من 2018.
قام الفيدرالي بذلك عبر تشديد السياسة النقدية وتخفيف المحفزات، وبذلك يعيد السياسة النقدية إلى وضعها الطبيعي، واستطاع خفض الميزانية العمومية إلى 3.8 تريليون دولار بنهاية يوليو (تموز) 2019. هذا التحول فرضته احتياجات سوق المال للسيولة وزيادة الاحتياطي، إضافة إلى توسيع تأثير السياسة النقدية وخفض سعر الفائدة لتخفيف الضغوط على الأسواق المالية الداخلية.
اجتماع الفيدرالي الأميركي وتوقعات خفض الفائدة
يجتمع بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي يوم 30 أكتوبر 2019، وتشير توقعات أسواق "الفيوتشر"، حسب تقديرات "CME Watch" إلى خفض لسعر الفائدة بـ 25 نقطة أساس لتنخفض الفائدة إلى 150-175 نقطة أساس من المستوى الحالي (200-175 نقطة أساس).
توقعات الخفض تقف الآن عند 94.6%، وإذا تحققت هذه التوقعات سيكون هذا هو الخفض الثالث للفائدة الأميركية هذا العام، ويتزامن مع هذه الإجراءات تدشين عمليات "الريبو" للمرة الأولى منذ 11 عاما، ابتداء من 17 سبتمبر 2019، ثم إعادة شراء السندات بواقع 60 مليار دولار شهريا ابتداء من 15 أكتوبر 2019، مع استمرار الحرب التجارية بين واشنطن وبكين وتأثيرها على نمو الاقتصاد الذي بدأ يتباطأ، مما دفع صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي الأسبوع الماضي، إضافة إلى ضبابية البريكست وتعقيدات سيناريوهات الخروج. كل هذه العوامل تضع الفيدرالي الأميركي تحت الضغط ليخفض سعر الفائدة في اجتماع أكتوبر الحالي.