تصاعدت حدة التوترات في العراق مع سقوط 24 قتيلاً وأكثر من 1770 جريحاً بين المتظاهرين اليوم الجمعة، إثر استئناف الحركة الاحتجاجية التي أسفرت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) عن مقتل أكثر من 150 شخصاً، وفق المفوضية الحكومية لحقوق الإنسان.
في بغداد، قُتل ثمانية أشخاص بينهم متظاهران اثنان بعد إصابتهما بقنابل مسيلة للدموع في الوجه، وفق ما قالت الشرطة ومصادر طبية. وأصيب 1493 شخصاً من المتظاهرين و57 عنصراً من قوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والقنابل الصاعقة لإبعاد الحشود التي كانت تسير باتجاه المنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة، وذلك وفق إحصاءات أعلنتها المفوضية في بيان.
وفي مدينة العمارة كبرى مدن محافظة ميسان في جنوب العراق، قُتل ستة متظاهرين بالرصاص الحي الجمعة وأصيب 18 آخرين على الأقل خلال محاولتهم اقتحام مقر "عصائب أهل الحق" الشيعية، أحد أبرز فصائل قوات الحشد الشعبي، بحسب ما أفادت مصادر أمنية وطبية.
كذلك قتل خمسة متظاهرين بالرصاص الحي في مدينة الناصرية جنوب البلاد وأصيب 80 آخرين عندما حاول المحتجون اقتحام مقر جماعة "عصائب أهل الحق" في محافظة ذي قار، حيث قُتل أيضاً شخص سادس إثر إصابته بحروق بعدما اقتحم ما لا يقلّ عن 3000 متظاهر مبنى المحافظة وأشعلوا فيه النيران.
وأفادت مصادر أمنية لوكالة الصحافة الفرنسية بأن 11 متظاهراً قتلوا مساء الجمعة حرقاً بعد إضرام النار بمقرّ منظمة بدر، أكبر فصائل قوات الحشد الشعبي في جنوب العراق.
وأقدم المتظاهرون الجمعة على حرق مقرات تتبع تياري "الحكمة" الذي يقوده عمار الحكيم، و"عصائب أهل الحق" التي يقودها قيس الخزعلي، في محافظة المثنى جنوب العراق، حيث قُتل شخص وأصيب 76 آخرين.
وأضافت المفوضية الحكومية لحقوق الإنسان أن ثلاثة أشخاص قتلوا في محافظة البصرة إضافة إلى إصابة 15 آخرين. وأصيب كذلك 10 أشخاص في محافظة واسط و36 في محافظة الديوانية، حيث أحرق مبنى المحافظة.
وأعلنت السلطات حظراً للتجول في البصرة وبابل والناصرية، على الرغم من استمرار الاحتجاجات. كما فرقت القوات الأمنية محتجين في كربلاء المقدسة لدى الشيعة، بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع.
ووضعت جميع قوات الأمن في حالة تأهب مساء الخميس من قبل حكومة عادل عبد المهدي التي وصلت قبل عام واحد فقط الى السلطة. واستخدمت القوات الأمنية العراقية خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين عند مدخل المنطقة الخضراء، والتي تضم مقار رسمية ودبلوماسية، بحسب ما أفاد شهود.
توقيف مسلح في ساحة النصر
وأعلنت خلية الإعلام الأمني التابعة إلى مكتب رئيس الوزراء أن "مفارز المديرية العامة للاستخبارات والأمن تمكّنت من إلقاء القبض على أحد الأشخاص في شارع السعدون في ساحة النصر يحمل سلاحاً (مسدس كلوك)، حيث كان يطلق النار على القوات الأمنية والمتظاهرين، وقد تمّ تسليمه إلى قيادة عمليات بغداد لاتخاذ الإجراءات القانونية وإحالته للقضاء".
واستبق المتظاهرون العراقيون اليوم الجمعة 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو اليوم المقرر للتظاهر احتجاجاً على الفساد، وللمطالبة بإسقاط الحكومة، فتدفقوا، مساء الخميس، إلى الساحات، لا سيما عند مدخل المنطقة الخضراء، وسط العاصمة بغداد. واستؤنفت، في ساعة مبكرة من صباح اليوم، الاحتجاجات عشية التظاهرات التي دعا إليها رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر.
وفي سياق متّصل، دان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة ""الانتهاكات الكبيرة" من قبل قوات الأمن لحقوق الإنسان خلال التظاهرات في العراق من دون تحديد كيفية معاقبتها. وقال خلال لقاء مع الإعلام "نأسف للعدد الكبير من القتلى"، مشيراً إلى تقرير أخير لبعثة الأمم المتحدة حول تصرف القوات العراقية خلال التظاهرات التي جرت خلال الفترة الممتدة بين 1 و9 أكتوبر. وأضاف "بحسب أولى استنتاجاتنا، من المؤكد حصول انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان لا بدّ من إدانتها بشكل واضح".
الصدر... الدعوة إلى التظاهر
ودعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنصاره إلى التظاهر، كما طلب من فصائل "سرايا السلام" المسلحة التي يتزعمها للاستعداد "لحماية المتظاهرين"، ما أثار مخاوف من حصول مزيد من أعمال العنف. وكان الصدر دعا في وقت سابق إلى استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
"كلهم سارقون"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ساحة التحرير في بغداد، تجمّع مئات المتظاهرين هاتفين "كلّهم سارقون"، في إشارة إلى الطبقة السياسية. وتوجه وزير الداخلية ياسين الياسري إلى ميدان التحرير مساء الخميس لكي يؤكد للمتظاهرين أن قوات الأمن منتشرة لـ "حمايتهم"، بحسب ما جاء في بيان رسمي.
وتواجه المتظاهرون وقوات الأمن عند جسر رئيسي في العاصمة، استخدمه المحتجون للتقدّم من ساحة التحرير للوصول إلى المقار الحكومية الرسمية في المنطقة الخضراء، على الضفة الأخرى من نهر دجلة. غير أن قوات مكافحة الشغب، التي يرتدي عناصرها بزات سود، أعاقت تقدّم المتظاهرين عبر إطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع من دون استخدام الرصاص الحي.
وفي مدينة الناصريّة (300 كيلومتر جنوب بغداد)، دعا متظاهرون إلى "اعتصامات حتى سقوط النظام".
عبد المهدي يدافع عن إنجازاته
وليل الخميس الجمعة، وجه رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خطاباً إلى الأمة دافع فيه عن إنجازاته، واتهم أسلافه بأنهم سلموه دولة ذات اقتصاد مستنزف وأمن هش. كما انتقد الصدر من دون أن يُسميه. وتتصاعد منذ أيام عدة الدعوات إلى التظاهر الجمعة، الذي يصادف الذكرى السنوية الأولى لتولي حكومة عبد المهدي مهماتها، وانتهاء مهلة الأسبوعين التي منحتها المرجعية الدينية الشيعية الأعلى في البلاد للسلطات، للاستجابة إلى مطالب المحتجين.
السيستاني يدعو لـ "ضبط النفس"
دعا المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني، أعلى مرجع ديني شيعي في العراق، اليوم الجمعة، المتظاهرين والقوات الأمنية إلى "ضبط النفس" لتجنب "الفوضى"، في وقت قتل فيه متظاهران بعد ساعات من استئناف الاحتجاجات المطلبية ليل الخميس.
وقال المتحدث باسم السيستاني، الشيخ عبدالمهدي الكربلائي في خطبة الجمعة بكربلاء جنوب بغداد، "ندعو أحبّتنا المتظاهرين وأعزّتنا في القوات الأمنية إلى الالتزام التام بسلمية التظاهرات وعدم السماح بانجرارها إلى استخدام العنف وأعمال الشغب والتخريب".
وأضاف أن تأكيد المرجعية الدينية على ضرورة أن تكون الاحتجاجات سلمية خالية من العنف ينطلق "من حرصها البالغ على مستقبل هذا البلد" و"يخشى معها من أن ينزلق بالعنف والعنف المقابل إلى الفوضى والخراب، ويفسح ذلك المجال لمزيد من التدخل الخارجي، ويصبح ساحة لتصفية الحسابات بين بعض القوى الدولية والإقليمية".