وفي اليوم العاشر للانتفاضة الشعبية في لبنان، رد المتظاهرون على خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله من الساحات، لاتهامه الحراك بالتبعيّة إلى الخارج، وتلقي الدعم من بعض السفارات الأجنبية.
في المقابل، ترددات الخطاب التصعيدي الذي بثّ أمس (25 أكتوبر)، لاقت صدى سلبياً لدى البعض، فتقلصت أعداد المتظاهرين في النبطية وصور، بعدما عمدت الأحزاب هناك، إلى تخوين كل من هو ضدها.
خطاب العمالة والتبعيّة، يقلق كثيرين، خصوصاً الفئة العمرية الأكبر، في حين أنه لا يؤثر في جيل الشباب الطامح للتغيير ومستقبل أفضل. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تُوزّع في الجنوب اللبناني بوسترات لشباب مشاركين في الحراك، على أنهم عملاء أو تعاملوا مع إسرائيل في وقت سابق. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدداً كبيراً من الأسماء التي ترافقت مع الصور، لا تنتمي إلى الحراك، وهي ليست من قياداته، علماً أن هذه الانتفاضة حتى الآن لا يوجد من ينظمها أو من يتكلم باسمها.
قطع الطرق
نجح المتظاهرون السلميون في بيروت في قطع "جسر فؤاد شهاب"، وهو جسر يربط شرق المدينة بغربها، بأجسادهم، مصرين على موقفهم مرددين مطالبهم وأهمها "استقالة الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة واستعادة الأموال المنهوبة".
يعمد المتظاهرون صباح كل يوم إلى إقفال الطرقات الأساسية، وتحدي القوى الأمنية والوقوف في وجهها كي لا تفتح. ويشكل هذا الضغط عبئاً للبعض، لكن بحسب المحتجين "إقفال الطرقات يهدف إلى شل البلد، والضغط على الحكومة للاستجابة إلى المطالب الشعبية، وتحفيز الناس للمشاركة في الانتفاضة".
انقسام البلد
في المقابل، شكل رد الفعل الشعبي لدى جمهور نصرالله الذي جال الطرقات بعد الخطاب هاتفاً باسمه، إلى انقسام الشارع بين مؤيد ومعارض، ما سيؤدي لاحقاً إلى مواجهة حتمية بين مشروعين في البلد: من يريد محاربة الفساد وعزل الطبقة السياسية الحاكمة، ومن يحمي هذا النظام والطاقم السياسي.
في سياق متصل، باتت السلطة اللبنانية تراهن على ملل المحتجين وقصر نفسهم المطلبي، إضافة إلى عاملي التخويف والطقس الذي لم يخدم المتظاهرين اليوم في النبطية بسبب غزارة الأمطار ربما.
الاستخبارات
المتجول في الساحات يسمع همساً عن كثافة عناصر الاستخبارات بين المتظاهرين، وتوثيقهم لحظات لمن يشتم رئيساً أو وزيراً أو مسؤولاً، وتفيد معلومات بأن السلطات اللبنانية قد تستدعي كل من ثبتت مشاركته في شتم الطبقة السياسية.
هذا الكلام لا يخيف المحتجين، فلطالما اعتمدت الدولة النظام البوليسي واستدعت كثيراً من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب بعض الجمل التي نشروها منتقدين الحكم وأركانه.
من جهة ثانية، يقول أحد المحتجين على جسر فؤاد شهاب "عجيب أمر هذه الدولة، لم تفتح ملفات الفساد المتكدسة منذ سنوات، ولم تحقق بملفات الأملاك البحرية، ولا تراقب الحدود أو المرفأ أو المطار، لكنها تتقصى عمن يشتم أركانها!".
ويضيف "نحن الناس الحلوة، وجيل التغيير الذي استفاد من أخطاء حراك 2015، ويبني على إيجابيات الشارع اليوم، علّنا ننجح في تحقيق مطالبنا".
فتح الطرقات
وفي غضون ذلك، أعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان عن عقد اجتماع في مقرها ضم "قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام والمدير العام لقوى الأمن الداخلي والمدير العام لأمن الدولة، "لمناقشة الأوضاع الراهنة في البلاد في ضوء استمرار التظاهرات وقطع الطرقات".
ويبدو أن ثمة قراراً سيتخذ لفتح الطرقات مع الحفاظ على حق المتظاهرين بالتجمع في الساحات للتعبير عن غضبهم، لكن هل سيؤدي ذلك إلى صدام شعبي مع السلطة، علماً أن رئيس الحكومة سعد الحريري، طلب من القوى الأمنية الحفاظ على سلامة المحتجين.
الرد على نصرالله
لا يخفى على أحد أن هناك بعض المتسلقين الذين يريدون قطف ثمار هذه الانتفاضة الشعبية، ومنهم بعض الأحزاب الموجودة في ساحة الشهداء، ويبدو ذلك واضحاً من السيارات المجهزة بمكبرات الصوت، وتوزيع الطعام المجاني.
لكن هل هذا الحراك الشعبي العفوي والمطلبي، لديه أجندة خارجية، وينفذ أوامر سفارات أجنبية؟
الرد كان واضحاً على تلك الاتهامات، وكان شعبياً بامتياز. المتجول بين المتظاهرين، يرى أحدهم يقضم تفاحة أو خيارة، وآخر يأكل سندويشاً لُفّ على عجل، وكعكاً وبعض التمر وقناني مياه.
وفي الجهة المقابلة، ثمة سيدة توزع طعاماً بعلب كرتونية على من يشتهي مجاناً. ومن البعيد تطل فتاة جميلة وأنيقة، توزع فواكه على المحتجين هاتفة "أنا مدعومة من السفارة اللبنانية".
مبادرات خجولة، لكنها واضحة وقادرة على إسكات من يتهم الحراك بالتبعية.
في المقابل، يرفض المحتجون تهمة العمالة التي يصطدم بها كل من يتعارض مع سياسة الحزب، ويقول أحدهم "يعلم الجميع أن حزب الله، يتلقى دعماً مالياً من إيران، ولوجستياً من سوريا، لذلك من الأفضل عدم توزيع الاتهامات". لا يجمع المحتجون نفاياتهم فقط، بل يفرزونها، كأنه تدريب على المواطنية الحقيقية، وتلاقٍ حول أفكار شبابية تغييرية، لا تقوم على الشعارات فقط، بل تطبيقها.
الاستمرارية
يراهن الحراك الشعبي في لبنان على استمراريته، معتمداً على قدرة تحمل الناس، وإيمانهم بما يفعلونه لوطنهم، لكن في المقابل، ثمة مقومات لهذه الانتفاضة وهي حتى الساعة غير موجودة، وأهمها عدم وجود رأس لهذه التحركات ما يصعّب على السلطة تطويق الحراك بلعبة الدبلوماسية التي تجيدها غالباً الحكومات والسياسيون، ضرورة استمرار التحركات في كل مناطق لبنان، والضغط في الشارع، عدم السماح للدولة بتفريق التظاهرات والعمل على شل المرافق الأساسية في المدن، غياب النقابات وغالبيتها في لبنان تابعة لأحزاب السلطة.
قد لا يستمر هذا الحراك طويلاً بحسب متابعين، وقد لا يحقق أياً من عناوينه العريضة التي رفعها، لكنه يؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ لبنان سيكون قوامها الجيل الجديد الطامح إلى التغيير.
يتميز الحراك الموجود حالياً في ساحات لبنان، أنه عفوي يعتمد مبدأ "الفوضى المنظمة والخلاقة"، وحتى الساعة لم يتمكن أحد من تسييسه، على عكس ما حصل في حراك 2015، الذي بدأ بيئياً وانتهى إلى عناوين لا علاقة لها بالبيئة، خصوصاً أن الدولة كانت قادرة على احتوائه وتطويقه، والتعامل معه بهدوء. وظهرت نتائج ذلك أن لا شيء تغير، والعناوين البيئية الإصلاحية التي رفعت في 2015، لم يطبق أي منها، وما زالت مشكلة النفايات قائمة.
يختلف الوضع في "انتفاضة 17 تشرين الأول" بعض الشيء، لكنه امتداد مطلبي، فمن نزل إلى الشارع سابقاً، أدرك مدى أهمية الانتقاد والوقوف في وجه السلطة، وما يحصل اليوم، خطوة جديدة نحو حراك أكبر في المستقبل يقوده الشباب، بمساندة من الجيل القديم، بعد أن يكونوا تحرروا من سلطة أحزابهم، وخروجهم من طوائفهم إلى حضن الوطن الواسع.