أخذ السجال بين دول عربية وتركيا أبعاداً مختلفة، يبدو أنها ستتطور هذه المرة إلى "دراما" تتناول الجانب التركي الذي ظلت المسلسلات الموجهة إلى العرب بإخراج أنقرة تخفيه، خصوصاً الجانب المتعلق منه بغزوات العثمانيين الأوائل ديار العرب، وسط اجتياح اتسم بصيغ عدة بينها توحيد ديار المسلمين تحت "خلافة واحدة" حسب المزاعم التركية.
لكن مصر ودولاً خليجية عدة، انتبهت لما اعتبره العرب غزواً ثقافياً من العثمانيين الجدد عبر الدراما التركية المدبلجة، مما عجل بإيقاف المسلسلات التركية على أهم القنوات العربية "ام بي سي" وعدد من المنصات الإماراتية، إلا أن المواجهة تطورت إلى أبعد، حين كشف الشاب الإماراتي ياسر حارب عن "ممالك النار" التي قال إنها ستكشف النقاب عن "الظلام العثماني" في ديار العرب، بدءاً بغزو سليم الأول مصر في عهد المماليك، إلى غيره من السلاطين العثمانيين، عبر عمل سيمتد مواسم عدة.
لكن الإعلان الأول للمسلسل الذي سيبث على "ام بي سي" ومنصات عربية عدة، لم يمض بسلام بالنسبة إلى عدد من وسائل الاعلام التركية والقطرية المؤيدة لها، إذ توجست باكراً من العمل الدرامي دفاعا عن السلطان الذي كان يضع اقراطا في اذنيه حسب المنتج، الذي يعتبر أن الحملة المبكرة على العمل مردها "الخوف من كشف حقائق الدولة العثمانية والتي زحفت توسعا " شرقا " على المسلمين بدلا من " شمالا" نحو الأوروبيين، رغم اعترافهم بتاريخهم وافعال السلطان سليم الأول".
وهكذا فإن العمل جاء حسب ما يقول القائمون عليه ليروي جانباً من تاريخ العثمانيين غير الشائع، عبر أحد سلاطينهم، وهو سليم الاول الذي لا يزال الاتراك يسمون به الميادين والمواقع التاريخية والجوامع باسمه حتى الان.
ويقول المنتج ياسر حارب "ان العمل وثق في البداية شخصية سليم الاول في الحقبة الأخيرة من دولة المماليك وسقوطها على يد العثمانيين في بدايات القرن السادس عشر، والتي قتل في هذه المعارك في أحياء القاهرة أكثر من خمسين ألف نسمة في معارك طويلة وهمجية تمكن العثمانيون من إنهائها لصالحهم عندما لجاؤا إلى البنادق وامطروا بها من فوق المآذن الأهالي" .
رد على كل "الأعمال التركية"
وذكر أن سليم الاول ليس الاخير ، إذ سيمتد المسلسل لعدة مواسم ستكشف الظلام العثماني وشخصيات أخرى، غزت العالم العربي وقُدمت عنهم أعمال وروايات سابقة "كأنهم ملائكة"، لافتاً إلى ان المسلسل سيسلط الضوء على مرحلة في التاريخ العربي ثرية بالأحداث، كاشفاً العديد من الحقائق حول هذه الحقبة التي شهدت تزييفاً كبيراً للتاريخ، وتعتيماً على الجرائم التي مارسها العثمانيون في تلك المرحلة.
حقبة العثمانين في نظر حارب "نقلت المسلمين من العالم المستنير الى المظلم، حيث كان يشهد العرب تقدما معرفيا وبعد اكتشاف طابعة غوتنبرغ في اوروبا ، قام العثمانيون بتحريمها ومنعها مما منع من تدوين الكثير من المعرفة".
وتعهد حارب في افادته "اندبندنت عربية" بان جميع الاحداث الواردة في العمل ستكون "مستقاة" من الواقع ومدونة في كتب التاريخ مثل (ابن اياس ) والذي عايش هذه الحقبة وغيره، وان المسلسل سينقل الاحداث باحترافيه لم يسبق لمسلسل عربي أن نقل مثلها، من خلال تصوير المعارك بدقه واحترافيه شديدة. مضيفا انه لاحظ سعى الأتراك طيلة السنوات الماضية للتركيز على الدراما "لعلمهم بقوة تأثيرها في تلميع تاريخهم ولسهولة وصولها إلى عقول الشباب، وهذا العمل يعتبر اول عمل يكشف الحقيقة الغائبة عن التاريخ العثماني المجرم وسيكون ردا على كل الاعمال التركية".
الواقع ليس بعيداً عن "التاريخ"
ويرى الباحث السعودي في الشؤون التركية محمد الرميزان، أن التفاعل مع السياق التركي العربي جدير بالاهتمام، لأن العودة التركية إلى المنطقة العربية عبر قطر، دليل على أن سلوكها القديم أصبح بعض منه واقعاً على الأرض، وقد يتجدد.
وقال في السنوات الأخيرة ومنذ منتصف بدايات الألفية بدأت المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية سواء بلهجة سورية او لبنانية او لهجات عربية أخرى بالانتشار في التلفاز او التلفزيون العربي من الخليج إلى المحيط، وهي في كل ذلك ترتكز على الجانب العصري في الدراما المطروحة كدموع الورد والعشق الأسود وقبل ذلك إكليل الورد ودقات قلب وغيرهم".
ولكن في السنوات القريبة السابقة، بدأت المسلسلات التركية تتخذ البعد التاريخي من ناحية درامية لتغطية أحداث تاريخية لأهداف ثقافية وسياسية واقتصادية ايضاّ. فنجد انتقال من ما يمكن وصفه بـ "مرحلة الحياة التركية المعاصرة" في المسلسلات التركية إلى "مرحلة التغطية الدرامية للتاريخ العثماني". والأمثلة على ذلك واضحة في مسلسلات كقيامة أرطغل، وحريم السلطان (والذي سمي في لأصل باللغة التركية بمحتشم المئة سنة) وعاصمة عبد الحميد وغيرهم.
المغزى السياسي لا ينكر
واعتبر أن كون أن المسلسلات التركية تغطي الوضع المعاصر فهذ هو شأن الأتراك، ولكن حينما تقوم المسلسلات التركية بتغطية جانب تاريخي وحساس لا سيما يرتبط بالعرب، فقد يكون هناك بعض التداعيات حيال الحبكة الدرامية ومقصدها السياسية وبعدها الثقافي سواء لدى المشاهد التركي او العربية في مختلف أرجاء الدول العربية كالسعودية ومصر وتونس والمغرب.
وفي هذا السياق يعتبر الرميزان مسلسل "ممالك النار" والذي يحكي قصة السلطان سليم الأول وغزوه لسلطنة او مملكة المماليك في مصر، خطوة لازمة من قبل الجانب العربي لتغطية حدث تاريخي قد أهمله الأتراك، ليكسر احتكار الأتراك والمسلسلات التركية لصنع درامة تبين وجهة نظر واحدة للمشاهد العربي، وبالنظر إلى الصحافة التركية وبعيد إعلان مسلسل "ممالك النار"، نجد ردة فعل حادة وناقدة تجاه أحداث المسلسل كصحيفة TRT Haber والتي نشرت مقالاً تشير إلى المسلسل بأنه عمل سعودي-إماراتي مشترك وانه يسعى لنقل الجيوش العثمانية كمحتلين للمنطقة العربية.
رواية من الزاوية العربية
واعتقد من المهم أن يكون هناك "دور عربي لدعم الدراما التاريخية كي لا تكون حكراً على الأتراك او الإيرانيين او غيرهم، خصوصاً وأن واقع السياسة الحالي بالطبع لا يغيب عن وهج المسلس