طرحت الولايات المتحدة مشروع قرار، في مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى تنظيم انتخابات رئاسية في فنزويلا وتيسير وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها. في المقابل، قدمت روسيا، الرافضة لهذا المشروع، مقترحاً بديلاً، وفق ما نقلت وكالة فرانس برس عن دبلوماسيين، السبت.
وينصّ مشروع القرار الأميركي على أن مجلس الأمن يبدي "تأييده الكامل للجمعية الوطنية باعتبارها المؤسسة الوحيدة المنتخبة ديموقراطياً في فنزويلا".
كما يبدي المجلس، وفق النص الأميركي، "قلقه العميق إزاء العنف والإفراط في استخدام القوة من جانب قوات الأمن الفنزويلية ضد المتظاهرين السلميين غير المسلحين".
ويدعو المجلس، وفق المصدر نفسه، إلى "الشروع فوراً في عملية سياسيّة تؤدّي إلى انتخابات رئاسيّة حرّة ونزيهة وذات مصداقية، مع مراقبة انتخابية دوليّة، وفق دستور فنزويلا".
كما يطلب المجلس من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وفق النص الأميركي، "استخدام مساعيه الحميدة للمساعدة في ضمان إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وذات مصداقية".
وينص المقترح الأميركي على "ضرورة الحيلولة دون زيادة تدهور الحالة الإنسانية في فنزويلا وتيسير الوصول إلى جميع المحتاجين وتقديم المساعدة لهم في كامل أراضي فنزويلا".
لكنّ واشنطن لم تعلن حتى الساعة متى ستطلب إحالة مشروع القرار هذا إلى التصويت، وهي تواصل مشاوراتها في شأنه مع أعضاء المجلس الآخرين، وفق ما أفاد مصدر دبلوماسي.
ووفق مصدر دبلوماسي آخر، فإنّ روسيا، الداعمة للرئيس نيكولاس مادورو، لن تتوانى عن استخدام حق النقض "الفيتو" لمنع صدور أي قرار يطعن بشرعيته ويدعو إلى تنظيم انتخابات رئاسية في فنزويلا.
وقالت مصادر دبلوماسية عديدة إنّ موسكو قدّمت الجمعة "نصّاً بديلاً" لمشروع القرار الأميركي.
ووفق أحد هذه المصادر، فإنّ النصّ الروسي "لا يأتي بأي جديد في الجوهر للخروج من الأزمة" التي تتخبّط فيها فنزويلا.
ووفق مصدر دبلوماسي آخر، فإنّ مشروع القرار الروسي الذي يندّد بـ"التدخّل في الشؤون الداخلية" لفنزويلا، ليست له أي فرصة لأن يرى النور إذا طرح على التصويت، لأنّه لن يحوز على أكثرية الأصوات التسعة اللازمة لإقراره.
تحايل على العقوبات
من جهة أخرى، طلبت شركة النفط الحكومية الفنزويلية من العملاء في مشروعاتها النفطية المشتركة إيداع عائدات المبيعات في حساب فتحته في الآونة الماضية في مصرف جازبروم الروسي.
وتأتي خطوة الشركة النفطية الحكومية عقب العقوبات المالية الصارمة الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، واستهدفت منع الرئيس مادورو من الوصول إلى عائدات البلاد النفطية. ومنذ ذلك الوقت، تضغط شركة النفط الفنزويلية على شركائها الأجانب في المشروعات المشتركة في منطقة أورينوكو بيلت المنتجة للنفط كي يقرروا رسمياً ما إذا كانوا سيستمرون في هذه المشروعات، وفق ما قال مصدران مطلعان على المحادثات لوكالة رويترز. ومن بين الشركاء الأجانب في المشروعات المشتركة شركة إيكنور النرويجية وشركة شيفرون، ومقرها الولايات المتحدة، وشركة توتال الفرنسية.
وأمرت الشركة الفنزويلية مشروعها المشترك مع شركتي إيكنور وتوتال بوقف إنتاج النفط الثقيل بسبب نقص النفتا اللازمة لتخفيف الإنتاج، بعدما منعت العقوبات الموردين الأميركيين لهذا الوقود من تصديره إلى فنزويلا.
تدخل عسكري أميركي
وكان خوان غوايدو، الزعيم المعارض الذي نصّب نفسه رئيساً لفنزويلا بالوكالة، قد أعلن في مقابلة مع وكالة فرانس برس أنّه مستعدّ، إذا اقتضت الضرورة، للموافقة على تدخّل عسكري أميركي للإطاحة بالرئيس مادورو وإنهاء الأزمة الإنسانية في البلاد.
وقال غوايدو، ردّاً على سؤال حول ما إذا كان ينوي استخدام سلطاته كرئيس بالوكالة ورئيس للبرلمان للموافقة على تدخّل عسكري خارجي في بلاده، "سنفعل كل ما تقتضيه الضرورة، من الواضح أنّ المسألة مثيرة للجدل، لكن في ممارستنا لسيادتنا وسلطاتنا، سنفعل ما هو ضروري". وأضاف "سنبذل قصارى جهدنا بطريقة مستقلة وسيّدة لإنهاء حالة اغتصاب السلطة و(تشكيل) حكومة انتقالية و(إجراء) انتخابات حرّة".
إنشقاق كولونيل
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، استجاب كولونيل في الجيش الفنزويلي لدعوات الانشقاق عن مادورو، إذ أعلن في شريط مصوّر بثّ السبت أنّه لم يعد يعترف بسلطة الرئيس الحالي وسيخضع من الآن فصاعداً لسلطة غوايدو الذي اعترفت بشرعيته حوالى 40 دولة.
وقال الكولونيل في سلاح البرّ روبن ألبرتو باث خيمينيث في التسجيل الذي بثّ عبر شبكات للتواصل الاجتماعي "ما عدت أعترف بمادورو رئيساً وأعترف بخوان غوايدو رئيساً انتقالياً وقائداً أعلى للقوات المسلّحة الوطنية". وأضاف "نحن غير الراضين، نشكّل 90 في المئة من القوات المسلّحة ويتم استخدامنا لإبقائهم في السلطة"، في إشارة إلى حكومة مادورو.
ودعا الكولونيل أيضاً إلى السماح بإدخال المساعدات الانسانية التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى الحدود الكولومبية مع فنزويلا، ولكن مادورو يمنع إدخالها.
وكان الأسبوع الماضي شهد إعلان الجنرال في سلاح الجو فرانشيسكو يانيز انشقاقه عن سلطة مادورو وولاءه لغوايدو، وذلك في شريط فيديو بث على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً.
ويومها سارعت القوات الجوية إلى نشر صورة للجنرال يانيز مشطوبة بالأحمر، كُتبت فوقها كلمة "خائن".
ويُعدّ الجنرال يانيز أعلى عسكري فنزويلي ينضم علناً إلى غوايدو، فيما يراهن مادورو على دعم القوات المسلحة من أجل البقاء في السلطة.
إتصالات أميركية بالجيش الفنزويلي
وكان مسؤول رفيع في البيت الأبيض أعلن إن الولايات المتحدة تجري اتصالات مباشرة مع أفراد من الجيش الفنزويلي لحثهم على التخلي عن مادورو، وتعدّ أيضاً عقوبات جديدة تستهدف زيادة الضغط عليه.
وأبلغ المسؤول الأميركي وكالة رويترز أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تتوقع عمليات انشقاق جديدة في الجيش والتخلي عن مادورو، مشيراً إلى أن عدداً محدوداً من كبار الضباط فعل ذلك منذ أعلن غوايدو نفسه رئيساً موقتاً الشهر الماضي.
وتابع المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، "ما زلنا نجري مناقشات مع أفراد من نظام مادورو السابق ومع عسكريين على الرغم من أن هذه المناقشات محدودة جداً جداً".
المساعدات عالقة
في غضون ذلك، تكدّست المساعدات الانسانية الأميركية الموجهة إلى فنزويلا في مستودعات على الحدود في كولومبيا، بينما توعّد مادورو بمنع دخولها إلى البلاد.
وأرسلت واشنطن هذه المساعدات بناءً لطلب غوايدو، إلا أن مادورو قال الجمعة إن "واشنطن اختلقت" الأزمة الإنسانية لتبرير "التدخل" في فنزويلا. وأضاف في مؤتمر صحافي أن "فنزويلا لن تقبل استعراض المساعدات الانسانية المزعومة لأننا لسنا متسوّلين".
في المقابل، يقول غوايدو إنّ حوالي 300 ألف شخص يمكن أن يموتوا إذا لم تصلهم المساعدات. وكانت طليعة المساعدات الأميركية وصلت على متن شاحنات، الخميس الماضي، إلى مدينة كوكوتا الكولومبية المجاورة للحدود مع فنزويلا.
وقال النائب الفنزويلي المعارض ليستر توليدو، وهو يقف أمام مخزن المساعدات الأميركية، "إنها أول الغيث" متوقعاً "حصول تسونامي مساعدات إنسانية".
وتتلقى هذه المساعدات هيئة رسمية في كولومبيا هي "الوحدة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث"، وأوضحت في بيان أن مهمتها تقتصر على استقبال المساعدات وتخزينها في كوكوتا. وأشارت الهيئة الكولومبية إلى أن شحنات إضافية من المساعدات ستصل "خلال الأيام القليلة المقبلة"، على أن تضاف إليها أيضاً مساعدات ستُجمع في البرازيل وفي إحدى جزر الكاريبي.
ويبدي غوايدو إصراراً على ادخال هذه المساعدات إلى بلاده. وكان حضّ الأربعاء الجيش على السماح بإدخال المساعدات، بعدما أغلقت قوات حكومية جسر تيانديتاس على الحدود مع كولومبيا.
وقال غوايدو في "رسالة إلى الفنزويليين" نُشرت الجمعة على موقع يوتيوب، خاطب فيها مواطنيه بلهجة رئاسية إنها "ليست سوى أول الغيث وستفتح مراكز جمع أخرى في البرازيل. وبعد أن تُفتح كل هذه المراكز تبدأ المرحلة الثانية المتمثلة بإدخال المساعدات" إلى فنزويلا.
يُشار إلى أن وسائل الإعلام الرسمية تقاطع غوايدو وتكتفي بنقل إطلالات مادورو الإعلامية.
مساعدات فنزويلية إلى كوبا
على الجهة المقابلة، وصلت سفينة تابعة للجيش الفنزويلي محمّلة بمئة طن من المساعدات الإنسانية صباح الجمعة إلى العاصمة الكوبية هافانا التي ضربها إعصار الأسبوع الماضي.
وأعلنت السفارة الفنزويلية في كوبا على تويتر أن "السفينة تي-91 التابعة للقوات المسلّحة البوليفارية (الفنزويلية) وصلت إلى ميناء هافانا محمّلة بالمساعدات الإنسانية للسكان المتضرّرين من الإعصار القوي"، مرفقة التغريدة بصورة للسفينة.
وفي إطار حشد التأييد زار غوايدو جامعة كراكاس حيث استُقبل بالهتاف والترحيب، تزامناً مع مؤتمر صحافي لمادورو.
واعتبر محللون أن مادورو بات يعاني عزلةً متزايدة. واعتبر مكتب الاستشارات "يوراسيا غروب" في نيويورك أن مصير مادورو "بات مرتبطاً بدعم حلفائه التقليديين في روسيا والصين وتركيا".
وتابع المكتب "إلا أن بكين منشغلة باسترداد ديونها من فنزويلا وتفضل عدم التورط كثيراً، أما موسكو فيمكن أن تقدم مساعدة هامشية إلا أنها لن تجازف بتدهور عسكري أو عقوبات أميركية جديدة عليها".
وخلص تحليل المكتب إلى القول "بالتالي لم يعد أمام مادورو سوى خيارات مالية محدودة للتخفيف من تأثير العقوبات الأميركية الشرسة، وهذا ما يعزز شعورنا بأنه لن يكون قادراً على الحفاظ على نظامه".
وتزامن وصول المساعدات الأميركية إلى الحدود مع انتهاء الاجتماع الأول لمجموعة الاتصال الدولية التي تضم دولاً أوروبية وأميركية لاتينية، في الأوروغواي الخميس.
ودعت المجموعة في بيان ختامي أُعدّ بعناية ووقعته كل الدول المشاركة باستثناء المكسيك وبوليفيا إلى تنظيم "انتخابات رئاسية حرة وشفافة وذات مصداقية طبقاً للدستور الفنزويلي". إلا أن مادورو سارع إلى الرد الجمعة بالقول "نرفض هذا الموقف المنحاز، إلا أنني مستعد لاستقبال أي موفد عنهم".