قبل نحو سنة من الانتخابات الرئاسية الثانية لدونالد ترمب، على افتراض أنه قد ينجو، فهو يعيش حالاً من الألم. لكن ما الجديد؟ في كل مرّة يتم الإعلان عن وفاته سياسيا، يبدو الأمر مبالغاً فيه بعض الشىء.
الموهبة الخارقة للساحر الشهير هاري هوديني في التخلص من أغلال الحديد المميتة، كانت ترسي شعوراً بالهزيمة لدى منافسيه يصعب إنكارها. ومع أخذ هذا الأمر في الحسبان، يتطلّب آخر استطلاع للرأي العام الأميركي دعماً يوازي أغنى ما في سيبيريا، من شرق البلاد التي أخذها ترمب موطناً له.
وعلى الرغم من إدارة اقتصاد مرن بما يكفي لاستيعاب حروب تجارية متهورة، فقد بدا الرئيس الأميركي متراجعاً كثيراً أمام أيّ مرشح محتمل للمعارضة، في مجالٍ يفتقر للمنتخَبين تقليديا. ويحل ترمب في الاستطلاع بعد شاب مثلي هو السياسي من إنديانا بيت بوتيغيغ بإحدى عشرة نقطة، وأميركية من أصل هندي تراجعت حظوظها، وهي السياسية من كاليفورنيا كامالا هاريس، بتسع نقاط.
ولا يبدو التنافس مع الأنداد السبعينيين في وضع أفضل. فالرئيس يتخلّف 14 نقطة عن "الجمرة القديمة" المرشح بيرني ساندرز، الذي يبدو أن وضع قلبه بعد تركيز جهاز لتنظيم ضرباته، يجعله قادراً على خوض غمار السباق. ويأتي ترمب متخلفاً 15 نقطة عن اليسارية أستاذة التعليم السناتور إليزابيث وارين من ماساتشوتس التي تلوّح بخطط إنفاق مكلفة بعدة تريليونات من الدولارات.
أما بالنسبة إلى المرشح "الديموقراطي" جو بايدن، الذي ضمّن خطابه للفوز بالبيت الأبيض بأنه صحيح قد تكون طاقته محدودة نسبيا، إلا أنه تمكن من أن يكون هناك إلى جانب أوباما". وقد تراجع ترمب خلفه بحسب الاستطلاع نفسه، بنحو 17 نقطة.
قد يظهر أيضاً على الحلبة خصومٌ لا يتمتعون بشعبية واسعة. لكن إلى حين إعلان المنتج هارفي وينشتاين أو القاتل المتسلسل "سان أوف سام" ترشّحهما، فلا توجد طريقة لمعرفة ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير استطلاع آخر للرأي العام، إلى أن ما يقرب من نصف سكان الولايات المتحدة (49 في المئة أي بزيادة 6 في المئة في خلال أسبوعين)، يريدون إقالة دونالد ترمب. وعلى رغم بث آمال عطرة هو وأقرانه من الخطباء الرتيبين، فإن الرائحة النتنة للاهتزاز الذي تعرّضت له المافيا في أوكرانيا، تظلّ فائحة وشديدة الالتصاق.
ويبدو أن الناخبين المستقلّين الذين حسموا بقوة في وقت متأخر النتيجة لمصلحة ترمب في انتخابات العام 2016، آخذون في الفرار. وفيما تبدو أرقامه أكثر كآبة من أي وقت مضى، ويتواصل تسرّب الشهادات من جلسات العزل، فإن خلاصاته على "تويتر" لا تترك أدنى شك عن مدى جدّية هذا التهديد.
إنه يأخذ الأمر على محمل الجدّ، تماماً كتغير المناخ! لكن المفارقة المذهلة أنه باستثناء تجربة السياسي البريطاني جاكوب ريز موغ من حزب "المحافظين"، فإن أحداً لا يعرف كيف يجب التعامل مع الحرائق مثل الرئيس الأميركي الراهن.
فبعدما قدّم ترمب إلى حاكم كاليفورنيا الحل للحرائق الهائلة التي نشبت في الولاية، بدعوته إلى تنظيف أرض الغابات، لم يكن بحاجة إلى مزيد من التغريدات. كما أنه في اليوم الذي أكد فيه البيت الأبيض انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس، اعتمد صمتاً واضحاً حيال الموضوع.
بين الصفات كلّها التي يتطلبها العالم الحر من قائده، لا شيء يفوق القدرة على تقديم القيم العليا على التفاهة. فتغريدته: "صوّتوا لشون سبايسر في برنامج الرقص مع النجوم،" التي صدرت قبل ساعات من البرنامج، لم تكن دليل اهتمام منه بالرقص بمقدار ما كانت تستهدف الموالين له.
وفي المقابل، برزت تغريدته عن أن إبنه دونالد ترمب جونيور يُعدّ كتاباً جديدا، وأخرى يتهكم فيها على اليسار "المبني على الكراهية ويريد إسكاتنا". وسواء كان يؤمن حقيقة بذلك، أو ما إذا كان الإسقاط وراثيا، فإن اليسار الأميركي لا يزدهر بسبب الكراهية. وإذا كان الأمر كذلك، وتمت شيطنة ذلك اليسار بنصف ما هو عليه ترمب الآن، فإن نتيجة الانتخابات المقبلة ستكون في جيبه منذ اللحظة.
إن ما تبقى للناخب الأميركي في الواقع، هو العثور على مرشحين سيئين كونياً لتولي المنصب الفظيع وهو رئاسة الجمهورية. إنني أقدّر مدى صعوبة أخذ ذلك في الاعتبار من جانب القرّاء البريطانيين خلال هذه الدورة الانتخابية، التي يسعى فيها جيريمي كوربين زعيم حزب العمّال إلى ملاحقة رئيس الوزراء بوريس جونسون في ما يتعلّق بموضوع الرعاية الصحية الوطنية NHS.
لكن الفريق الذي كان خلف البطل الكرتوني جون كيري، الذي بدا كما لو أنه يحلم خلال مرحلة العصور الوسطى الفرنسية، ضد الفتى الصالح جورج دبليو بوش، فما زال يعمل بلا كلل لارتكاب إخفاقات أخرى.
ويتمتع كل مرشح ديموقراطي ببعض الجاذبية، لكن كلّ واحد من هؤلاء، يكون لأسباب مختلفة، في موقف ضعيف أمام ترمب.
وينبغي ألا يكون الأمر على هذا النحو. فكما في مباريات كرة القدم، تفحّص جهاز VAR (الفيديو المساعد للحَكَم) الانتخابات الأخيرة من كل زاوية يمكن تخيّلها، ووجد فيها خطأً بديهياً فاضحا. فالكرة موضوعة على نقطة ركلة الجزاء، فيما حارس المرمى واقف خلف الهدف يحشو وجهه بشرائح السمك المقلي، وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد أيّ لاعب يمكن الوثوق فيه للتهديف وهزّ الشِباك.
كذلك، يحلم الديمقراطيون الذين لا يثقون في استطلاعات الرأي ويدركون أن ترمب يتفوّق على الوجوه الوطنية في الولايات المتأرجحة، بأن تخرج أميرتهم من المياه، ويتحقق لهم الفوز. ولو شاءت ميشيل أوباما ذلك، لانتهت كلّ من عملية الترشيح والانتخاب في 3 أعشار الثانية.
لكن الديموقراطي الذي يرغب في صنع هيلاري جديدة، ومحاولة اتّباع المسار الوظيفي لزوجة الرئيس، لن تكون أمامه ميشيل أوباما، بل هيلاري كلينتون نفسها.
ويقدّر كثيرون الرغبة في ردّ الجميل. لكن بالنظر إلى مَن تفكر به هي، يجب تقبّل المفارقة الكامنة في العنوان الآتي "هيلاري كلينتون تشجّع الديموقراطيين على اختيار مرشّح يمكنه الفوز بأصوات المجمع الانتخابي".
لكن حتى الديموقراطيين ليسوا أغبياء بما يكفي للخلط بين المرشح المقترح وهيلاري التي لم تشارك في حملة "راست بلت" في السابق. وتبدو الطموحات المستمرة للسيدة كلينتون دليلاً على أنها أكثر من مجرد وهم أولمبي بالنسبة إليها. فالأمر يتعلق بفجوة هائلة في السوق.
إن تقديم جو بايدن أوراق اعتماده العمّالية، يجعله في وضع أفضل للفوز في الولايات المتأرجحة الحاسمة، لكنه يبدو وكأنه محنّط، وبالكاد يمكنه الكلام أو الحراك. وما لم يتم وضعه في ركود تام إلى أن يتم تأمين ترشيحه، فستكون إليزابيث وارن هي المفضلة لتصبح مرشّحة الحزب الديموقراطي.
السؤال المثير للفضول بشدة هو ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لحكومة اشتراكية تقوم بإعادة توزيع كبيرة، لكن يُفضّل حفظ هذا السؤال وطرحه في انتخابات أخرى. وما لم يطغَ على ميشيل أوباما شعور بالواجب، فعلى الجميع أن يبدأوا بالاستعداد منذ الآن لليلة أخرى من التوتر الغثياني بعد نحو 363 يوما.
قد يكون ترمب غائصاً في عالم من الألم، لكننا غالباً ما عانينا الأمر نفسه في كثير من الأحيان لتقبل ذلك كمبرر. فالعالم هو الآخر مثقل بألم نتيجة أعباء ترمب، وهذا ليس بالأمر الجديد. وسواء انتهى الأمر في السنة 2020 أو بعدها في السنة 2024، فيبدو أن المقايضة التي أقدم عليها في أوكرانيا ستكون نتائجها بالنسبة إليه أقل من خسارة آلاف الأصوات في ولايتي ميشيغان وبنسلفانيا.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يلام نيرون الذي أضاع الوقت بتغريدات عن سكرتيرته الصحافية السابقة أثناء حرائق كاليفورنيا، بل يتوجب توجيه اللوم نحو الديموقراطيين الذين يرقصون على جليد ذائب مع فرقة انتحارية أخرى من المرشّحين للرئاسة.
© The Independent