انتصرت أصوات الفرح على ضربات المدفعية الثقيلة، معلنةً الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، إذ تزيّنت سماء العاصمة الليبية طرابلس، بمختلف أشكال الألعاب النارية في حين التفت حول جدران أحيائها فوانيس خضراء وأخرى حمراء، معلنةً انتصار الفرح على الحرب.
الساحات العامة في ليبيا، غصت بالشيب والشباب الذين يرتدون الزبون (زي تقليدي رجالي ليبي مكون من ثلاث قطع) لتبادل المعايدات.
بينما اختار عدد آخر التوجه إلى الزوايا الصوفية التي تنبعث منها أصوات القرآن ومدح رسول الله عليه الصلاة والسلام وضرب الدف، عادات شعبية يصر الليبيون على التمسك بها، كنوع من الخصوصية مقارنة ببقية البلدان الإسلامية.
الزوايا الصوفية
يحرص الليبيون على إحياء الأناشيد الصوفية والإمعان في شرح السيرة النبوية داخل الزوايا الدينية التي انبعثت منها روائح البخور وأصوات الذكر ومدح الرسول.
طقوس يعتبرها محمد، أحد سكان المدينة القديمة، ضرورية لا تكتمل الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف إلاّ بها.
ويقول "ننتظر هذه المناسبة كل عام بفارغ الصبر، إذ تدبّ الحركة مجدداً في مختلف أزقة الأحياء الشعبية، وننسى ولو بصفة ظرفية، مخلّفات الحرب التي هجّرت الآلاف".
في المقابل، ثمة رأي يعارضه المؤيد بالله، الذي يعتبر "أن هذه الاحتفالات مجرد عادات، لا صحة لها من الناحية الدينية".
ويضيف "أخذنا سنة رسول الله وتركنا لهم البدعة، الرسول كان كريماً محباً متسامحاً، لمَ لا نقتدي بصفاته بدلاً من الانغماس في صهريج التقاليد المتوارثة والمستهلك". وختم "يحتفلون بمولده ويهجرون سننه."
العصيدة... والخميسة
وتحرص ربات البيوت في ليبيا على تبخير المنزل، استعداداً لاستقبال الضيوف وتتفنّن النسوة في تحضير "العصيدة " وهي عبارة عن طبق مكوّن من الماء والدقيق يشكل بأشكال متنوعة، ومن ثم يُسقّى بالزبدة ودبس التمر .
وفي السياق ذاته، أكدت فيحاء أنها مناسبة للالتقاء بأفراد الأسرة والترويح عن النفس من خلال إحياء سهرات أسرية ضيقة باستعمال الدف الذي يشترى خصيصاً لعيد المولد النبوي، ومن ثم تُضاء الشموع في جميع أنحاء المنزل .
وأضافت "أجمل الأشياء هي الخميسة"، عادةٌ تتميز بها البيوت الليبية عن بقية الدول الإسلامية، وهي عبارة عن شجرة تُصنع من بقايا الخشب وتُضاء بالشموع وتعلق فوق الشمعدان. وهناك من يصنعها عن طريق أسلاك كهربائية مضيئة، تشكل على هيئة ورود بيضاء وحمراء".
وترى خديجة من قبيلة الطوارق أن طقوس المولد النبوي في الجنوب تختلف عن بقية المدن الليبية، حيث يغيب طبق العصيدة وتحضر اللحوم بقوة، إذ يذبح شباب الجنوب الليبي الخرفان ويوزعون لحمها على الجيران كنوع من التقرّب إلى الله، في حين تتزين نساء الطوارق بالحنة والكحل.
وغابت هذه السنة عن احتفالات ذكرى المولد النبوي الشريف، "التدريجة" وهي عبارة عن تجمع شعبي ينطلق من أصغر الزوايا الدينية إلى أكبرها، مع التهليل والإنشاد والعروض الشعبية والموسيقى الفولكلورية والفروسية، نظراً إلى ظروف البلد واحتراماً لمشاعر النازحين في المدارس، إثر تضرر بيوتهم في حرب 4 أبريل (نيسان) الماضي.