كان نصراً سياسياً بامتياز، من وجهة نظر الجمهور المحلي على الأقل، ذلك الذي حققه المنتخب العراقي لكرة القدم على نظيره الإيراني، الخميس 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، في إطار التصفيات المزدوجة لكأس العالم وبطولة آسيا.
اعتبارات سياسية
لعلّ أحد أسباب الاعتبارات السياسية التي طغت على اللقاء، هو نقل مكان المباراة من مدينة البصرة إلى العاصمة الأردنية عمان، بسبب الوضع الأمني المتأزم في العراق على خلفية التظاهرات، ما ضيّع على المنتخب العراقي فرصة اللعب على أرضه ووسط جمهوره.
لم يفوّت السفير الأميركي ماثيو تولر فرصة هذه المباراة، لاستخدامها سياسياً، إذ نشرت صفحة السفارة صورة له، وهو يرتدي زي المنتخب العراقي ويحمل كرة قدم. وكتبت السفارة الأميركية على أسفل الصورة، "تأمل الولايات المتحدة في متابعة مباراة ممتعة مع تحقيق النصر للعراق. وكما يقول أسود الرافدين (لقب المنتخب العراقي) دائماً، سنقاتل من أجل الفوز".
وأضافت "حظاً موفقاً للعراق"، مع عبارة باللهجة الدارجة، قالت فيها "ما نقبل بغير الفوز".
قبيل المباراة، وزّع مكتب رئيس الوزراء العراقي تسجيلاً مصوّراً لرئيس الحكومة عادل عبد المهدي، يتحدث إلى رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم عبد الخالق مسعود، طالباً منه نقل تحياته للاعبي الفريق، وحاثاً إياهم على ضرورة تحقيق الفوز. لكن وسائل التواصل الاجتماعي سخرت من حديث عبد المهدي، لا سيما بالنسبة إلى خوضه في تفاصيل فنية تخصّ دفاع الفريق وهجومه، حين ظهر وكأنه خبير كروي.
عبد المهدي خبير كروي!
تلازمت هذه السخرية مع جدل واسع في العراق بعد اقتراح نشطاء انسحاب المنتخب الوطني من المباراة، احتجاجاً على مشاركة إيران في قمع التظاهرات العراقية عبر حلفائها، قبل أن يتحوّل هذا الجدل إلى حملة لمطالبة اللاعبين بارتداء الكمامات قبل بدء اللقاء، في إشارة إلى الغاز المسيل للدموع الذي استخدمته الحكومة بقسوة ضد المتظاهرين، وتسبّب في مقتل المئات.
وردّ الاتحاد العراقي لكرة القدم على هذه الحملة بأن "الأمر ليس ممكناً"، إذ من المستحيل أن يسمح الاتحاد الدولي لكرة القدم باستخدام إشارات سياسية خلال المباراة، ليتحول المقترح إلى دقيقة صمت قبل انطلاق المواجهة وارتداء لاعبي المنتخب العراقي شارات سوداء، حداداً على ضحايا التظاهرات.
شارات الحداد
وقبل انطلاق المباراة بقليل، سرّب الاتحاد العراقي لكرة القدم نبأ موافقة الاتحاد الدولي على ارتداء لاعبي المنتخب العراقي شارات سوداء خلال اللقاء، لكن المفاجأة جاءت عند بدء المباراة، إذ ظهر اللاعبون في الملعب بلا شارات. بعد حين، ذكرت مصادر في بغداد أن عبد المهدي طلب من مسعود تجاهل كل المطالب التي تمثل دعماً للاحتجاجات.
واكتست المباراة أهمية قصوى لتزامنها مع حراك شعبي غير مسبوق، يستهدف بشكل علني إسقاط النظام السياسي المدعوم من إيران، إذ تحفزت الجماهير العراقية باكراً، ونشر مدونون عشرات التغريدات، التي تضع هذا اللقاء الرياضي في سياق سياسي.
جاءت المباراة حافلة بالندية والإثارة، ففضلاً عن أنها ضمن منافسات مهمة للغاية، فهي تجمع اثنين من عمالقة آسيا في كرة القدم، مع فارق المستوى الواضح في السنوات الأخيرة لصالح المنتخب الإيراني.
المنتخب العراقي يتضامن مع المحتجين
وبدا أن حسابات الورق تختلف عن حسابات الملعب، إذ ظهر المنتخب العراقي مستحوذاً، وهدّد مرمى نظيره الإيراني مبكراً، قبل أن يتقدم بهدف لمهاجمه مهند علي، إثر دربكة أمام المرمى. لكن الفرحة العراقية لم تكتمل، فسرعان ما تورّط اللاعبون في خطأ دفاعي، كلّفهم هدف التعادل.
استأنف الفريقان اللعب في الشوط الثاني مع أفضلية عراقية واضحة، لكنها سلبية. وقبيل صافرة النهاية بدقيقتين، أطلق لاعب المنتخب العراقي علي عباس رأسية استقرت في شباك الفريق الإيراني، لتنتهي المباراة بفوز عراقي مستحق بهدفين مقابل هدف.
ولم يفوّت اللاعبون العراقيون فرصة التضامن مع المحتجين في بلادهم، إذ استغلوا لحظة الفرح بتسجيل الهدف الأول ليؤشروا على أنوفهم إشارة ارتداء الكمامة، قبل أن يلقي عدد من المشجعين كمامات على أرض الملعب، فالتقط اللاعبون بعضها ووضعوها لثوان، في إشارة إلى اتحاد كامل مع التظاهرات.
ساحة التحرير تحتفل
كانت ساحة التحرير وسط بغداد، تحتضن كرنفالاً جماهيرياً كبيراً لمتابعة المباراة. وأعلن مراسل "اندبندنت عربية" أن "آلاف المحتجين كانوا يشاهدون المباراة في ساحة التحرير، مرتدين الكمامات الواقية من الغاز المسيل للدموع، الذي تطلقه قوى الأمن".
المحتجون في الساحة احتفلوا بهدفَيْ منتخب بلادهم، عبر هتافات سياسية ضد النفوذ الإيراني، بينما امتلأت شوارع العاصمة بغداد بالمواطنين الذين خرجوا للمشاركة في الفرحة العامة، في حين أطلق آخرون عيارات نارية بكثافة، وهي عادة عراقية ملازمة للمناسبات الشعبية.