بعد اعترافها بقرار أحادي، اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وبسيادة الدولة العبرية على الجولان السورية المحتلة، وجهت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضربة جديدة للتوافق الدولي حول النزاع بين فلسطين وإسرائيل بإعلانها أنها "لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة غير شرعية"، في خطوة لاقت تنديدا عربيا ودوليا أكدوا فيها على تمسكهم "بعدم شرعية المستوطنات وانتهاكها للقوانين الدولية"، محذرين من تأثيرات الخطة "الخطرة" على مبدأ التسوية المستقبلية.
وعلى الرغم من اعتبار المجتمع الدولي بأغلبية ساحقة المستوطنات غير شرعية، مستنداً في ذلك إلى اتفاقية جنيف الرابعة، التي تمنع سلطة الاحتلال من نقل إسرائيليين إلى الأراضي المحتلة، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو "بعد دراسة جميع الحجج في هذا النقاش القانوني بعناية"، خلصت إدارة ترمب إلى أن "إنشاء مستوطنات لمدنيين إسرائيليين بالضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مجرد مراجعة قانونية
وحرص بومبيو على التأكيد أن هذا الإعلان ليس سوى عودة إلى تفسير للرئيس الأسبق رونالد ريغن في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في قطيعة خصوصا مع الإدارة السابقة برئاسة باراك أوباما التي دانت الاستيطان بشدة.
لكن السياسة الأميركية كانت تعتمد حتى الآن، على الأقل نظريا، على رأي قانوني لوزارة الخارجية يعود إلى 1978 وينص على أن "إقامة مستوطنات سكنية في هذه الأراضي" الفلسطينية "ليس مطابقا للقانون الدولي".
وقال بومبيو "الحقيقة هي أنه لن يكون هناك أبدا حل قانوني للنزاع وأن الجدل حول من هو محق ومن هو مخطئ في نظر القانون الدولي، لن يجلب السلام"، مشيرا إلى "اعتبار إقامة مستوطنات إسرائيلية أمرا يتعارض مع القانون الدولي لم ينجح ولم يحقق تقدما على مسار قضية السلام". معتبراً أن "الهدف ليس توجيه رسالة حول ما إذا كان يجب زيادة عدد المستوطنات أو تخفيضه، بل مجرد مراجعة قانونية".
إدانة فلسطينية وفتح تحقيق
وبعد أن دانت السلطة الفلسطينية التي ترفض إجراء مفاوضات بوساطة من إدارة ترمب التي تعتبرها منحازة لإسرائيل، بموقف واشنطن. شددت على لسان نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، إن واشنطن "غير مؤهلة أو مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية، ولا يحق لها أن تعطي أي شرعية للاستيطان الإسرائيلي". كما أعلنت السلطة، اليوم الثلاثاء، على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أنها ستدعو إلى فتح تحقيق دولي بقانونية موقف واشنطن التي لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين غير شرعية.
وقال عريقات، إن السلطة الفلسطينية "بدأت بمجموعة من الخطوات ضد الموقف الأميركي الأخير بشأن الاستيطان ومنها التوجه إلى المؤسسات الدولية". مضيفاً "سنتوجه إلى مجلس الأمن وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى محكمة الجنايات الدولية وإلى مجلس حقوق الإنسان ضد هذا القرار". وقال عريقات "بدأنا مداولات بالأمم المتحدة لتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن".
ترحيب إسرائيلي
وبعد أن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن التفسير الجديد لأقرب حليف له "يصحح خطأ تاريخيا ويعكس حقيقة تاريخية هي أن اليهود ليسوا مستعمرين أجانب في يهودا والسامرة"، الاسم التوراتي الذي تطلقه الدولة العبرية على الضفة الغربية. تجول الثلاثاء في الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون"، جنوبي الضفة الغربية، وقال "أعترف بأنني أشعر بانفعال كبير. نحن موجودون هنا في غوش عتصيون الذي طردنا منه إبان حرب الاستقلال، وها نحن في هذا اليوم التاريخي حيث تم تحقيق إنجاز عظيم لدولة إسرائيل وقد عملنا على تحقيقه على مدار فترة طويلة".
تنديد عربي ودولي
في المقابل نأى الاتحاد الأوروبي بنفسه بسرعة عن الموقف الأميركي الجديد، مذكرا بأن موقفه "واضح" و"لا يتغير"، ويقضي بأن "كل نشاط استيطاني غير قانوني بموجب القانون الدولي ويعرض للخطر إمكانية بقاء حل الدولتين وآفاق سلام دائم". وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إن "الاتحاد الأوروبي يدعو إسرائيل إلى وضع حد لأنشطتها الاستيطانية بما يتماشى مع التزاماتها بصفتها سلطة احتلال".
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الروسية إن هذا القرار "يقوض الأساس القانوني لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، وأضافت، في بيان لها، "أن هذه الخطوة ستزيد التوتر بالمنطقة. وبحسب موسكو فإن القرار خطوة جديدة تهدف لهدم الأسس القانونية للتسوية في الشرق الأوسط.
كما قالت الحكومة النرويجية "إنها تعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهي عقبة أمام حل الدولتين". ودانت منظمة العفو الدولية إضفاء الولايات المتحدة شرعية على المستوطنات الإسرائيلية، معتبرة "أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة سيبقى جريمة حرب رغم ذلك".
وعلى الصعيد العربي، قالت وزارة الخارجية المصرية، "إن المستوطنات غير قانونية وتتنافى مع القانون الدولي، وأكدت في بيان "الموقف المصري من الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي". كما حذر الأردن من خطورة تغير الموقف الأميركي إزاء المستوطنات الإسرائيلية، وجاء ذلك في تغريدة على تويتر لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي قال فيها، "إن المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة خرق للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وإجراء يقتل حل الدولتين ويقوّض فرص تحقيق السلام الشامل".
وفي الولايات المتحدة، دانت السيناتورة الديموقراطية اليزابيت وارن المرشحة للسباق إلى البيت الأبيض، تبدل الموقف الأميركي مؤكدة أنها ستلغيه إذا تم انتخابها. وقالت إن "هذه المستوطنات لا تنتهك القانون الدولي فحسب بل تجعل تحقيق السلام أصعب".
أي تداعيات للخطوة؟
ومع اعتبار الأمم المتحدة أن هذه المستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل منذ 1967، غير قانونية، وهو ما يراه جزءاً كبيراً من الأسرة الدولية، معتبرين إياها أنها تشكل عقبة كبرى في طريق السلام، رجحت أغلب القراءات والتحليلات أن تكون الخطوة الأميركية ضربة لعملية السلام المستقبلة، وضوء أخضر لمزيد من عملية بناء المستوطنات في الضفة الغربية، كما أنها تهدف إلى صد تحركات المحكمة الجنائية الدولية المحتملة ضد إسرائيل.
ويعيش في الضفة الغربية أكثر من 600 ألف مستوطن إسرائيلي في نحو 140 مستوطنة بالضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين في الوقت الحالي، جنبا إلى جنب ما يزيد على 2.6 مليون فلسطيني. والمستوطنات هي تجمعات سكنية أقامتها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها أثناء حرب 1967.
وبحسب كبير المحللين في شؤون الشرق الأوسط بمركز أبحاث الأزمات الدولية عوفر سالزبرغ فإن الولايات المتحدة تحاول إضعاف الضغط القانوني على حليفتها إسرائيل. ويقول سالزبرغ، "تحاول إدارة ترمب فضح الإجماع الدولي بشأن هذه المسألة المتعلقة بعدم قانونية المستوطنات". وذكر سالزبرغ، أن المستوطنين الإسرائيليين جزء من دائرة نتنياهو اليمينية، والتغيير في السياسة الأميركية مهد الطريق لضم إسرائيل للمستوطنات".
بدورهم تباينت آراء المحللين الإسرائيليين، بشأن الخطوة الأميركية، وفيما اعتبر البعض أنه يرسخ الادعاء الإسرائيلي بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، هي أراض متنازع عليها، ويعطي الشرعية للمستوطنات المقامة على هذه الأراضي، بما يفسح الطريق أمام إسرائيل في نهاية الأمر لضمها. ذكر آخرون أنها "خطوة لتصحيح المسار".
ووفقما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن القرار جاء بمبادرة من السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، وبمساهمة من وراء الكواليس من السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية رون ديرمر. مشيرة في الوقت ذاته، إنه "وعلى الرغم من الفرح بإسرائيل، فإن القرار رمزي في الغالب، ومن غير المرجح أن يقبله المجتمع الدولي". مضيفة، "يُنظر إليه في إسرائيل على أنه يوفر ضوءاً أخضر لتوسيع المستوطنات وعملية ضمها لإسرائيل، وبالطبع، قد يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لفرص تحقيق انفراجة بين إسرائيل والفلسطينيين".
وكان فريدمان، المقرب من ترمب، وصاحب المواقف الداعمة للاستيطان منذ عقود، قد أسهم في إصدار قرار من وزارة الخارجية الأميركية، في وقت سابق من هذا العام، يوقف استخدام تعبير "أراضي محتلة" عند الإشارة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان.
وبدوره، كتب دوري غولد، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية والمساعد السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، في صحيفة "إسرائيل اليوم"، أن القرار الأميركي الجديد، بمثابة "تصحيح لسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط". مضيفاً، "لقد أثرت الظروف الفريدة لقضية الاستيطان الإسرائيلي على القضية بأكملها حول كيفية الحكم عليها، ولكن الآن مع صياغة موقف أميركي جديد، فإن شرعيتها في طريقها إلى القبول النهائي".
بدوره، تساءل يعقوب كاتس، رئيس تحرير صحيفة "جروزاليم بوست" اليمينية الإسرائيلية، إن كان القرار الأميركي، يعزز فرص السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. مجيبا بـ"نعم، ولا".
وقال، "من ناحية، سوف ينظر الفلسطينيون إلى هذا الإعلان كمثال آخر، بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، للتحيز الأميركي، وكدليل أن دونالد ترمب غير قادر على العمل كوسيط نزيه". وأضاف، "من ناحية أخرى، فإن لدى إسرائيل أخيراً دولة، وليس فقط أي دولة، تقف وراء مزاعمها بأن المستوطنات ليست غير شرعية، ولكنها جزء من أرض متنازع عليها، لا يمكن تحديد مصيرها، إلا من خلال المفاوضات واتفاق السلام".
من جانبها، تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن "الفرق الذي سيحدثه قرار الولايات المتحدة؟"، وبحسب كاتبة التقرير إيزابيل كيرشنر، فإنه في غياب مفاوضات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن إسرائيل قد تستغل السياسة الأميركية لتبرير بناء مزيد من المستوطنات. ونقلت كيرشنر عن مايكل هيرتسوغ، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بواشنطن، أن إدارة ترمب لم تعترض، كما أنها لم توافق، على تعهد نتنياهو بضم المستوطنات وغور الأردن الاستراتيجي الذي يمثل حوالي ثلث مساحة الضفة الغربية.
وتعد المستوطنات سببا في نزاع بين إسرائيل والمجتمع الدولي وبينها وبين الفلسطينيين. كما تعد قضية المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي من أكبر القضايا الخلافية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويطالب الفلسطينيون بإزالة هذه المستوطنات، مبررين طلبهم بأن وجود هذه المستوطنات على الأراضي التي يطالبون بأن تتحول إلى دولة فلسطين المستقلة في المستقبل يجعل من المستحيل تحويل هذا الهدف إلى حقيقة.
وفي عام 1978، توصلت إدارة جيمي كارتر إلى أن بناء المستوطنات الإسرائيلية المدنية مخالف للقانون الدولي. وفي عام 1981، اختلف الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان مع هذا الموقف، مؤكدا أنه لا يرى أن المستوطنات غير قانونية بطبيعتها.
ومنذ ذلك الحين، تبنت الولايات المتحدة موقفا يتضمن أن "المستوطنات غير شرعية"ـ رغم أنها ليست "غير قانونية"ـ كما تحمي الإدارات الأميركية المتعاقبة إسرائيل من قرارات الإدانة من قبل الأمم المتحدة.
رغم ذلك، كسر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما هذه القاعدة في أواخر 2016 بالامتناع عن استخدام حق الاعتراض (فيتو) ضد قرار للأمم المتحدة يحث على نهاية للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. بينما تبنت إدارة ترمب نهجا أكثر تسامحا تجاه بناء المستوطنات الإسرائيلية مقارنة بإدارة أوباما.
وقضت محكمة العدل الأوروبية، قبل أيام، بإلزام الدول الأعضاء في الاتحاد بوضع ملصق "منتج مستوطنات" وليس "صنع في إسرائيل" على السلع المنتجة في المستوطنات.