تحتدم المعارك سياسياً، في الشمال السوري، بقيادة تركية في سباقٍ لانتزاع المنطقة الآمنة، ومعها يرتفع غبار آخر المعارك التي اشتدّت عسكرياً شرق حوض الفرات في مواجهة معقل تنظيم "داعش" الأخير في سوريا، حيث تواصل قوات سوريا الديموقراطية (قسد) تقدمها ومحاصرتها مسلحي التنظيم في قرية الباغوز في جنوب شرق ريف دير الزور، بالتزامن مع ضربات جوية تنفذها طائرات التحالف الدولي تستهدف مواقع المتطرفين.
يتابع اللاعبون الدوليون تطور الأحداث، ومعها تُكتب بيانات انتصار على تنظيم أرّق العالم بأسره. لكن المعركة، وإن بدت ملامح نهايتها واضحة، فإنها ستُطلق فور الانتهاء منها معركة أخرى بين الأحزاب الكردية وتركيا.
يلوّح المسؤولون الأتراك في لقاءاتهم بالروس بورقة وحدة الأراضي السورية كذريعة للتوغل، بالإضافة إلى حجج أخرى من أبرزها أمن تركيا القومي. وبصراحة أعلن فخر الدين ألطون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أن وحدة الأراضي السورية واستقرارها السياسي من أولويات بلاده، مشيراً إلى أن تركيا لا تكافح شتى أنواع الإرهاب في سوريا فحسب، بل تعمل جاهدة على إيجاد حل سياسي للأزمة القائمة فيها أيضاً.
في المقابل، تستغرب قوى المعارضة في الداخل، ومنها الأحزاب الكردية السياسية، هذه الادعاءات التركية. وترى الأحزاب الكردية أنها على الرغم من تحالفها مع الولايات المتحدة موقتاً من أجل محاربة "داعش"، فإنها تملك قوة مستقلة تُمكّنها من حماية نفسها. ويستغرب صالح مسلم، مسؤول مكتب العلاقات الدبلوماسية في حزب الاتحاد الديموقراطي، كيف ترمي تركيا مشكلاتها خارج حدودها، مؤكداً وجود حزب العمال الكردستاني في تركيا وليس داخل الأراضي السورية.
وأضاف مسلم "لتدع تركيا السوريين وشأنهم، ولتخرج من الأراضي السورية التي احتلتها، من لواء إسكندرون إلى أعزاز وجرابلس وعفرين، وتدعهم يحلون مشاكلهم بأنفسهم، وهم لديهم القدرة على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية". وأشار مسلم إلى أن تركيا حين تدخل أي أرض تحتلها ولا تخرج منها. ولا يخفي مسلم تاريخ تركيا المعروف والتوسعي، ويسأل: كيف يمكن أن تحقق تركيا وحدة الأراضي السورية وهي تحمل مطامع استعمارية؟
على الضفة الأخرى، تعتبر دمشق أن أي وجود لقوات عسكرية من دون إذن منها هو تدخل في شؤونها، وقوة احتلال تؤثر في سيادة الأراضي السورية ووحدتها، مطالبة تركيا بالالتزام بالقرارات الدولية. ويرى الدكتور عبد القادر عزوز، مستشار رئيس الحكومة السورية، أنه لن تكون الغلبة إلا للدولة السورية، صاحبة السيادة والشرعية، في بسط سلطتها ونشر قواتها على جميع أراضيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقف دمشق الواثق جاء بالتزامن مع حديث لمسؤولين في الإدارة الذاتية في كردستان سوريا، أعلنوا أنهم أُجبروا على اللجوء إلى موسكو ودمشق لتأمين مساعدة في حماية المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وأكدت إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية في مجلس سوريا الديموقراطية، أن هذا السيناريو جيد، إذ "أرغمنا على الاختيار بين قبول الدبابات والعمليات الجوية التركية أو تمركز القوات السورية على الحدود بيننا وبين تركيا".
وسيبحث قادة روسيا وتركيا وإيران، في قمتهم في منتجع سوتشي في 14 فبراير (شباط) الحالي، الموقف في إدلب والعملية السياسية، وتبعات قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، وضمان تحقيق استقرار أكبر على الأرض. وذكر سيرغي فرشينين، نائب وزير الخارجية الروسي، في حوار مع صحيفة كوميرسانت الروسية، أن روسيا لا تقبل الأميركيين وتدين وجودهم، كدولة محتلة، في هذه الأرض السورية من دون موافقة الحكومة السورية.
ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان شريطاً مصوراً يرصد اعتقال قوات سوريا الديموقراطية عناصر من تنظيم "داعش" وهم يرتدون ملابس مدنية، بعدما اندسوا بين المدنيين في محاولة للهروب. وهذه ليست المرة الأولى التي يتخفّى فيها مسلحو "داعش" للهرب من القوات الكردية. إذ سبق أن حاولوا التسلل إلى الأراضي العراقية في هيئة رعاة أغنام، إلا أن القوات العراقية ألقت القبض عليهم.
من جهة أخرى، موّلت المملكة المتحدة مشروعاً لإنشاء أكثر من 70 برج مراقبة، على طول الحدود اللبنانية السورية، قدّرت كلفتها بحوالي 80 مليون دولار، في إطار جهود لمنع وصول مقاتلين مسلحين إلى أوروبا. وهو المشروع الذي وصفه كريس رامبلنغ، السفير البريطاني في لبنان، بأنه بالغ الأهمية لأنه يهدف إلى منع المسلحين في سوريا من العبور إلى لبنان. وهذه الإجراءات قد تشكل، في رأي بعض المراقبين، مسألة مهمة في دعم الأراضي السورية واستقرارها.