لا تزال منطقة سقارة بمحافظة الجيزة مليئة بكنوز أثرية تبهر العالم أجمع مع كل كشف أثري جديد، وكان قد أعلن أخيراً عن اكتشاف مومياء لحيوان في منطقة سقارة، وكان للحيوانات قيمة كبيرة عند المصري القديم وصلت إلى حد التقديس، حيث وجدت الكثير من الرسوم على جدران المعابد القديمة لطيور وحيوانات أو للآلهة التي مثلت بحيوان معين.
ومع اكتشاف المومياء في منطقة سقارة أعلن أنها ستخضع للبحث والدراسة قبل الكشف عن التفاصيل وهو ما حدث بالفعل، حيث أعلن الدكتور خالد العناني، وزير الآثار المصرية، عن كشف أثري جديد بمنطقة سقارة الأثرية في مؤتمر صحافي عالمي حضره أكثر من 40 سفيراً لدول عربية وأجنبية في مصر ولفيف من الشخصيات العامة وأعضاء مجلس النواب بالإضافة إلى عدد ضخم من الصحف ووسائل الإعلام المحلية والعالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقامت بالكشف بعثة أثرية مصرية برئاسة الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أثناء أعمالها بجبانة الحيوانات في نفس المنطقة التي تم الكشف فيها خلال العام الماضي عن مقابر لكبار رجال الدولة بالإضافة إلى جبانة للقطط والحيوانات والطيور المقدسة والكشف الكبير لمقبرة " واح تي" التي أشاد بها العالم أجمع.
متحف كامل
وأوضح وزير الآثار المصري خالد العناني أن ما يتم الإعلان عنه يعادل متحفا كاملا، وأنه كان له الشرف للوقوف ثلاث مرات في هذا المكان للإعلان عن كشوف أثرية جديدة، ويضم الكشف الجديد مجموعة ضخمة من 75 تمثالاً من القطط المختلفة الأحجام والأشكال مصنوعة من الخشب والبرونز و25 صندوقاً خشبياً بأغطية مزينة بكتابات هيروغليفية بداخلها مومياوات لقطط وتماثيل من الخشب لحيوانات مختلفة منها النمس والعجل أبيس وتماسيح صغيرة الحجم بها بقايا تماسيح محنطة للإله أنوبيس ومومياوتين لحيوان النمس.
وعثر أيضاً على جعران كبير الحجم مصنوع من الحجر، وجعارين أخرى صغيرة، مصنوعة من الخشب والحجر الرملي، عليها مناظر آلهة وتمثال من الخشب مميز الشكل لطائر أبو منجل، ومجموعة أخرى من تماثيل لآلهة مصرية قديمة، منها 73 تمثالا من البرونز للإله أوزير، و6 تماثيل خشبية للإله بتاح سوكر، و11 تمثالاً للآلهة سخمت مصنوعة من الفيانس والخشب وكذلك تمثال من الخشب للآلهة نيت.
وأضاف العناني "أن البعثة عثرت أيضاً على تابوتين صغيرين من الحجر الجيري للقطة باستيت، ولوحة حجرية عليها الاسم الحوري للملك بسماتيك الأول، من الأسرة 26، وصندوق خشبي صغير عليه بقايا قناع مذهب، وتمثالين من الخشب لسيدتين كل منهما برأس الكوبرا، بالإضافة إلى العديد من تماثيل الكوبرا وإفريز من الخشب يمثل حيات الكوبرا وتمائم ورأس طائر أبو منجل، و طاووس من الخشب الملون بغطاء مزين بتمثال صغير للصقر سوبد، و3 تماثيل للصقر حورس ومجموعة من التمائم مختلفة الأشكال والأحجام، بعضها عثر عليه داخل لفائف من الكتان وتماثيل أوشابتي من الفيانس ومجموعة من البطاقات من ورق البردي عليها رسومات للآلهة تاورت والعديد من الأقنعة الخشبية والطينية الملونة وعمود الجد، ومسند رأس خشبي".
وذكر "أنه تم الكشف عن عدد من المومياوات الكبيرة نتوقف عند 5 منها، يرجح أنها تخص شبلا يرجع إلى القرن السابع قبل الميلاد، وتحديداً عصر النهضة وقت الأسرة السادسة والعشرين.
قطط ضخمة وأشبال أسود
وأوضح مصطفى وزيري، "أن أهم ما يميز هذا الكشف الأثري هو العثور على 5 مومياوات لقطط ضخمة، رجحت الدراسات الأولية أن تكون لأشبال أسود صغيرة، حيث إن نتائج الأشعة السينية والدراسات العلمية المبدئية التي أجريت على اثنين منهما أثبتت بنسبة 95٪ أنهما مومياوتان لأشبال أسود صغيرة".
وذكر، "أنه من المتوقع أن يكون عمر هذه الأشبال حوالي ثمانية أشهر، طبقا لأشكال وأطوال وأحجام العظام الخاصة بهما"، مؤكداً "أن مزيداً من الدراسات سيتم تنفيذها خلال الأسابيع المقبلة للتأكد بنسبة 100٪ من النتائج المبدئية، كما ستمتد الدراسات لتشمل باقي المومياوات للتأكد من جنسها، وما إذا كانت تخص قططا ضخمة أو قططا برية أو أشبالا أسود صغيرة".
وأكد وزيري "أنه إذا أثبتت الدراسات أن هذه المومياوات تخص أشبال أسود صغيرة ستكون هذه هي المرة الأولى، التي يتم العثور فيها على مومياوات لأشبال أسود، حيث تم من قبل اكتشاف هياكل عظمية فقط لأسود".
تقديس الروح لا الجسد
وحملت الكثير من الآثار المصرية القديمة صوراً لحيوانات وطيور في أشكال وأوضاع مختلفة، ووجدت الكثير من التماثيل على شكل الحيوان، فقد كان لهذه الكائنات أهمية كبرى عند المصريين القدماء، وبعضها وصل إلى حد التقديس، واعتبروا بعضها رمزاً للآلهة. وعن هذا الأمر يقول الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، لـ"اندبندنت عربية" الحيوانات هي كائنات مقدسة عند المصريين القدماء، ولكنهم لم يعبدوها لذاتها، وإنما كانوا يقدسون الروح التي تكمن داخل الحيوان، ويختلف هذا عن ثقافات أخرى تقدس حيوانا معينا لذاته، وقد جعل المصريين القدماء بعض الحيوانات في مرتبة الإله لصفة معينة تميزها فالبقرة هي آلهة الحب، والكبش هو إله الخصوبة والإنجاب وهكذا".
ويضيف، "كل إله كان له تمثيل مشتق من حيوان معين، وربما كان الهدف من ذلك هو سهولة الوصول لعوام الناس من خلال مفردات البيئة المحيطة بهم، وبشكل عام قدّس المصريون القدماء الحيوان بدافع الرهبة والرغبة في إتقاء شره في حالة الحيوانات المفترسة والنفع منه، والإفادة من خيره في حالة الحيوانات الأليفة التي يتعامل معها في المنزل والحقل وغيره".
وفي الكشف الأثري الجديد، وجدت مومياوات لأشبال للمرة الأولى وكثير من التماثيل التي تمثل القطة في صور مختلفة فكيف كانت قيمة كل منهما عند المصريين القدماء؟، يقول عبد البصير، "الأسد كان رمزاً دائماً للقوة عند المصري القديم، وأكبر مثال على ذلك هو تمثال أبو الهول، الذي يمثل جسم أسد ورأس إنسان، وكان الملك يمثل بالأسد فهو دائماً ما ارتبط بالقوة، أما القطة فكانت تعرف بالآلهة (باستيت)، وكانت تمثل في شكل امرأة لها رأس قطة، وكانت القطط حيوانات مألوفة في مصر القديمة تربي في المنازل واعتبرت ربه حامية".
ويضيف، "في أوقات كثيرة صوّر المصريون القدماء الآلهة في صورة آدمية برأس حيوان، وقد يكون الجسد الآدمي لذكر أو أنثى، بحسب طبيعة الإله وصفاته، وهذا شائع جداً في كثير من الرسوم، وأحيانا كان يحدث العكس مثل تمثال أبو الهول، الذي يحمل رأسا آدميا وجسما لحيوان، وفي هذا مزج بارع بين الإنسان والحيوان تتميز به الديانة المصرية القديمة".