لافتات صفراء وبيضاء وحمراء، وقليل من السواد، إنها الـ"Black Friday"، تتعدد ألوانها وتتغير وفقا للمتاجر، فأغلب المحال في مصر والعالم العربي تفضّل أن تطلق عليها ألوانا أخرى، مثل "الجمعة البيضاء" أو "الجمعة الصفراء"، غير مهتمين بالاسم العالمي الذي عُرفت به، بهدف الابتعاد عن مساحة الجدل الخاصة بإطلاق كلمة "سوداء" على يوم الجمعة "المبارك" في الثقافة الإسلامية.
ولكن بعيدا عن التسمية، هل ما تفعله المتاجر فعلا يحاكي فعاليات تلك الجمعة التي تهدف أولا إلى إجراء تخفيضات كبرى وحقيقية تصل إلى 90% على أغلب السلع؟ فهذا ما يحدث في أنحاء العالم، وبالأخصّ الولايات المتحدة، والتي نقلت "حمّى" تلك الجمعة إلى باقي الدول.
تعددت ألوان الجُمَع... ماذا عن فعالياتها؟
نشأت فكرة "الجمعة السوداء" في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأميركية، حيث ساد الكساد الاقتصادي في ستينيات هذا القرن، فابتكرت المتاجر يوما للتخفضيات الكبرى وتحدّد موعده في اليوم التالي لـ"عيد الشكر"، وعادة ما يكون في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ونجحت الفكرة بالفعل، حيث تخلّص التجار من بضائع كثيرة بعد أن عرضوها بنصف أو ربع الثمن، وكان هذا في عام 1869، وبعدها بعام أُطلق على هذا التقليد "Black Friday" حيث تستنفر الشرطة في هذا اليوم نظرا للتزاحم والاختناقات للتسابق على الحصول على أفضل العروض.
وفي العالم العربي، انتقلت الفكرة إلى أغلب مناطقه منذ خمس سنوات تقريبا، وباتت حدثا منتظرا. وفي الوقت الذي تجري فيه أكبر المتاجر في دول العالم خصومات على كافة السلع تصل إلى 90%، مما يتسبب في أن يبيت المستهلكون ليلتهم أمام الأبواب ليفوزوا بنصيب الأسد، بدءا من فساتين الزفاف الفاخرة والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والأثاث والملابس والأحذية غالية الثمن، نجد أن الأمر ـ بشهادة كثير من المستهلكين- يفقد كثيرا من هذا الزخم في مصر.
بداية، يذكر محمود كمال، مهندس معماري، قضى معظم حياته خارج مصر، أن الأمر مختلف كثيرا في دول أوروبا وأميركا، مؤكدا أنه حصل على صفقات رائعة، بحسب تعبيره، حينما كان يسافر، وأضاف "أتفهّم أن الأمر لا يزال في بداياته هنا، وأعتقد أن التنافسية العالية سوف تجعل المتاجر الكبرى تحاول تقليد ما يحدث في الخارج، نظرا للانفتاح الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا فيما يتعلق بالشراء الإلكتروني وانتشار بدائل كثيرة"، موضحا أن "الخصومات هنا قد لا تتعدى الثلاثين بالمئة، حيث نجد أنفسنا وقد وفرنا بالكاد عشرين دولارا في سلعة ثمنها 150 دولارا مثلا، وهي نسبة ضئيلة جدا، فيما قد تصل إلى أضعاف هذا الرقم ثلاث مرات في دول أخرى".
لماذا تشتري سلعا بسعر أعلى في موسم التخفيضات؟!
تروي شهد عبد الله (25 عاما)، تعمل موظفة استقبال بأحد المستشفيات الكبرى، تجربتها مع شراء بعض الملابس في تصفيات "الجمعة البيضاء" العام الماضي، وتقول لـ(اندبندنت عربية) "اتفقت مع زميلاتي على الشراء من محل شهير، وتعرضنا لعذاب الزحام والتدافع، حيث رفع المحل شعار تخفيضات 70 في المئة، ومن شدة التزاحم اشترينا أكبر قدر ممكن من القطع، ولكنني حينما ذهبت إلى المنزل اكتشفت الصدمة، فقد تعرضنا للخداع، حيث نزعت الملصق الأصلي لأجد أسفله يظهر سعر البنطلون، والذي كان أرخص كثيرا قبيل التصفيات المزعومة!".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمر ليس سلبيا تماما، حيث تقول "علا. ر"، تعمل في مجال بيع ملابس الأطفال عبر الإنترنت، إنها "سافرت كثيرا، وفكرة الخداع مرتبطة بكثير من المتاجر في الخارج أيضا، وعلى المشتري أن يكون متابعا جيدا، ليتأكد بنفسه إذا كان المتجر يتلاعب به فيما يتعلق بملصقات الأسعار أم لا، ولا يشتري ما هو فائض عن حاجته مهما كانت المغريات".
ولكن شراء الفائض عن الحاجة كان من نصيب "أحمد. و."، الطالب في السنة الثالثة بكلية التجارة، الذي أكد أنه للمرة الأولى قرّر الشراء في هذه المناسبة، وانتهى به الحال أن أنفق ما يعادل مئتي دولار كان قد ادّخرها لمدة أشهر من مصروفه الجامعي، على أدوات لم يكن يحتاجها بالمرة، واشتراها فقط لأن ثمنها كان زهيدا، يتابع أحمد "الأمر لم يكن كله خسائر فقد استعملت تلك الأشياء أيضا وأهديتها للمعارف في أعياد ميلادهم".
ويلفت "الحقيقة أن (الجمعة البيضاء)، بحسب ما تابعت في فيديوهات مختلفة لبلدان أخرى، تبدو أكثر مرحا وتبدو أكثر فائدة، فأحدهم قال إنه اشترى قميصا فاخرا بدولار واحد، ولكنني حتى الآن لم أحصل على صفقة شبيهة، ولا أعتقد أنني يمكن أن أعثر عليها في المتاجر التي حولي، سواء في هذه الجمعة أو غيرها، وإن كنت أتمنى أن يحدث هذا مستقبلا".
مميزات الجمعة "البيضاء" في مصر
مع ذلك، هناك بعض المميزات التي يجدها الجمهور، تتمثل في أن تخفضيات الجمعة الأخيرة من نوفمبر تستمر في المتاجر المصرية لمدة أسبوع في الأقل، وبعض المحلات تجعلها تستمر مدة شهر أيضا. ولكن لماذا هناك اتهامات دوما بالخداع؟
"داوود.ع."، مدير أحد فروع سلسلة متاجر كبرى لبيع الملابس، يشرح الأمر "ما يحدث هو أننا نُخرج البضائع الراكدة لتعرض بتخفيضات تصل إلى 70 في المئة، بينما النسبة الأقل تكون من نصيب البضائع الأحدث، وهذا أمر معروف عالميا، فهي حيلة تمكننا من بيع ما لم يبع سابقا بدلا من تخزينه، ورغم أنها حيلة ولكنها لا تحمل خداعا بالمرة".
وعن عرض المنتجات بسعر قد يفوق سعرها القديم، يقول "الأمر ليس هكذا، فقد تكون القطعة مثلا مخزنة منذ سنوات قبل ارتفاع الأسعار بهذا الشكل، وهذا ما يُحدث اللبس. ولكن في النهاية أسبوع (الجمعة البيضاء) في مصر أصبح له رواد كثر، وتدريجيا سوف يجد المستهلك صفقات أكبر بكثير، فكل عام نتطور ونحاكي نسبة الخصومات العالمية".