لحظة ووترغيت قد حانت، ففي يوم الأربعاء المقبل، تبدأ المرحلة الثانية من إجراءات عزل الرئيس دونالد ترمب تحت أضواء الإعلام، حين تنطلق في اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي عملية المداولة التي قد تقود إلى صوغ فقرات اتهام الرئيس خلال أسابيع والتي قد تشمل اتهامه بالرشوة، أو على الأقل انتهاك صلاحياته المنصوص عليها في الدستور بالضغط على دولة أجنبية لفتح تحقيقات ضد خصمه السياسي في الانتخابات الأميركية.
لكن المعركة بين الديمقراطيين والجمهوريين في قضية العزل قد تتجه نحو مسار آخر، إذ من المحتمل ولو بنسبة ضئيلة أن يفاجئ الرئيس ترمب الجميع ويلبي دعوة وجهتها إليه اللجنة القضائية لحضور جلساتها للدفاع عن نفسه أو تقديم دليل براءته، على الرغم من أنه يصف تحقيقات الكونغرس بأنها انقلاب لعزله كرئيس منتخب، ومؤامرة يسعى إليها الديمقراطيون منذ فوزه بانتخابات 2016، كما أن عدم مساندة أي نائب أو سيناتور جمهوري عملية التحقيقات والعزل، بدأ يثير تساؤلات بين الديمقراطيين أنفسهم عما إذا كان يتعين عليهم الاستمرار في إجراءات العزل حتى النهاية على الرغم من إدراكهم خسارة المعركة في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، أم أنه من الأفضل تجميد العملية برمتها عند اللجنة القضائية وعدم استكمال قرارات الاتهام أو طرحها للتصويت أمام مجلس النواب بكامل هيئته وأعضائه.
هل يفعلها الرئيس؟
وبينما تتجه الأضواء إلى أولى جلسات اللجنة القضائية في مجلس النواب التي ستُعقد الأربعاء في الساعة الحادية عشرة صباحاً بتوقيت العاصمة الأميركية واشنطن، ستظل الأنظار مشدودة إلى ما إذا كان الرئيس ترمب سيُلبي دعوة جيرالد نادلر رئيس اللجنة القضائية للحضور وفقاً لإجراءات التحقيقات والعزل التي حددها مجلس النواب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أو سيكتفي بإرسال مستشاره القانوني، أم أنه سيتجاهل الدعوة برمتها ولا يعيرها اهتماماً مثلما فعل كبار المسؤولين في إدارته رداً على طلبات الشهادة التي وجهتها لجنة الاستخبارات من قبل.
ويستبعد كثيرون أن يستجيب الرئيس ترمب دعوة رئيس اللجنة القضائية بالنظر إلى اتهامات ترمب الدائمة للتحقيقات بأنها منحازة وغير عادلة، كما أن البيت الأبيض وإن لم يرفض رسمياً دعوة نادلر بعد، إلا أن المتحدثة باسمه ستيفاني غريشام قالت إن الخطاب يأتي في نهاية عملية حزبية غير شرعية وزائفة وأن الرئيس لم يرتكب خطأ والديمقراطيين يعلمون ذلك.
مع ذلك، فإن الرئيس سبق وأعلن في وقت سابق أنه مستعد كي يتصدى بنفسه لاتهامات العزل ولا يحتاج إلى مستشاريه، لكنه لم يحدد حينئذ ما إذا كان ذلك يقتصر على مجلس الشيوخ الذي سيعقد محاكمة للرئيس بعد إقرار الاتهامات في مجلس النواب، أم أن ذلك ينسحب على مجلس النواب أيضاً.
ماذا ستفعل اللجنة القضائية؟
خلال جلسة اللجنة القضائية التي تحمل عنوان "التحقيق في عزل الرئيس دونالد ترمب: الأسس الدستورية لعزل الرئيس"، ستجري مداولة بين خبراء قانونيين في شأن الدستور الأميركي لاستيضاح إذا ما كانت الأفعال التي قام بها الرئيس ترمب ترقى إلى مستوى الجرائم الكبرى أو سوء التصرفات التي نص عليها الدستور، التي يقول الرئيس ترمب دوماً في تصريحاته للصحافيين إنه لم يفعل أي شيء يستوجب مساءلته، كما أن مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيليزنسكي لم يشبها أي خطأ.
ووفقاً لنص خطاب الدعوة الذي وجهه نادلر إلى ترمب فإن الجلسة "ستبحث ما إذا كانت أفعالك المزعومة توفر لمجلس النواب الحق القانوني في أن يمارس سلطاته لتبني فقرات الاتهام التي ستطرح للتصويت بعزل الرئيس".
وعلى مدى الأسابيع الماضية رفض البيت الأبيض التعاون مع التحقيقات، على الرغم من أن ترمب عبّر في تغريداته على تويتر أنه يرحب بأن يدلي كبار مسؤوليه بشهاداتهم بمن فيهم مايك بومبيو وزير الخارجية ومايك مولفاني رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض. لكن وزارة العدل تحركت بسرعة لاستئناف حكم مُلزم يطلب من دون ماكغين المستشار في البيت الأبيض الإدلاء بشهادته أمام لجان مجلس النواب في تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات التي قادها المحقق الخاص روبرت مولر.
أي اتهامات؟
من غير المؤكد التوافق بين الديمقراطيين حول أي من فقرات الاتهام ستوجه إلى ترمب، إذ وصف بعضهم ما قام به الرئيس بأنه "رشوة" مثلما قالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، بينما اعتبره آخرون "إساءة استخدام السلطة"، في حين رآه البعض ابتزازاً لأن ترمب- بحسب قولهم- علّق تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا لحين فتح تحقيقات حول مخالفات مزعومة تتعلق بنجل نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي يُعد أحد أبرز المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية للعام المقبل.
ويحاول آدم شيف رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب إضافة تهمة "اعتراض سبيل العدالة" بعد محاولات متكررة من البيت الأبيض منع مسؤوليه من الشهادة أمام لجان الكونغرس أو تقديم وثائق طلبتها لجنة الاستخبارات، كما قد يتضمن هذا البند دليلاً باعتراض سبيل العدالة من تقرير المحقق الخاص روبرت مولر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يتفق الديمقراطيون بعد ما إذا كانوا سيضيفون فقرات اتهام أخرى تتعلق بتحقيق روبرت مولر المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016.
ومن المتوقع أن تقدم لجنة الاستخبارات تقريرها خلال أيام قليلة إلى اللجنة القضائية حول خلاصة الأدلة التي تم جمعها من جلسات الإفادة وأقوال الشهود والتي ستحدد على أساسها اللجنة القضائية التوصية النهائية للاتهامات بحلول منتصف ديسمبر (كانون الأول).
مؤامرة أم تجاهل
على الرغم من شن الديمقراطيين حملة ضد ترمب بدأت بمطالب عزله من البعض فور سيطرتهم على مجلس النواب في الانتخابات النصفية الماضية، وهو ما يستخدم ضدهم الآن من الجمهوريين ويعتبره ترمب "حملة مدبرة" تستهدفه، باعتبار ذلك رغبة من الديمقراطيين في الانقلاب على الرئيس قبل توافر أدلة اتهامه، إلا أن الحزب الديمقراطي يعتبر أن الجمهوريين يحاولون تشتيت الانتباه عن اتهامات محددة تواجه الرئيس.
ويشبه محللون سياسيون اصطفاف الجمهوريين خلف ترمب وهجومهم على الديمقراطيين باصطفاف مؤيدي الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون خلفه ضد الديمقراطيين بينما كانت الأدلة تتصاعد بأنه علم بعملية تجسس على مقر الحملة الانتخابية للديمقراطيين في مبنى ووترغيت في واشنطن وأدارها عام 1972.
ومثلما وصف الجمهوريون ووترغيت بأنها كانت انقلاباً أطاح رئيساً أهان المؤسسة الديمقراطية حين فاز بـ 49 ولاية من بين 50 ولاية أميركية ضد مرشح الحزب الديمقراطي اليساري التوجه جورج ماكغوفيرن، يصف الجمهوريون الآن ما يجري بأنه انقلاب ومؤامرة ضد ترمب.
ووترغيت لن تتكرر
على الرغم من أن الجمهوريين تخلوا عن نيكسون حينما تكشفت الحقيقة وحكمت المحكمة العليا بتسليم شرائط تسجيل فضحت نيكسون، إلا أن دروس التاريخ تُشير إلى أن إزاحة ترمب عن سُدة الحكم في الولايات المتحدة ستكون أصعب مما انتهت إليه حالة نيكسون، ذلك أن ترمب يحظى بشعبية واسعة بين الجمهوريين وهم يلتفون حوله على أساس أيديولوجي أكثر مما فعلوا وقت الرئيس نيكسون، والسبب في ذلك يرجع إلى الإحساس المتزايد في صفوف الجمهوريين بالظلم والذي تعززه وسائل الإعلام اليمينية المحافظة وتركز فيه على نظريات المؤامرة من اليسار المعادي ومن أوكرانيا، حتى أصبح ترمب بطلاً محافظاً في أعينهم يستحق أن يُفتدى بالروح وبكل غال ونفيس، بينما كان نيكسون يقاتل وحيداً في معركته قبل 45 عاماً.
وتكشف المقارنة بووترغيت إلى أي مدى يرى الجمهوريون أن خسارتهم قد تكون فادحة إذا تخلوا عن ترمب وصوتوا ضده في مجلس الشيوخ، وهو ما يفسر حالة التماهي الجمهوري مع الرئيس في معركته ضد الديمقراطيين حتى في تصوراته بأن محاسبة الرئيس غير قانونية، الأمر الذي لم يحدث من قبل مع الرئيسين نيكسون في أوائل السبعينيات أو بيل كلينتون في نهاية التسعينيات.
هل يتراجع الديمقراطيون؟
من الناحية السياسية، قد يكون من الصعب أن يتراجع الديمقراطيون عن المضي قدماً في طريق توجيه الاتهامات للرئيس بعد كل هذه الضجة التي أثاروها عقب قرار نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب البدء في إجراءات عزل ترمب، لكن بالنظر إلى عدم مساندة أي سيناتور جمهوري لهم في معركتهم ضد الرئيس، وتأهب ترمب للفوز بالمعركة، بدأت بعض الأصوات داخل المعسكر الديمقراطي تخشى من الانعكاسات السلبية المحتملة على حظوظ الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة.
وبصرف النظر عما إذا كانت محاولة عزل ترمب قد تدعمه أم تضره في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يرى بعض الديمقراطيين أنه من الأفضل الامتناع عن توجيه الاتهامات ضده في اللجنة القضائية في مجلس النواب وقبل التصويت على مستوى كامل أعضاء المجلس، ليس لأن ذلك لا يخوله الدستور والقانون، ولكن لأن هدف عزله لن يتحقق وقد يضر ذلك بالجميع، سيضعف المرشح الديمقراطي الذي سينافس ترمب في انتخابات الرئاسية 2020 وسيضر بأعضاء مجلس النواب والشيوخ الذين سيخوضون غمار معركة الانتخابات في الثلاثاء الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.