قدم البرلمان الأوروبي من خلال لائحة غير ملزمة أقرها الخميس الماضي، الحجة لأنصار المسار الانتخابي، الذي سيتوج بتنظيم الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر (كانون الأول)، للعودة إلى المشهد السياسي وبقوة.
وكان مكتب البرلمان الجزائري عقد، الأحد، جلسة طارئة تسبق جلسة علنية تخصص، دائماً، لموضوع "التدخل الأجنبي"، كما تعددت مواقف الكتل البرلمانية في هذا الشأن، حتى من أحزاب تخالف في موقفها داخلياً مسعى السلطات الجزائرية إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية في وقتها. وتم ذلك في توقيت متزامن مع مئات البيانات الصادرة عن هيئات وجمعيات وشخصيات مستقلة، آخرها "أكاديمية المجتمع المدني الجزائري"، التي جمعت توقيعات نحو ألف شخصية لرفض "أي تدخل أجنبي وتحذر من استفزاز الشعب الجزائري تحت ذرائع الدفاع عن حقوق الإنسان".
"الذراع التقليدية"
الخروج المتزامن لعدد كبير من الجمعيات التي اختفت لأشهر (منذ بداية الحراك)، ومزجها بين شعارات رفض التدخل الأجنبي وتأييد الانتخابات الرئاسية يعطي انطباعاً أن السلطة القائمة "استدعت" أذرعها المدنية التقليدية بعد "استراحة" فرضتها الحركة الاحتجاجية.
ويقول أستاذ علوم الإعلام في جامعة الجزائر العيد زغلامي، لـ"اندبندنت عربية"، إن "هذه الهبة من ردود الفعل متزامنة وتتشابه من حيث المطالب. ما يعني أن النظام القائم استدعى حلفاءه التقليديين". لكن زغلامي يضيف "لا يوجد جزائري واحد يقبل بأي تدخل أجنبي مهما كان مصدره، لكن ما يحصل حالياً يحمل مظاهر تهريج"، مشيراً إلى أن هناك "ربما استغلالاً لعقيدة جزائرية تتحسس جداً من مسألة التدخل في الشؤون الداخلية".
لكن جهات مشاركة في هذه الردود الجماعية تعتقد بعكس ذلك. إذ يشرح النائب البرلماني نزيه برمضان لـ"اندبندنت عربية" أن "الوقت قد حان للرد على عملاء الداخل والخارج. وحان وقت بروز القوى الوطنية". ويشير برمضان، الذي شارك في مبادرة "أكاديمية المجتمع المدني"، إلى أن "موضوع البرلمان الأوروبي ليس فزاعة للداخل، إذ هناك حقيقة مفادها أن فرنسا الرسمية تستغل أذنابها داخل عدد من المؤسسات الأوروبية لاستفزاز مشروع الانتخابات المقبل، ومن حقنا الآن الوقوف ضد هذا الاستفزاز حتى لا يتطور".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتألف القوى التقليدية الداخلية من منظمات الدرجة الأولى، وهي الاتحاد العام للعمال الجزائريين واتحاد الفلاحين واتحاد النساء الجزائريات واتحاد المحامين واتحاد التجار والحرفيين، ثم تتفرع هذه التنظيمات إلى آلاف الجمعيات من القطاع الجامعي والتعليمي. لكن هذا الكم الهائل من الجمعيات مرتبط في الغالب بحزبين لا ثالث لهما، هما جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
وشكلت هذه التنظيمات حائط صد أو قاطرة لسياسات حكومية سابقة، ويشير تحركها المتزامن، في العادة، إلى وجود ضوء أخضر من السلطة الفعلية في البلاد. كما تتشكل "جبهة الصد" التقليدية من مواقف معروفة عادت للظهور فجأة، حيث أعلن وزير المجاهدين، الأحد، عن دعوة البرلمان الجزائري لضرورة التحرك لـ"إقرار قانون يجرم فترة الاستعمار الفرنسي" على بلاده.
ولا يخفي المحلل السياسي محمد شرفي تحفظه على ما سماه "توظيفاً مفرطاً لمسألة تدخل البرلمان الأوروبي. فهل هو طوق نجاة وفرصة استغلها الفلول وخفافيش السياسة للنظام البائد والدولة العقيمة لإعادة بناء صفوفهم؟". وينتقد شرفي ما قال إنه محاولات "لرفع درجة حرارة الوطنية الزائفة".
كسر حاجز الصمت
يتوقع أن تستغل هذه المنظمات فترة "كسر الصمت" التي طالت إلى نحو تسعة أشهر، ليتحول صوتها إلى سياسي بامتياز. فالأمر في الحقيقة يتعلق بكيانات ترتبط بأحزاب سياسية لها رأي في الانتخابات المقبلة. ولعل الغائب الأكبر حتى هذه اللحظة هو حزب جبهة التحرير الوطني، بما أن غريمه في السلطة سابقاً، التجمع الوطني الديمقراطي، رشح أمينه العام بالنيابة، عز الدين ميهوبي، إلى الانتخابات الرئاسية.
وتقول مصادر سياسية عدة إن جبهة التحرير الوطني، قد تعلن مرشحها هذا الأسبوع، لكن موقف الحزب قد يشكل مفاجأة كبرى، بوجود عدة أنباء عن احتمال دعم ميهوبي، بدلاً من ثلاثة مرشحين آخرين مروا على جبهة التحرير الوطني، كمناضلين أو أمناء عامين. ويتعلق الأمر بعلي بن فليس، الأمين العام السابق لجبهة التحرير، وعبد المجيد تبون، المنتمي حتى اليوم إلى الجبهة، وعبد العزيز بلعيد، الذي كان قيادياً كبيراً فيها قبل استقالته منذ سنوات.
وتفصل ستة أيام فقط عن نهاية الحملة الانتخابية بشكل رسمي. وهي مهلة ستكون مدعاة للمتابعة، بما أنها ستكشف مواقف كثيرة من الجهات المؤثرة في أوساط شعبية تمتاز بالوفاء للصناديق.