أقرّ مجلس الوزراء السعودي، أمس الاثنين، ميزانية السعودية لعام 2020، بحجم إنفاق بلغ 1020 مليار ريال (272 مليار دولار)، مقابل 1048 مليار ريال (279 مليار دولار) بالعام الحالي بانخفاض 2.6%، فيما تبلغ الإيرادات 833 مليار ريال (222 مليار دولار)، من 917 مليار ريال (244 مليار دولار) بميزانية 2019، بتراجع 9.2%.
وحسب البيان، يرتفع عجز الميزانية المقدر بالعام المقبل إلى 187 مليار ريال (47.47 مليار دولار) "6.4% من الناتج المحلي الإجمالي"، مقارنة بعجز 131 مليار ريال (34 مليار دولار) "4.7% من الناتج المحلي الإجمالي" في العام الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتركز الميزانية على تنفيذ خطط الإنفاق الرئيسة، والمشروعات الكبرى، وبرامج تحقيق الرؤية، وتطوير البنية التحتية، وبرامج شبكة الحماية الاجتماعية، وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين وفق رؤية 2030.
وفي تعليقه على الميزانية، قال الملك سلمان إنها "تعزز مسيرة التنمية، وتهدف إلى إدامة النمو والاستقرار الاقتصادي والمالي".
وأكد عزم الحكومة السعودية على "تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، بما في ذلك استثمار متحصلات طرح أرامكو من قبل صندوق الاستثمارات العامة".
وسجلت حصيلة الاكتتاب في أسهم أرامكو نحو 96 مليار ريال (25.6 مليار دولار)، بعد تغطية سجلت 465%.
وشدد الملك سلمان على نهج الحكومة في "الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، ورفع كفاءة وشفافية الإنفاق الحكومي، كما أن الميزانية الجديدة تعد استمرارا لسياسة الحكومة في تطوير الخدمات والمرافق الأساسية للمواطنين، ورفع مستوى جودة الحياة وإدامة خطط الإسكان، ووجهنا بتمديد صرف بدل غلاء المعيشة".
ويصنف الاقتصاد السعودي ضمن أقوى الاقتصادات في العالم باعتبارها عضوا في مجموعة العشرين. وتمتلك أكثر من 15% من الاحتياطيات المؤكدة من النفط في العالم لتأتي في الترتيب الثاني عالميا بعد فنزويلا، ولديها خامس أكبر احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي، ويمثل النفط 75% من إجمالي الصادرات تقريباً.
تطور في مواكبة الاصلاح
وفي هذا الصدد، قال سعيد الشيخ الخبير الاقتصادي عضو مجلس الشورى السعودي، "إن بيان ميزانية السعودية للعام 2020 يؤكد على التطور الكبير الذي شهدته المالية العامة خلال السنوات القليلة الماضية تحديدا منذ عام 2017، ليس في جانب الشفافية وحدها ومواكبتها للإصلاحات الاقتصادية وتنفيذ برامج رؤية 2030؛ وإنما أيضا على صعيد تحقيق الاستدامة المالية".
وأضاف الشيخ أن الحكومة تمكنت من زيادة الإيرادات غير النفطية إلى نحو 316 مليار ريال (84.3 مليار دولار) في عام 2020 من 103 مليارات ريال (27.5 مليار دولار) في عام 2012، لتمثل نحو 38% من إجمالي الإيرادات.
وذكر عضو مجلس الشورى السعودي أنه عند قياس هذه الإيرادات على مستوى الناتج المحلي يتبين حجم هذا التغير إذا ارتفعت نسبتها من 7% في 2012 إلى 16% في عام إلى 2019. وفي جانب مهم جداً فقد جاء إعلان الميزانية الجديدة للإنفاق عند 1.02 تريليون ريال (272 مليار دولار) للعام 2020 وبانخفاض بسيط عن تقديراتها للعام الحالي.
وتابع، "أن تلك التقديرات تأتي منسجمة مع برنامج التوازن المالي 2032 رغم التراجع الذي شهدته أسعار النفط ابتداءً من الربع الثالث من عام 2019".
وتأتي أهمية ذلك في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وحماية النشاط الاقتصادي من التذبذب في أسعار النفط. وهو ما يمثل تحدياً كبيراً للدولة إذ تسعى بذات الوقت لإصلاح المالية العامة وتحقيق الاستدامة المالية، وتعزيز النمو الاقتصادي. وهذا ما دلت عليه تقديرات معدلات نمو الناتج المحلي غير النفطي للعامين 2019 و2020.
دعم النمو الاقتصادي
من جانبه، كشف محمد الجدعان وزير المالية السعودي، إن الحكومة استطاعت خفض نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال الخمس سنوات الماضية من مستويات 12% ليصل إلى 4.7% هذا العام، مضيفا أنه من المهم التركيز على دعم النمو الاقتصادي وهو هدف رئيسي للحكومة والتأكد من الاستدامة المالية.
وقال الجدعان في بيان، "إن انخفاض الإنفاق الفعلي لعام 2019 عن التقديري جاء لسببين الأول يتمثل في تحقيق نتائج مميزة في كفاءة الإنفاق بالإضافة إلى مشاركة القطاع الخاص بعض المشاريع التي تم البدء فيها في 2019".
وأكد أن كفاءة الإنفاق أسهمت في انخفاض تكاليف بعض المشروعات وبرامج التشغيل والصيانة إضافة إلى تحقيق نجاحات مميزة في القطاعات الحكومية بالعمل مع مركز تحقيق كفاءة الإنفاق.
وتابع الوزير السعودي: "من المقدر أن تصل نسبة إجمالي الدين العام في نهاية عام 2020 إلى 26% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك في ضوء سياسة الاقتراض الحكومي التي توازن بين السحب من الاحتياطي العام للدولة ومصادر التمويل الأخرى من داخل وخارج السعودية، للمحافظة على مستويات ملائمة للسيولة المحلية وكذلك الاستفادة من تدفقات النقد الأجنبي".
دعم المبادرات الاقتصادية
من جهته، قال عبد الله باعشن الخبير الاقتصادي، إن ميزانية السعودية لعام 2020 مقارنة بميزانية العام الماضي شهدت تراجعا الانفاق 2.6% مما يعني المضي قدوماً لدعم مبادرات رؤية السعودية 2030، كما أن استمرار عجز الميزانية بنسبة 6% من إجمالي الناتج المحلي لا يعتبر "عجزا" بلغة الأرقام والتحليلات المالية وعند المستويات العالمية الآمنة.
وأوضح أن السعودية تستهدف التوسع خطط الإنفاق على تنشيط الاقتصاد والحصول على التمويل الرخيص من الأسواق الخارجية من إصدار أدوات الدين في ظل انخفاض الدين العام عند حدود 25% كنسبة للناتج المحلي وهي من أقل النسب مقارنة بمستويات الدين لدى دول مجموعة العشرين والتي انضمت إليها المملكة منذ عدة سنوات.
وأشار باعشن إلى أن السعودية ماضية في الميزانية الجديدة بتنفيذ خطط إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية لزيادة كفاءة الإنفاق وليس الترشيد والتي طبقتها بالسنوات الثلاثة الماضية، مضيفا "أن من مستهدفات تلك الميزانية وخطة التحول ككل زيادة جودة الحياة بالمملكة لكل المقيمين ومنها رفع خدمات التعليم والانتاجية ليكون المستفيد الأكثر من تلك الخطة هو المجتمع".
وأكد الخبير الاقتصادي أن طرح شركة أرامكو أكبر دليل على نجاح خطط تنويع الدخل التي تستهدفها السعودية التي تتضمن عمليات التخصيص المباشر وغير المباشر عن طريق المشاركة من نماذج العمل المعمول بها في اقتصاديات العالم سواء للمواطن السعودي أو المستثمر الإقليمي أو العالمي.
عجز الميزانية لا يمثل خطرا
وعلى ذات الصعيد، قالت رنيم طرفة المحللة الاقتصادية، إنه رغم إعلان السعودية عن عجز متوقع بحدود 187 مليار ريال (49.9 مليار دولار) في ميزانية 2020 الذي يمثل ربع الناتج الإجمالي القومي إلا أنه لا يمثل خطر أو مشكلة.
وتابعت رنيم طرفة: "يقابله بالميزانية الجديدة تأكيد على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتحسين مستوى معيشة المواطنين ودعم الاقتصاد وانخفاض العوائد الضريبية، كما أن حزمة الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تم تطبيقها خلال الثلاث سنوات الماضية بدأت تأتي ثمارها ونلاحظ ذلك من ارتفاع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع غير النفطية".
وأشارت إلى أنه بالرغم من الأجواء المحيطة بالاقتصاد العالمي والتحديات التي تواجهه على صعيد الحرب التجارية وتقلبات أسواق النفط لازالت ميزانية السعودية تخطو بثبات نحو تنفيذ رؤية 2030.
تحفيز الاقتصاد المحلي
من جانبه، قال أحمد الإمام المدير لدى شركة أوراق للاستشارات الاقتصادية، إن موازنة المملكة الجديدة تؤكد مساعي البلد الغني بالنفط لدعم وتحفيز الاقتصاد برفع الإنفاق الحكومي، مع تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
وأضاف الإمام أن بنود الموازنة بدأت تعكس نجاح خطط الإصلاح الاقتصادي للسعودية والتي بدأت قبل 3 سنوات بدأت تؤتي ثمارها، لاسيما على صعيد توجيه حصيلة اكتتاب شركة أرامكو ضمن خطط تنويع مصادر الإيرادات العامة وإعادة ضخها بقطاعات الصحة بقيمة 167 مليار ريال (44.6 مليار دولار) والتعليم 193 مليار ريال (51.5 مليار دولار) بما يمثل 35% من إجمالي الإنفاق المعتمد.
وأشار الإمام إلى توقعات ارتفاع نسبة الإيرادات غير النفطية إلى الناتج المحلي غير النفطي لتصل إلى حوالي 16% في نهاية العام 2019 سيعزز خطط الإصلاح الاقتصادي بالسعودية وفقا لرؤية 2030 والتي تعمل خلالها السعودية لتأسيس اقتصاد تنموي أكثر استدامة وتنوعاً.
مرحلة جديدة من الانفاق
من جانبه، قال وجيه لوقا محلل الأسواق لدى شركة ثانك ماركتس، إن الإنفاق العام بالميزانية السعودية وصل الإنفاق لمرحلة منسجمة ، بما يؤكد على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي دون الإخلال في تنويع الاقتصاد.
وذكر أن جزءاً كبيراً من المشروعات الرأسمالية في السعودية في مراحلها النهائية، وبالتالي سيعوض هذا التراجع في إنفاق الميزانية العامة عبر المشروعات الأخرى الممولة من صندوق الاستثمارات العامة.
وأشار إلى أن حصيلة طرح أرامكو ستدخل في صندوق الاستثمارات العامة المملوك للدولة، والذي يعد ذراعاً استثمارية لها، وستكون أرقام وحصيلة الطرح مستقلة عن أرقام ميزانية السعودية، مضيفا أن "عجز الميزانية منذ عقود يصعد ويهبط ولا علاقة لطرح أرامكو به وهناك خطط أخرى للتعامل مع العجز".