وبينما الصوت يتصاعد من نوافذ السيارة الأربع المفتوحة على مصاريعها صارخاً "باظت باظت باظت أصلها باظت"، رد السائق الغارق في الاستمتاع بالطرب على سؤال ساذج حول ما إذا كانت أغنيات المهرجانات والراب الشعبي والهيب هوب المصري لها غاية وتحمل هدفاً بحجة قوية وبرهان أشد. أدار مؤشر الصوت إلى درجته القصوى للتمعن في معاني الكلمات. "عباسط، بوسامة كاظم مش هتقول، عاملك صامت، ياه، ماتسعناش إحنا الاثنين. أنتم أشلاء بعمل بوفتيك، جبنا الجاز الوسخ قولي الفحم فين، صعب تعديني سور المينا، دماغ مش ممنوعة ينسون في نجيلة".
معانٍ غامضة
احتراماً لاستغراق السائق في المعاني الغامضة التي بدت مبهمة قليلاً وربما كثيراً، ساد صمت مريب لبضع ثوانٍ قبل أن يتكرم السائق الشاب بإلقاء بعض الضوء على الآثار العميقة والعوامل المباشرة والأسباب غير المباشرة التي تجعل من مثل هذه الأغنيات حالة فريدة.
تفرد الموسيقى والأغنيات التي يستمع لها ملايين الشباب وأعداد غير معلومة ترفض الإفصاح عن نفسها من غير الشباب في مصر هذه الأيام لا ينبع من نغمة سيكا عابرة أو مقام نهاوند عميق. المهرجانات فيها سر كبير وسحر عميق وسياسة ليست كالسياسات وتعبير يختلف عن كل ما فات.
تعبير فات على كل من لا يدخر جهداً في صب الغضب العارم وتوجيه النقد اللاذع لمنظومة "المهرجانات" أن يدقق فيما وراءها وينظر إلى ما تمثله. المهرجانات مرآة لقطاع عريض في المجتمع ترفض القطاعات الأخرى أن تراه. بل فاتهم أن يلتفتوا إلى أن الأفراح التي يحضرونها وأعياد الميلاد التي يقيمونها باتت قائمة على تلك الأغنيات. "خطر جديد يهدد الذوق العام"، و"سلام على الطرب الأصيل والفن الجميل" و"مؤدو المهرجانات خطر على الأمن القومي والذوق العام"، و"زمن المسخ وأغاني المهرجانات". قوالب ثابتة وعناوين جامدة ومحتويات سابقة التعليب تطالع الجميع عبر الصحف والمجلات والمواقع الخبرية والبرامج التلفزيونية. النظرة الفوقية ماهيتها، والتعامل الطبقي قوامها، والازدواج في المعايير سمتها.
ما ينبغي كتابته
"ل.س"، صحافي شاب، 28 عاماً، يعمل في جريدة مصرية يومية خاصة في قسم الفن. يقول، "أنا صحافي محترف. أكتب ما ينبغي عليّ كتابته. أكتب عن المهرجانات كثيراً، إما للتغطية الإخبارية أو لنقل ما يقوله كبار المطربين والملحنين عنها وغالبيتها المطلقة تضعها ومن يغنونها في خانة دونية".
دونية المهرجانات ومطربيها أقرب ما تكون إلى "نيش" السفرة في جهاز العروس. يقول "ل.س"، "هناك شكل اجتماعي ومكانة ثقافية ومظهر فني لا ينبغي أبداً الخروج عنه. وحتى لو كان الواقع يشير إلى أن المهرجانات متوغلة بين فئات عدة في المجتمع، فإنه لا يصح أبداً الاعتراف بذلك، وإلا تكون الصحافة معولاً من معاول الهدم".
معاول الهدم
معاول الهدم التي تتخذ من الإنكار ديانة ومن دفن الرؤوس في الرمال عقيدة تتعامل مع المشهد العام وكأن "المهرجانات" موسيقى القلة المندسة وأصحاب الأجندات المتآمرة. الملحن المصري المشهور حلمي بكر يصف "المهرجانات" بأنها كارثة وتدمير للذوق العام، والأفضل لمن يؤديها أن يعمل "حرامي" (سارق) من أن يؤدي مثل هذه الأغنيات. حتى من يحاولون شرح وتحليل هذه الظاهرة الفنية المثيرة للجدل في ضوء نظريات تدني الذوق وانعدام التعليم وانتشار الجهل، فإن هناك من يرى – وبينهم بكر- بأنه ليس هناك ثقافة للجهل حتى يكون لـ"توك توك" وبيئته ثقافة تمثله.
الارتباط الطردي المفترض بين التوسع الكمي لسكان قاعدة الهرم الطبقي والصعود الصاروخي لنوعيات من الفنون وبينها موسيقى وأغنيات المهرجانات ارتباط صحيح، لكنه لا يشرح الظاهرة برمتها. النشاة التاريخية لموسيقى المهرجانات تشير إلى إنها ظهرت على السطح في منتصف الألفينيات.
دار السلام
وفي بحث منشور للكاتب والباحث السياسي المصري أحمد عبد الحليم تحت عنوان "أغاني المهرجانات في مصر: الانتقاد اللاذع والانتشار الكبير"، يؤرخ لها بالظهور في عام 2007 في "دار السلام"، أحد أحياء القاهرة الشعبية، على يد "عمرو حاحا" و"السادات" و"فيفتي" الذين قدموا أغنية سموها "مهرجان السلام".
يشرح عبد الحليم أن كلمة مهرجان في هذا السياق تعود إلى نوعية هذه الأغاني المعتمدة على الإيقاع السريع والرقص الشعبي في المناطق الشعبية والفقرة. وفي غفلة من الزمن وجيوش المحللين وكتائب الخبراء، انتشرت المهرجانات في أواصل المجتمع المصري انتشار النار في الهشيم.
مكونات الهشيم كثيرة وسريعة الاشتعال. كبت وقهر وحرمان وفقر وزحام وتدني تعليم وانهيار ثقافي وتطرف ديني وتقلص فرص مع تمكين مفاجئ شبه كامل من تقنيات تتيح التعبير. كلمات أولى أغنيات المهرجانات "مهرجان السلام" تحمل تهديداً ووعيداً لفئة "المرشدين" التي كانت منتشرة في أغلب المناطق الشعبية والعشوائية، وهي "مهنة" مموهة يشتغل بها البعض حيث يقوم بمهمة الإبلاغ عن تجار ومدمني المخدرات والنصابين والضالعين في أعمال منافية للقانون من جيرانهم وأصدقائهم في المنطقة التي يعيشون فيها.
مرشدون وشرطة
تقول الكلمات، "في مرشدين وولاد كيادة لعبت معاهم بقوا أبطال. انا جسمكم هاعمله صدادة، ولو كبرتم هشوفكم عيال. عاوز أعرف إيه ملتكم، ياللي أنتم الإرشاد شغلتكم". التفاعل الكبير لمثل هذه الكلمات في سنوات ما قبل أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 تكشف هوة سحيقة بين القاعدة العريضة من المصريين و"الحكومة". يشار إلى أن كثيرين في مصر يطلقون كلمة "الحكومة" على الشرطة.
"بوكس ويا شرطة" اسم "مهرجان" آخر يجسد الفكرة نفسها. أكبر ورطة، هجمة شرطة، كبسة وكل ساعة في تفتيش. قال لي خذ تعالى، كفالة ومراضية (رشوة)، ده خدوا صاحبنا ماسكينه بقرش حشيش، مش ناقصين حكومة تجينا".
مجيء "الحكومة" المتراوح بين تضييقات واعتقالات وحجب ومنع وغيرها يجعل من الكثير من أغاني المهرجانات، لا سيما تلك التي تتناول قضايا شائكة أو موضوعات محظور نقاشها، أشبه بالفن الـ"أندر غراوند"، أي ذلك الذي تتم صناعته وتداوله وتذوقه بعيداً عن الأعين والآذان. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن عدداً كبيراً من أغنيات المهرجانات انتشر في أشهر الحراك الثوري والسياسي المحتدم بين عامي 2011 و2014. ويشار إلى أن كثيرين يعتقدون أن "المهرجانات" خرجت إلى النور كعرض من أعراض الحراك الثوري في يناير (كانون الثاني) 2011.
مهرجانات وسياسة
عرف قطاع من مستمعي ومتذوقي المهرجانات مهرجان "أنا نفسي بس في ريس" في خضم السابق الرئاسي المتعدد الذي شهدته مصر في عام 2012. "السادات"، مطرب المهرجانات المنتمي إلى الرعيل الأول من هذا النوع من الفن قدم أغنية "أنا نفسي بس في ريس" دعماً للمرشح الرئاسي المنسحب المحامي خالد علي. كما قدم آخرون مهرجانات أخرى دعماً لترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2014.
لكن تظل المهرجانات الحقيقية لغة وأداة ووسيلة المهرجانات الأصلية، وليست النفاق أو الاستغلال أو الترويج السياسي. مجلة "رولينغ ستونز" في عددها الصادر في 20 مارس (آذار) 2014 وتحت عنوان "مهرجانات: ثورة مصر الموسيقية" جاء فيها أن، "المهرجانات تصنف باعتبارها إلكتروشعبي، يجمع المصريين، لا سيما الشباب المنتمين لطبقات اجتماعية واقتصادية وفكرية وتعليمية مشابهة. الخيط الذي يجمع بينهم هو عدم اليقين من حياتهم، حاضرها ومستقبلها".
يقول سائق الأجرة الشاب "العائم في بحر الغدر"، عنوان الأغنية الشهيرة لفناني المهرجانات أحمد عزت وعلي سمارة، وهو يتنهد تنهيدة عميقة، "كل كلمة من هذه الكلمات بحر عميق تمس الشعب". وبسؤاله عن الشعب، قال باستغراب، "نحن الشعب. الغالبية المطلقة. الشباب الباحث عن فرصة. العائم في بحر الغدر. غدر المجتمع، وغدر الأغنياء، وغدر البنات الماديات اللاتي يبحثن عن جيب العريس قبل العريس".
قائمة الغدر
وقبل أن يكمل بقية قائمة الغدر الطويلة التي تنقلها أغنيات المهرجانات، يتوقف دقيقة ليقول في لحظة مصارحة، "مطربو المهرجانات ومحبوها يعلمون جيداً أن الناس اللي فوق ينظرون إليها وإليهم نظرة استعلاء وقرف. يعبترونها فن الهمج وموسيقى البلطجية وإيقاعات السوقة ورقص الطبقات الدونية، وربما هذا ما يقوي من حبنا ومتابعتنا للمهرجانات. لمتنا في فرح في الشارع أو حفلة على سطح بيت وشعورنا بأن ما يجمعنا رغم اختلافاتنا أكثر بكثير مما يفرقنا يعطينا إحساساً رائعاً بالقوة. هذه القوة والشعور بأننا مخيرين، ولو في الموسيقى التي نسمعها فقط ولسنا مسيرين كما في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا، رائع جداً".
روعة الإحساس بالقوة والسيطرة رغم الظروف الصعبة تشكل روح المهرجانات وتفسر استمرارها رغم الحروب الطبقية الشرسة ضدها، وموجات الهجوم المتكرر عليها من قبل أساطين الغناء التقليدي. أغاني المهرجانات ممنوعة من البث على أثير الإذاعات الرسمية والخاصة. لكنه ملء السمع والبصر على الأثير العنكبوتي، وهذا يكفي.
أثير العنكبوت
اكتفاء الملايين من عشاق المهرجانات بأثير العنكبوت مصدراً للاستمتاع والتحميل والانتشار وثيق الصلة باكتفاء صناع المهرجانات بتقنية المعلومات والشبكة العنكبوتية أيضاً لإنتاج فنهم. عشرات من مطربي المهرجانات ينطلقون من "ستوديو" منزلي في مطبخ البيت أو غرفة الجلوس. وصلة إنترنت، برامج إيقاعات موسيقية مجانية، كلمات نابعة من البيئة دون افتعال أو تلميع أو ادعاء وجود ما ليس له وجود.
نادراً ما تنتشر أغنية مهرجانات تتناول سهر الحبيب وبكاءه على باب حبيبته، أو تغني شخص بحب تراب الوطن، أو ما شابه. الموجود هو إخبار الحبيبة بأن قرار الهجر يعني إنها الخاسرة وأن الحبيب سيجد من هي أفضل منها مئة مرة. ورغم أن حب الوطن موجود في المهرجانات، إلا أنه ليس حباً في المطلق، لكنه لوم للوطن على قسوة المعاملة وقلة الفرص وضيق ذات اليد.
أبناء المناطق العشوائية والنازحون من الريف إلى المدينة بحثاً عن لقمة عيش والأسر الفقيرة الكبيرة العدد خرجوا إلى الدنيا في ظروف بالغة القسوة: يسكنون أحياء وبيوتاً مكتظة تفتقد بديهيات الحياة الكريمة، تلقوا تعليماً رديئاً أو لم يكملوا تعليمهم من الأصل، تم الدفع بهم إلى سوق الأعمال الهامشية والدونية في سن الطفولة، يتعامل معهم بقية المجتمع باعتبارهم شوكة في الحلق وصداعاً في الرأس. كل ما سبق يؤدي إما إلى التطرف سواء الديني أو الانغماس في عوالم الإدمان والجريمة، أو تتشكل شخصيات عدوانية تستمتع بالتسبب في مضايقة المتململين منهم بالإمعان في تصرفات سوقية وعشوائية وفوضوية والمجاهرة بها للإعلان عن عدم الاكتراث وكأنه وسيلة دفاعية.
ناس بتبيع
كلمات مهرجان المطرب حمو بيكا "ناس بتبيع" تقول، "أنا جبروت مبحبش حد، مافي عندي يا ناس أي رومانسية، على أي حد أضرب وأزق. لو وقعت ياله مش هتقوم، وحياة أمك خف تعوم. عندي الناس كلها سواسية، محطوط في حزامي الناسف من يومي مجنون وبجازف، على لحن الموت أنا عازف أغنية، كرهت الناس لو عشت جدع تتداس، ثورجة بلا أي أساس. كام كلب لسيده مطيع؟"
طاعة الكلب لسيده التي تحتمل الكثير من التفسيرات جزءٌ من معان عدة تقول الكثير عن قيم مجتمعية صارت متجذرة في غفلة عن الجميع. المهرجانات ظاهرة ذكورية من ألفها إلى يائها. صحيح أن الفتيات والشابات يسمعنها ويقبلن عليها ويشكلن نسبة معتبرة من الجمهور والمتابعين، لكن المجال ذكوري بحت. بعض الأغنيات تحمل معاني يفترض أن تعكس "جدعنة" و"رجولة" حيث رفض للتحرش "أعاكس آه، أتحرش لا". العديد من الأغنيات الأخرى تتطرق إلى الفتيات وملابسهن وتصرفاتهن، ويغلب عليها نظرة ذكورية كاملة تعتبر الفتاة سيئة السمعة وباحثة عن التحرش وإقامة علاقات غير شرعية بناء على ملابسها وتصرفاتها وهي المعايير التي يحددها مجتمع العشوائيات.
تعدد المعاني
جانب كبير من كلمات المهرجانات متعددة المعاني. وعكس ما يعتقد الكثيرون من الرافضين لثقافة المهرجانات وما تمثله، فإن الكلمات ليست سطحية أو تافهة أو بلا معنى. ربما تحمل في طياتها عدوانية، أو رفض للمجتمع، أو نقمة عليه، أو حتى دعوة للفوضى ونشر شريعة الغاب. لكنها تظل عميقة المعنى ومؤشراً على ما يجري في قاع المجتمع، حتى وإن أصرت القمة على تجاهلها.
تجاهل الأرقام وما تعنيه كاد يؤدي إلى كارثة في يناير (كانون الثاني) 2011. إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى أن ما يزيد على 29 مليون مصري تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً فقراء. كما تشير إلى أن نسبة البطالة بين الشباب بين 15 و29 عاماً تبلغ نحو 77%. هؤلاء وأعدادهم المتزايدة على مدار الساعة ظلوا بعيدين عن أعين الدولة وأولوياتها لما يزيد على أربعة عقود.
جرعة مقويات
ولذلك فإن تفجر الأحداث في عام 2011 نجم عنه جرعة مقويات مكثفة لتلك الفئات التي لم تعد تهاب السلطة أو الشرطة، بل وصلت إلى درجة تهديدهما والاعتداء عليهما بأشكال مختلفة في الأشهر القليلة التي تلت الأحداث. وحتى بعد عودة قدر كبير من الاستقرار وشكل الدولة بمعناها المؤسسي، احتفظ هؤلاء الشباب بمكتسباتهم الرئيسية: كسروا حاجز الخوف، تذوقوا طعم التمكين، يمضون قدماً في التعبير عن أنفسهم بكلمات تثير القلق والخوف والاشمئزاز لدى الآخرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الآخرون بدورهم أقبلوا على شيء مدهش. أفراح الطبقات المتوسطة وما فوقها تحول جانب منها إلى "مهرجانات". نجوم حفلات تخرج طلاب وطالبات المدارس الأجنبية والجامعات الخاصة هم أوكا وأورتيغا وحمو بيكا وفيفتي وغيرهم. خلف نوافذ الـ"بي إم دبليو" المغلقة وأبواب الكافيهات المشيدة تتصاعد أصوات بين الحين والآخر ناقلة صراخ "صاحبي باعني علشان قرشين" أو صياح "أنا باسكر علشان أنسى وبرضه يا صاحبي بفوق".
هند، 25 عاماً، وحسين، 28 عاماً، مهندسان تزوجا قبل أشهر قليلة. ينتميان إلى الطبقة العليا. حفل زفافهما كان أسطورياً بشهادة الأهل والأصدقاء. فقرات الحفل الفنية ضمت عدداً لا بأس به من مطربي ومطربات الصف الأول. لكن ما إن دخل "حمو بيكا" حتى انقلبت القاعة رأساً على عقب. تقول هند، "ترك الجميع مقاعده وتحول المكان إلى حلبة رقص بحماس وحيوية أقرب إلى الجنون. حتى ماما، السيدة الراقية العاقلة، كانت ترقص وكأنها نمت وترعرعت على إيقاعات المهرجانات".
الطبقات العليا
لكن يبقى استماع واستمتاع الطبقات المتوسطة والعليا بالمهرجانات صرعة موقتة. الطبقات نفسها استمعت واستمتعت في الثمانينيات بأغاني أحمد عدوية التي بدأت بـ"السح الدح إمبو". والطبقات نفسها استمعت واستمتعت بأغاني شعبان عبد الرحيم في التسعينيات.
إيقاعات المهرجانات ربما لا تطرب، أو تتبخر كلماتها بعد أيام، لكنها بكل تأكيد ترمومتر ثقافي وفكري ونفسي لملايين المصريين. كما أن أجواء الرفض والانتقاد والتحقير التي تحيطها تقول الكثير عن ملايين أخرى من المصريين. وبين هذه الملايين وتلك هوة كبيرة تكشف احتقاناً طبقياً عميقاً وفجوة ثقافية صريحة.