في الوقت الذي تخيم فيه الضبابية على مستقبل الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، تأتي الأرقام والبيانات الرسمية لتؤكد أن الصورة مازالت "قاتمة"، وأن أزمات الركود التي كانت تلوح في الأفق بدت معالمها واضحة.
وبخلاف الأرقام السلبية التي كانت تصدر من الولايات المتحدة الأميركية التي تعد أحد أهم مصادر الركود الذي من المتوقع أن يضرب الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، لكن بيانات جديدة تحذر من أن منطقة اليورو لم تعد في مأمن، وأنها تشارك الولايات المتحدة في الأزمات التي تنتظر الاقتصاد العالمي الهزيل بالفعل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في تقرير حديث، وضعت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، نظرة مستقبلية سلبية للقطاع الصناعي في العالم خلال العام المقبل، مع توقعات نمو ضعيف للأرباح وتدهور المعنويات عالمياً. وقالت في تقرير حديث، إن تباطؤ النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم والتوترات التجارية المتزايدة سيؤثر على أرباح الشركات المصنعة في العام المقبل.
وتوقعت الوكالة نمو الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بنحو 1% فقط خلال العام المقبل. وقال نائب رئيس الوكالة، ديفيد بيرج، "لقد نجحت شركات التصنيع في إدارة الجولة الأولى من التعريفات عن طريق تمرير زيادات في تكلفة المدخلات مع زيادة الأسعار، مما جعل هوامش الربح غير متأثرة نسبياً في بيئة اقتصادية أميركية قوية".
وأضاف، "ومع ذلك، مع احتمال توسيع التعريفات وعدم وجود أدلة تذكر على أن المنازعات التجارية سيتم حلها بالكامل قريباً، فسيتعرض المصنعون للضغوط بسبب زيادة المخاطر المتعلقة بتعطل سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف مدخلات المواد التي لن يستوعبها العملاء بسهولة".
"موديز" أشارت إلى أنه لا تزال معنويات مدير المشتريات العالمي عند مستويات ضعيفة تاريخياً، على الرغم من التحسن الطفيف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتعافي النشاط الصناعي العالمي خلال الشهر ذاته ليصل لأعلى مستوى في 7 أشهر.
نمو "هزيل" لقطاع الأعمال بمنطقة اليورو
في الوقت نفسه، استمر نمو قطاع الأعمال بمنطقة اليورو ضعيفا خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وذلك في ظل تباطؤ الطلب الخارجي الذي أدى لتفاقم الانكماش في قطاع الصناعات التحويلية وطغى على تحسن طفيف في الخدمات.
وظلت القراءة الأولية لمؤشر "آى.اتش.اس ماركت" المجمع لمديري المشتريات، الذي يعد دليلا جيدا على سلامة الاقتصاد، فوق 50.6 في شهر ديسمبر (كانون الأول) بما يقل طفيفا عن توقع استطلاع رويترز البالغ 50.7. وأي قراءة فوق الخمسين تشير إلى حدوث نمو.
وارتفع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات المهيمن إلى أعلى مستوى في أربعة أشهر عند 52.4 من 51.9، متجاوزا التوقعات الخاصة باستطلاع سابق أجرته وكالة "رويترز" والتي كانت لقراءة تبلغ 52.
أما مؤشر القطاع الصناعي فواجه مصاعب على مدار العام وانكمش نشاط القطاع للشهر الحادي عشر على التوالي في ديسمبر (كانون الاول) الحالي. ونزل مؤشر مديري مشتريات المصانع إلى 45.9 من 46.89، ليقل من توقعات رويترز البالغة 47.3.
وفي ألمانيا، انكمش نشاط القطاع الخاص للشهر الرابع على التوالي في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إذا طغى التراجع في قطاع الصناعات التحويلية علي نمو قطاع الخدمات في أكبر اقتصاد أوروبي.
ونزل مؤشر "آى.اتش.اس ماركت" المجمع لمديري المشتريات المجمع الذي يتتبع قطاعي الصناعة والخدمات اللذين يمثلان أكثر من ثلثي اقتصاد المانيا إلى 49.4 بينما توقع المحللون زيادة إلى 49.9. والقراءة هي الرابعة على التوالي دون مستوى الخمسين الفاصل بين النمو والانكماش.
"المركزي الفرنسي" يخفض تقديرات النمو الاقتصادي
فيما خفض البنك المركزي في فرنسا تقديرات النمو الاقتصادي خلال العام المقبل، مع ضعف التجارة العالمية. وقال في تقرير حديث، إنه يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا لعام 2020 بنحو 1.1% مقارنة مع التقديرات السابقة عند 1.3% في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وأضاف "المركزي الفرنسي"، "التدهور الحاد للبيئة الدولية سوف يترجم إلى تباطؤ ملحوظ في الصادرات وبالتالي فإن النمو الاقتصادي لفرنسا سوف يتباطأ في عام 2020".
وذكر أنه رغم ذلك فإن الأسر سوف تستمر في الاستفادة من التخفيضات الضريبية التي أدخلها إيمانويل ماكرون بعد احتجاجات السترات الصفراء، متوقعاً أن يكون للإضرابات المستمرة في فرنسا تأثير محدود على النمو. في حين يتوقع البنك المركزي أن ينمو اقتصاد فرنسا إلى بنحو 1.3% خلال العام الحالي و2021.
وبالنسبة لتوقعات التضخم، فيرى البنك أن معدل التضخم سوف يصل إلى 1.1% خلال العام المقبل، مقارنة مع توقعات سابقة عند مستوى 1.3% خلال العام الحالي، على أن يعاود الارتفاع إلى نحو 1.3% خلال عام 2021.
بريطانيا تتجه إلى اقتراض "قياسي"
في الوقت نفسه، ضاعف مكتب مسؤولية الميزانية في بريطانيا، تقديراته لحجم الأموال التي من المرجح أن تقترضها الحكومة على مدار الأعوام الخمسة القادمة.
ووفقا للتوقعات الجديدة فإن بريطانيا ستقترض 47.6 مليار جنيه استرليني (61.1 مليار دولار) في السنة المالية الحالية، ارتفاعا من 29.3 مليار استرليني عندما أصدرت الحكومة بيان الميزانية في مارس (آذار) الماضي.
وبحلول السنة المالية 2023 - 2024، من المتوقع أن يبلغ الاقتراض السنوي 33.3 مليار استرليني (42.62 مليار دولار)، ارتفاعا من 13.5 مليار إسترليني (17.28 مليار دولار) كانت متوقعة في مارس (آذار) الماضي عندما كان وزير المالية آنذاك فيليب هاموند يهدف الى موازنة الميزانية، بما في ذلك الانفاق الاستثماري، بحلول منتصف عقد العشرينات.
وكان العجز في ميزانية بريطانيا العام الماضي الأصغر كحصة من الناتج الاقتصادي منذ العام المالي 2001 - 2002 في أعقاب عشر سنوات من ضغط الإنفاق أضرت بالكثير من الخدمات العامة. وتظهر الأرقام كيف أن رئيس الوزراء بوريس جونسون ووزير المالية ساجد جاويد قد يجدان أن من الصعب تخفيف قبضتهما على المالية العامة بشكل كبير.
تحذيرات مستمرة من استمرار الفائدة السالبة
وفي وقت سابق، حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن الآثار السلبية لمعدلات الفائدة السالبة على البنوك ستتفاقم فقط طالما أن المركزي الأوروبي يواصل برنامجه لشراء الأصول.
وقالت المنظمة في تقرير الآفاق الاقتصادية، إن مدفوعات البنوك في منطقة اليورو على الاحتياطيات الزائدة للنبوك سوف ترتفع تدريجياً بمرور الوقت إذا أصبحت مشتريات المركزي الأوروبي من الأصول تُشكل احتياطيات أعلى.
وبدأ المركزي الأوروبي برنامج لشراء الأصول بوتيرة شهرية قدرها 20 مليار يورو (22 مليار دولار) بدايةً من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهي الخطوة التي لم يحدد البنك موعداً لنهايتها بل قال إن هذا البرنامج سوف يستمر طالما تستلزم الضرورة.
وبموجب هذا السيناريو، فإن مدفوعات البنوك بفعل الاحتياطات الفائضة في منطقة اليورو قد ترتفع بنحو 17% في عام 2020. وأوضحت منظمة التعاون الاقتصادي أنه في حين بمقدور البنوك المركزية تخفيف أثر معدلات الفائدة السالبة عبر تدابير مثل الإعفاءات التي تصل إلى مستوى معين إلا أنها تقوض أثر التحفيز.
وسلطت المنظمة، الضوء كذلك على الآثار غير المواتية من معدلات الفائدة دون الصفر (السالبة) على صناديق المعاشات والمؤسسات المالية التي تقدم سياسات التأمين على الحياة. وقالت إن معدلات الفائدة السالبة المستدامة على ديون ذات آجال استحقاق طويلة الآجل من المرجح قد تحفز شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية لتحقيق التوازن في محافظهم الاستثمارية من الأصول الآمنة للأصول الخطرة مع تأمين المخاطر لعملائهم.
وأضافت أنه من شأن ذلك زيادة فرص معالجة الخسائر المالية وخاصةً خلال فترة الاتجاه الهابط في الاقتصاد. وكانت منظمة التعاون الاقتصادي خفضت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال العامين الحالي والمقبل عند أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية.