حوّل إعلان رئيس الحكومة المكلّف، الحبيب الجملي، تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية بعد أن انفضّت من حوله الأحزاب السّياسية، الآمال العريضة إثر الانتخابات إلى يأس وإحباط لدى فئات واسعة من التونسيين، وسادت حال من الترقب والقلق من المستقبل.
هذا الوضع ترك استياءً واسعاً في صفوف التونسيين الذين يأملون تشكيل حكومة قوية قادرة على حلحلة الملفات الكبرى كمقاومة الفساد وتنشيط العجلة الاقتصادية وخلق الثروة وإيجاد موارد الرزق لمئات الآلاف من العاطلين عن العمل.
وستكون لهذا الوضع تداعيات سياسية واقتصادية ومالية، فبعد أن جاوزت المشاورات بين الأحزاب ورئيس الحكومة المكلّف شهراً كاملاً واقتربت من المهلة الدستورية التي تنتهي في 15 يناير (كانون الثاني) 2020 من دون أن تفضي إلى انفراج في الأفق في ظلّ أزمة اجتماعية خانقة، فقد بات التونسيون يخشون كلفة هذا الوضع على المدى القريب والبعيد اقتصادياً ومالياً واجتماعياً.
وضع إقليمي متحرك
تأجيل الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة وسط تعنّت الأحزاب وعدم توافقها وفي ظل انتظارات طويلة ستكون كلفته عالية، وفق المحلّل السياسي هشام الحاجي الذي تحدّث لـ"اندبندنت عربية" قائلاً إن "تركة السنوات الماضية وخصوصاً تلك التي خلّفها رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد سلبيّة للغاية، وهو ما يفرض الإسراع بوضع برنامج إنقاذ اقتصادي ومالي شامل، بالإضافة إلى حالة الوهن الحالية وترهل الأداء الإداري والتراجع اليومي للاقتصاد الوطني، كلها عوامل يزيدها تأخر تشكيل الحكومة عمقاً".
وأضاف الحاجي "الوضع الإقليمي والدولي متحرك ومفتوح على احتمالات غير معلومة، وتأخر إعلان الحكومة في تونس يزيد الوضع تعقيداً، هذا من دون أن ننسى موقف المؤسسات المالية الدولية المانحة من تونس وإمكانية توقفها عن التعامل معها وذلك في غياب حكومة وفي ظل عدم استقرار سياسي".
حكومة الكفاءات ستنهار أمام الأزمة الأولى
ويؤكد رئيس تحرير جريدة "الصحافة" الحكومية، زياد الهاني، أن المشكل ليس في تعطل المشاورات وإنما في التوصل إلى وفاقات مغشوشة لا تستجيب إلى التطلعات في التغيير التي عبّر عنها التونسيون من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، فحركة النهضة يمكنها أن تمرر هذه الحكومة في البرلمان تماماً كما نجحت في تنصيب زعيمها راشد الغنوشي رئيساً للبرلمان، وذلك عبر تحالفها مع حزب "قلب تونس" (38 مقعداً).
وعبّر الهاني عن خشيته من أنّ هذه الحكومة قد تنهار بسهولة في أول أزمة حقيقة تواجهها، وبالتالي ستدخل البلاد في نفق قد يصعب الخروج منه.
أحلام التونسيين المؤجلة
بقيت أحلام التونسيين متأرجحة بين حكومة تصريف أعمال (غير مكتملة، بعد استقالة عدد من أعضائها) وطال أمد تسييرها دواليب الدولة ووسط أزمة مالية خانقة تتزامن مع نهاية سنة إدارية وبداية أخرى بلا أفق سياسي واضح، بالإضافة إلى ما يشوب فترة التصريف هذه من شبهات تعيينات اللحظات الأخيرة حسب الولاءات والمحسوبية وبين انتظار حكومة لم تتشكل بعد، وسط إكراهات التجاذبات الحزبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حكومة الحبيب الجملي التي قد يعلنها من خارج الأحزاب السياسية ومتكوّنة من كفاءات وطنية قد لا تعمّر طويلاً، لأنها بلا حزام سياسي وستكون أقرب إلى حكومات تسيير وقتية، وبالتالي لا مناص من تعاقب الحكومات أو إمكانية الذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها ولو في منتصف المدة النيابية المحددة بخمس سنوات.
مراجعات ضرورية
يأتي ذلك فيما تمرّ مؤسسات الدولة بتعطلٍ كلي في بداية سنة إدارية جديدة من دون أفق سياسي واضح ومن دون توجيه رسائل طمأنة إلى المستثمر التونسي والأجنبي من أجل إنعاش الاقتصاد ودفع التنمية وإيجاد مواطن الشّغل لمئات الآلاف من التونسيين.
ويبدو أن المشهد السياسي في تونس في حاجة إلى إعادة النظر في المرحلة المقبلة من خلال مراجعات مفروضة على الأحزاب السياسية التي ما انفكت قواعدها تتآكل، وذلك عبر تجميع نفسها في كيانات سياسية كبرى قادرة على التموقع بجدية في البرلمان من أجل الحكم لا المعارضة، ومن خلال إعادة النظر في القانون الانتخابي لفرز مشهد برلماني متوازن ومتجانس.