بعد ساعات على مغادرته بغداد لأسباب أمنية وعقب تعرضه للتهديد، عاد الرئيس العراقي برهم صالح إلى العاصمة للعمل على إنهاء ملف تكليف رئيس الحكومة واستئناف عمله في رئاسة الجمهورية.
وكان رئيس الجمهورية، أعلن الخميس الماضي، عن استعداده لوضع استقالته أمام أعضاء مجلس النواب، مقدماً اعتذاره عن عدم تكليف مرشح كتلة "البناء" لرئاسة الحكومة المقبلة أسعد العيداني، قبل أن يغادر إلى مدينة السليمانية.
عزل صالح؟
هذه العودة تزامنت مع تسرب معلومات عن تحركات أطراف سياسية داخل البرلمان لعزل صالح من منصبه، بعد توجيه تهمة خرق الدستور له، على اعتبار أن المادة 76 تتضمن أن دور الرئيس هو تكليف مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان، ولا يحق له رفض هذا الترشيح".
وبحسب مصدر عراقي، سيشهد اليومان المقبلان حراكاً سياسياً في هذا الخصوص بين مختلف القوى السياسية، لمناقشة عزل الرئيس العراقي وإيجاد بديل له متفق عليه سياسياً قبل العزل، حتى لا يتكرر سيناريو عادل عبد المهدي من جهة الفراغ الدستوري".
ووسط هذا الجدل، أوضح نائب رئيس البرلمان العراقي بشير حداد، السبت 28 ديسمبر (كانون الأول)، أن "خطاب صالح الموجه إلى البرلمان بشأن تسمية مرشح لتشكيل الحكومة الجديدة هو بيان موقف وليس طلباً رسمياً للاستقالة، وأن ما ذكره الرئيس في رسالته هو تفسير لما جرى من ضغوط واستعداده لتقديم الاستقالة بسبب ما حصل من خناق سياسي وعدم الاتفاق على مرشح لرئاسة الوزراء".
الاتفاق على مرشح
واعتبر أن "عدم الاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة هو أزمة حقيقية معقدة في المشهد السياسي وندعو الجميع إلى تغليب المنطق ولغة العقل والحكمة لتجنيب البلاد مزيداً من المآسي والمشاكل"، مشدداً على "ضرورة أن ينال المرشح رضا الشعب وقبوله وعلى أساس الاتفاق السياسي وبما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا للبلاد، لا سيما أننا نمر بمرحلة مفصلية وأزمة سياسية".
كما دعا القادة السياسيين ورؤساء الكتل والأحزاب الوطنية إلى "التعاون مع رئيس الجمهورية لحسم مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء، وفق معطيات المرحلة الحالية واستمرار التظاهرات الشعبية في بغداد وعدد من المحافظات"، وتابع "في حال قدم رئيس الجمهورية طلباً مكتوباً للاستقالة عند ذاك سيجري التعامل مع الطلب بحسب الدستور العراقي".
عزل أو إقالة
بدوره، وصف الخبير القانوني طارق حرب الطريق الذي رسمه الدستور العراقي لإقالة رئيس الجمهورية بـ"الصعب والمعقد جداً".
وقال في بيان إن "الطريق الذي رسمه الدستور في المادة 61 منه لإنهاء خدمة رئيس الجمهورية معقد وصعب جداً، إذ يمكن أن تصوت غالبية الأعضاء وليست غالبية الحضور في الحالات التي حددها الدستور، وهي الحنث باليمين الدستورية أو انتهاك الدستور إلى الخيانة العظمى، بحيث يجري تصويت النواب على ذلك ثم يحال الموضوع إلى المحكمة الاتحادية العليا، لكي تتولى إصدار حكم على الرئيس بارتكاب واحدة من الحالات، أي الحنث أو الانتهاك أو الخيانة".
وأوضح أن "هنالك فرقاً بين الإعفاء والإقالة وسحب الثقة والعزل، كما أن المحكمة لا تثبت الإدانة في جميع ما ينسب للرئيس لكي يجرى إعفاؤه، وإنما الإعفاء يكون إذا ثبت للمحكمة أن الرئيس انتهك الدستور أو حنث باليمين أو ارتكب الخيانة العظمى، وهذه مسائل قانونية صعبة ودقيقة.
وختم قائلاً "أعلى هيئة قضائية في العراق تتولى الملف وليس غيرها بالإضافة إلى مسألة جمع الأصوات، أي أن الموضوع برلماني قضائي وبغالبية عالية وليس مثل حال رئيس الوزراء الذي يكتفى بالمساءلة البرلمانية فقط".
تظاهرات بغداد والبصرة
ميدانياً، تواصلت التظاهرات في مختلف المدن العراقية، وانطلق المتظاهرون من ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد باتجاه مقرات حزبية، تنديداً بدور "الأحزاب المعطّل للمسار السياسي في البلاد". وتحدثت وسائل إعلام محلية عن قيام القوات الأمنية بمنع المحتجين من الوصول إلى حي الكرادة.
كذلك شهدت ساحات محافظة ذي قار الجنوبية، التي شهدت أواخر الشهر الماضي مجزرة أدت إلى مقتل عشرات المتظاهرين، مسيرات حاشدة رفع خلالها المشاركون هتافات تؤكد عزم رجال المحافظة على الدفاع عنها وعن حقوقها.
متظاهرون يوقفون الإنتاج
وللمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات، توقف الإنتاج في حقل الناصرية النفطي في جنوب العراق السبت، بعدما قطع متظاهرون الطرق المؤدية إلى الحقل مطالبين بتأمين وظائف لهم، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وهي المرة الأولى التي يتوقف فيها الإنتاج في حقل نفطي في العراق منذ بدء تظاهرات غير مسبوقة مناهضة للحكومة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول).
وفي العادة، يصل إنتاج حقل الناصرية الواقع على مسافة حوالى 300 كلم جنوب بغداد إلى 100 ألف برميل في اليوم.
وأكدت مصادر نفطية محلية وقف الإنتاج، فيما رأى خبراء أن ذلك لن يكون له تأثير كبير في الإنتاج والصادرات العراقية ما لم يستمر طويلاً.
ولفت المسؤولون إلى أن المباني الإدارية التابعة للشركة الوطنية المشغلة للحقل مغلقة منذ 50 يوماً في سياق حملة العصيان المدني التي تشمل جزءاً كبيراً من جنوب العراق.
والعراق هو خامس أكبر مصدر للنفط في العالم، ويصدر حوالى 3.4 مليون برميل يومياً من ميناء البصرة.
وتعتمد الحكومة العراقية بشكل كامل تقريباً على عائدات النفط التي تشكل 90 في المئة من ميزانية البلاد، فيما أشار محللون إلى أن أية ضربة للصادرات قد تكون "كارثية" على البلاد.
وعلى الرغم من الثروة النفطية الهائلة، يعيش واحد من بين خمسة أشخاص في العراق تحت خط الفقر، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 25 في المئة، بحسب البنك الدولي.
الإفراج عن 2700 معتقل
وفي شأن متصل، أكدت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، "الإفراج عن 2700 معتقل من المتظاهرين منذ بدء الاحتجاجات بداية أكتوبر.
وأعلن عضو المفوضية علي البياتي في بيان، أن من تبقى من المتظاهرين المعتقلين والمقدر عددهم بحوالى 100 معتقل لا يزالوا "قيد التحقيقات"، وأن هناك جهوداً لإطلاق سراحهم.
وقالت المفوضية في البيان إنها استلمت شكاوى باختطاف "77 متظاهراً أيضاً من قبل جهات مجهولة، أطلق سراح 12 منهم من قبل الجهات الحكومية".
وكانت المفوضية قد ذكرت في وقت سابق أن 166 شخصاً من المتظاهرين تم اختطافهم من ساحات الاحتجاج، أو غابوا عنها من دون أن يعرف مكان وجودهم حتى الآن.
كذلك، أفادت المفوضية بمقتل 490 شخصاً في بغداد ومدن الجنوب منذ بدء الاحتجاجات.