"نُحب الورد وكذلك الخبر"... بهذه العبارة بدأ رامي حديثه، ثمّ تجوّل في حقله الصغير يقطف الأزهار ذات الألوان الجذابة، على أمل بيعها خارج قطاع غزّة، أو تسويقها في الأسواق المحلية بأسعارٍ لا تسبب له أي خسائر، فاختار موعد جنيها مع بداية رأس السنة، حين يحتفل العالم بتلك المناسبة، وتكون الورود فيها أروع الهدايا.
استهلاك محلي فقط
علاقة حب رامي للورد علاقة حب وود وحياة، فهو يقضي ساعات طويلة يعتني بالورود ويهتم بها كاهتمامه بأطفاله الصغار، لتوفير لقمة العيش لعائلته.
وبعد أن يزرع حوالى عشرة دونمات سنوياً، يخصّص رامي مساحة دونمٍ واحدٍ فقط من أرضه لزراعة الورد، ويقول "قلّصت مساحة الأرض المزروعة بسبب منع إسرائيل من تصدير الورود خارج قطاع غزة. وبقيت السوق المحلية هي المفتوح أمام أزهاري. وبطبيعة الحال، الاستهلاك المحلي ليس كالتسويق العالمي... هناك فرق في السعر والكمية".
موسم رأس السنة
وبالتزامن مع احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة، يشرع أهالي قطاع غزة بقطف ورود وأزهار هذا الموسم، علّهم يجدون فرصة تسويق ما جُني من أراضيهم، وبحسب وزارة الزراعة وُصف إنتاج هذا الموسم بـ"الخجول".
ويعتقد المزارعون أنّهم سيتمكنون من تصدير محاصيلهم إلى أوروبا، هذا ما يقوله رامي إنه "وبعد اتفاق مسبق بين المزارعين، قرروا قطف الورود مع بداية رأس السنة، ليحاولوا تصديرها خارج قطاع غزة، وكذلك لتسويقها محلياً في موسم يأملون في أن يكون جيداً".
عراقيل إسرائيل
لكن ثمّة عراقيل وضعتها إسرائيل أمامهم، حين رفضت بشكلٍ حازم السماح للمزارعين بتصدير ورودهم إلى أوروبا، الأمر الذي شكّل خسارة كبيرة في موسم الورد، وكذلك أوقف توريد الأسمدة التي يحتاجونها أثناء موسم الزراعة.
فقبل حوالى 15 عاماً، كان القطاع يصدّر أطناناً من الورود إلى أوروبا، كأحد أجود أنواع الأزهار المُنتجة في العالم، لكن في الأعوام الماضية، تراجعت مساحة زراعة الأزهار وتقلّصت نسبة المبيعات إلى أن اقتصرت على البيع المحلي فقط.
ويقول أدهم البسيوني، المتحدث باسم وزارة الزراعة إن "تجارة الورود شهدت تراجعاً كبيراً بفعل انهيار الاقتصاد في قطاع غزة، جراء استمرار الحصار للعام الـ13 على التوالي، الأمر الذي أدى إلى تناقص في مساحة الأراضي المزروعة بالأزهار عاماً تلو الآخر. بالتالي، تحوّل القطاع من مصدّر للورود إلى مستورد لها.
تراجع المساحة
وبالفعل، تبيّن أن مساحة زراعة الأزهار قد تراجعت بشكل ملحوظ. فعام 2000، كان يُزرع حوالى 500 دونم بطاقة إنتاجية تصل إلى 55 مليون زهرة، يُصدّر جزء كبير منها إلى أوروبا، لكن عام 2016، وصلت مساحة الزراعة إلى 30 دونماً، يملكها عشرة مزارعين فقط ينتجون ما يقارب الـ 35 ألف زهرة فقط للتسويق المحلي. أما عام 2019، فقد بلغت مساحة الأراضي المزروعة عشرة دونمات فقط، تنتج أقل من 20 ألف زهرة تُسوّق محلياً.
وتتعدد أسباب تراجع إنتاج الورود، منها أن إسرائيل ترفض السماح للتجار بتصديرها، كما أن عذوبة المياه لم تعُد تكفي هذا النوع من الزراعة. كذلك، توقف الدعم الهولندي الذي كان يُنظر إليه على أنّه الرمق الأخير في دعم المزارعين الفلسطينيين.
ويوضح البسيوني أنّه للعام السادس على التوالي، تحرم إسرائيل زهور غزة من الوصول إلى الأسواق الأوروبية بعدما كانت تلقى رواجاً لافتاً في المناسبات السنوية، وأهمها في احتفالات رأس السنة.
مياه ملوثة
ويستهلك الدونم الواحد من الورود 1300 كوب من المياه العذبة، مقارنة بالخضروات التي يستهلك الدونم الواحد منها 800 كوب، ولا يشترط عذوبة المياه. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أوضاع المياه في القطاع المحاصر سيئة جداً وتهدّد الحياة البشريّة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وما يرهق الفلاحين أنّ عملية زراعة الزهور وقطفها تستغرق أحد عشر شهراً، تبدأ في يونيو (حزيران) وتستمر مع العناية بالمحصول حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) وفي بعض الأحيان حتى وسط يناير (كانون الثاني).
وبالعادة، تُزرع الورود في دفيئات، وكانت تشتهر مناطق شمال غربي مدينة رفح المتاخمة للحدود مع مصر بزراعتها، لكن تلك المنطقة تعرّضت لضخ مياه البحر والمياه الجوفية على التربة، حينما قررت القوات المصرية أخيراً هدم الأنفاق التجارية، ما أثّر سلباً في هذه الزراعة.
بيعها خسارة
ومن أصناف الزهور التي تُزرع في غزة: اللوندا والجوري والقرنفل والخرسيوت والألمنيوم والجربيرا. لكن المفارقة أن الوردة الواحدة تُباع في أوروبا بما يصل إلى ستة دولارات أميركية، في حين أنّها إذا بيعت في غزة لن يتعدى سعرها الدولارين.
وبحسب البسيوني، فإن رأس مال إنتاج دونم الزهور يصل إلى ستة ألاف دولار أميركي، وفي حال جرى التسويق محلياً، سيكون بيعها في غزة خسارة لا بد منها، مشيراً إلى أن الدعم الهولندي لزراعة الزهور توقف بشكل كامل، بعدما كان يتنوّع بين تقديم دورات تدريبية لتعليم المزارعين كيفية حماية الأزهار والحفاظ عليها، وتوفير بعض الشتلات وأنواع الورود غير الموجودة في غزة وتعليمهم كيفية زراعتها، إضافةً إلى إدخال بعض الأسمدة والأدوية ذات الجودة العالية.