بعد عملية تسلل جنودٍ من القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزة في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2018، وجدت وزارة الداخلية والأمن الوطني (تسيطر عليها حركة حماس منذ عام 2007)، نفسها أمام حاجة ضرورية لوجود كاميرات مراقبة منتشرة في الأماكن العامة لتتمكن من عمليات الرصد والمتابعة، ويسهل عليها ذلك التحقيق في القضايا الكبيرة.
ومنذ ذلك الوقت تقريباً، شرعت الأجهزة الأمنية في غزة، بعمليات مراقبة لجميع المناطق والشوارع الحيوية والقريبة من الحدود في مختلف محافظات القطاع، بهدف الحفاظ على الأمن وتسهيل عمليات التحقيق في حال وقوع أيّ طارئ.
وفي حقيقة الأمر، نظام المراقبة العام بالكاميرات ليس جديداً على غزة، فمعظم المحلات التجارية في مختلف الأسواق إلى جانب البنوك والمؤسسات الدولية، تقوم بتركيب أجهزة مراقبة وكاميرات، وتحرص على تسجيل تفاصيل كلّ يوم، وتخزينها في أقراص صلبة مدمجة، خوفاً من حدوث أي طارئ.
خطة لكشف العمليات الخفية
وفي موازاة هذا الإجراء الأمني، قامت أجهزة الأمن في وزارة الداخلية بتعميم فكرة مراقبة المناطق الحيوية والحساسة. وفي هذا الإطار، يقول مدير عام العمليات المركزية في وزارة الداخلية والأمن الوطني العميد فايق المبحوح، إن "فكرة تركيب أجهزة مراقبة في القطاع تأتي في سياق تعزيز حالة الأمن والاستقرار، ومنح المواطنين شعوراً أكبر بالأمان والطمأنينة".
"وبناء عليه، وضعت أجهزة الأمن خطة شاملة لمنظومة المراقبة والسيطرة على الأماكن الحيوية"، بحسب المبحوح الذي كشف أن "فريق عمل وزارة الداخلية المخصص لمتابعة ذلك الملف قطع شوطاً كبيراً في إنجاز مهمات تركيب الكاميرات".
وساهم انتشار نظام المراقبة في قطاع غزة، بمساعدة الأجهزة الأمنية في كشف العديد من العمليات التي قامت بها إسرائيل عن طريق عملائها، وذلك متابعة مَن يقف وراء حالات القتل أو الاغتيال، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل توصلت إلى إحباط جزء من عمليات السرقة.
أنواع أجهزة المراقبة
وبعد متابعة "اندبندنت عربية" ملف الكاميرات التي وضعت تقريباً في كل زاوية من زوايا غزة، فقد اتضح أنها مقسمة إلى ثلاثة أنواع، الأول منها خاص ويتبع لمؤسسات أو شركات أو محلات تجارية أو أصحاب منازل أو أفراد. وبحسب المعلومات فلا حاجة لإذن من وزارة الداخلية للسماح بالتركيب، وذلك لأن الكاميرات يجري تركيبها في ملك خاص.
أمّا النوع الثاني فإنّه مِلك وزارة النقل والمواصلات، والهدف من نشر كاميراتها في الشوارع مراقبة التجاوزات القانونية لوسائل النقل الخاصة أو العامة، إضافة إلى الرجوع لها في حال وقوع حوادث مرورية. ولوحظ انتشارها بشكل كثيف في الفترة الأخيرة في معظم شوارع القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والنوع الثالث يتبع لوزارة الداخلية والأمن الوطني، وغالباً ما يكون منتشر في المرافق العامة والحيوية، ومعظم الأسواق الشعبية والمناطق الحساسة والحدودية بالقرب من إسرائيل. ويوضح المبحوح أن الهدف زيادة الضبط والسيطرة بما يُعزز حالة الأمن والاستقرار.
وعلى الرغم من تنوع ملكية الكاميرات إلا أن مدير عام العمليات المركزية في وزارة الداخلية يبيّن أن مصادر تخزين أجهزة المراقبة مرتبطة مع بضعها، وأن الدور الناظم للعمليات المركزية موحد بين أجهزة وزارة الداخلية وإداراتها، وباقي الوزارات والهيئات الحكومية والسلطات، لاسيما في أوقات الطوارئ.
بمعنى آخر فإن أجهزة الأمن في غزة تستطيع الحصول على التحركات المسجلة من جميع الأقراص الصلبة بغض النظر عن مالكها، ويمكنها أن تتعاون مع الوزارات الأخرى في حال الحاجة أو وجود طوارئ.
مبرر لدواعٍ أمنية
وتبرر الداخلية اللجوء إلى مراقبة غزة بالكاميرات، أن ذلك يأتي في إطار مواكبة التطور الأمني وتحديث الإجراءات الأمنية، وأن ذلك دليل يقظة وعمل مستمر من قبل الأجهزة الأمنية المختصة، خصوصاً أن القطاع لديه طبيعة خاصة ويقع ضمن "منطقة أحداث".
لا شك في أن عدد من المواطنين لم يعجبه نشر كاميرات مراقبة، ويقول خالد إنه "في الحقيقة مستاء من انتشار أجهزة الكاميرات في الشوارع، ولا حاجة أمنية ملحة لذلك، ويكفي وجود برامج مراقبة في المناطق الأمنية فقط".
في سياقٍ أخر، قال المحلل السياسي طلال عوكل، إن "انتشار الكاميرات في الشوارع مُبرر من النواحي الأمنية، كون غزة تعيش حالة من الصراع مع إسرائيل، ويجب اتخاذ تدابير الحماية والأمن اللازمة، بما يضمن سهولة الوصول إلى كل المعلومات بأقل كلفة وأسرع وقت".
مشكلة الخرق الإسرائيلي
لكن ثمّة تخوّف من انتشار أجهزة المراقبة، باعتبار أن إسرائيل تستطيع عن طريق أجهزة وبرامج تكنولوجية حديثة من اختراق كاميرات المراقبة (كونها متصلة بالإنترنت)، والحصول على المواد المصورة، وبالتالي يمكنها الحصول على المعلومات التي تحتاجها من دون أي مجهود، بحسب المحلل الأمني خضر عباس.
وعلى الرغم من إمكانية وجود مخاطر أمنية تسببها كاميرات المراقبة، إلا أنها في الحقيقة ساهمت في كشف العديد من القضايا، وساهمت في التوصل إلى حل كثير من المشاكل المجتمعية، ويؤكد المبحوح أن الحالة الأمنية في القطاع باتت مستقرة بشكل كبير.
وخلال عام 2019، تعاملت الأجهزة الأمنية مع قرابة 40 ألف اتصال وإشارة تبليغ عن أحداث تستدعي وجود طواقم وزارة الداخلية، وجرى تنفيذ أكثر من 19 ألف مهمة منها.