عاد مشهد المواجهات العنيفة التي حصلت منذ مساء السبت في محيط مبنى البرلمان اللبناني في بيروت، المقفلة كل المنافذ المؤدية إليه منذ سنوات، ليتكرر مساء الأحد، فعلى الرغم من الحواجز التي أقامتها القوى الأمنية على الطريق، خصوصاً في منطقة جبيل، لاعتراض القادمين من محافظة الشمال، رشق المتظاهرون قوات مكافحة الشغب بالحجارة والمفرقعات النارية. وردّت قوى الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المحتجين الذين حضروا بأعداد لا بأس بها على الرغم من تعرض 400 شخص من بينهم لجروح وحالات اختناق استدعت نقلهم إلى المستشفيات.
وأُرسلت تعزيزات من الجيش وشرطة مكافحة الشغب إلى وسط بيروت، حيث تجمع المتظاهرون على مدخل جادة مؤدية إلى مقر البرلمان قرب ساحة الشهداء التي كانت مركز الحراك الاحتجاجي غير المسبوق منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضد طبقة سياسية يعتبرها المحتجون فاسدة وعاجزة.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني نقل 30 إصابة إلى المستشفيات في مواجهات اليوم الأحد، كما تم إسعاف 60 تقريباً إصابة في موقع التظاهرات في وسط بيروت.
دياب في بعبدا
في موازاة ذلك، توجه الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة حسان دياب إلى القصر الجمهوري في بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون، في ظل استمرار أجواء العرقلة التي تعيق إبصار تشكيلته الحكومية النور. وغادر دياب القصر الجمهوري، بعيداً من الإعلام، وتوجه إلى مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة حيث التقى رئيس المجلس نبيه بري لمتابعة النقاط العالقة في الملف الحكومي.
وفي آخر الأنباء حول التشكيل، أصرّ بري في معلومات لـ"اندبندنت عربية" على منح تيار المردة حقيبتين وزاريتين بخاصة بعد الامتعاض الكبير الذي أبداه زعيم المردة، سليمان فرنجية، فيما يبدو أن دياب رفض صيغة الـ20 وزيراً، وحُسمت الحكومة بـ18 وزيراً.
وكشفت معلومات عن أن البحث الآن هو في احتمال تولّي أمل حداد، التي تحظى بتأييد رئيس الحزب القومي السوري أسعد حردان، نيابة رئاسة الوزراء من دون حقيبة، على أن يكون هذا الأمر مفتاح الحل لعُقَد الحكومة.
وأشارت إلى أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لم يبلغ الرئيس المكلف عدم مشاركته في الحكومة.
أمّا على صعيد التطورات في الشارع، فتحدثت معلومات عن اجتماع أمني سيُعقد في بعبدا ظهر غد برئاسة عون وحضور وزيرَيْ الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة الأمنية لعرض الأوضاع الأمنية والإجراءات الواجب اتخاذها.
أزمات متفاقمة
وبعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات، لم يتوقف غضب المتظاهرين عن التصاعد، فهم يشجبون خصوصاً تقصير السلطة أمام تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تُترجم بطرد أعداد كبيرة من الأشخاص من وظائفهم وبقيود مصرفية بالغة وتراجع قيمة العملة اللبنانية.
وردد المتظاهرون في بيروت تحت المطر "ثوار، أحرار، سنكمل المشوار"، حاملين مظلات وأعلاماً لبنانية.
وقال المتظاهر مازن (34 سنة) "مللنا من السياسيين طبعاً... بعد ثلاثة أشهر من الثورة أثبتوا لنا أنهم لا يتغيرون ولا يسمعون وأنهم غير قادرين على القيام بشيء".
واندلعت السبت مواجهات بين المحتجين وعناصر شرطة مكافحة الشغب في وسط بيروت الذي شهد مستوى عنف غير مسبوق منذ بدء الاحتجاجات، ما أسفر عن إصابة 377 شخصاً على الأقل من الطرفين، بحسب حصيلة وضعتها وكالة الصحافة الفرنسية، استناداً إلى أرقام للصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني.
وغطت السبت الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن بكثافة لتفريق المتظاهرين وسط بيروت مع تصاعد أصوات صفارات سيارات الإسعاف. واستخدمت قوات الأمن أيضاً خراطيم المياه والرصاص المطاط.
ورشق المتظاهرون، وبعضهم ملثمون، القوات الأمنية بالحجارة ولوحات مرورية وأغصان أشجار، وحاول عدد منهم تخطي الأسلاك الشائكة. واستخدمت شرطة مكافحة الشغب خراطيم المياه وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
إصابات في الأعين
وبثت محطات تلفزيونية محلية شهادات عائلات أُصيب أولادها، وأعمار بعضهم 18 سنة، بالرصاص المطاط في أعينهم، كما انتشرت هذه الشهادات على تويتر.
ووقعت تلك المواجهات في المكان ذاته الذي عاد إليه المتظاهرون الأحد.
وأعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنه "ليس هناك أي مبرر لاستخدام قوات مكافحة الشغب القوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين إلى حد بعيد".
واتهم نائب مدير قسم الشرق الأوسط في المنظمة مايكل بايج عناصر الشرطة بـ"إطلاق الرصاص المطاط على أعين" المتظاهرين، مطالباً السلطات "بوضع حد لثقافة الإفلات من العقاب عن تجاوزات عناصر الشرطة".
وتم تداول تسجيل فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر تعرض موقوفين للضرب خلال خروجهم من آلية لسوق السجناء في "ثكنة الحلو" لقوى الأمن الداخلي. وتعقيباً على هذا التسجيل، أعلنت قوى الأمن الداخلي في تغريدة فتح تحقيق في الحادث. وأضافت أنه "سيتم توقيف أي عنصر اعتدى على الموقوفين"، الذين بلغ عددهم 30 شخصاً، لكن النيابة أمرت اليوم الأحد بالإفراج عنهم، بحسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.
واستعادت التظاهرات غير المسبوقة في لبنان زخمها هذا الأسبوع في خضم أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). وشهد يوما الثلاثاء والأربعاء مواجهات عنيفة بين قوى الأمن ومتظاهرين أقدموا على تحطيم واجهات مصارف ورشق الحجارة باتجاه القوى الأمنية التي استخدمت بكثافة الغاز المسيل للدموع.
الحريري يغرد
ويطالب مئات آلاف اللبنانيين الذين ملؤوا الشوارع والساحات منذ 17 أكتوبر برحيل الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحمّلونها مسؤوليّة تدهور الوضع الاقتصادي، إضافةً إلى عجزها عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية. وهم يدعون إلى تشكيل حكومة اختصاصيين تنصرف إلى وضع خطة إنقاذية.
وبعد أسبوعين من انطلاقها، قدّم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري استقالته تحت ضغط الشارع. وكُلّف الأستاذ الجامعي والوزير السابق حسان دياب، بدعم من حزب الله وحلفائه، تشكيل حكومة جديدة تعهّد أن تكون مصغرة ومؤلفة من اختصاصيين، تلبية لطلب الشارع.
وكتب الحريري في تغريدة الأحد "هناك طريق لتهدئة العاصفة الشعبية. توقفوا عن هدر الوقت وشكلوا الحكومة وافتحوا الباب للحلول السياسية والاقتصادية".