يُوصف رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، بأنه رجل مهمات خارجية لا تقل أهمية عن الدور الذي تقوم به السياسة الخارجية الأردنية، ويقود الطراونة - الذي ينتمي إلى عائلة أردنية سياسية ضاربة الجذور في تاريخ الأردن - دفة مجلس النواب بتعقل وتوازن وسط مناخ سياسي ومحيط ملتهب مليء بالأحداث اليومية المتسارعة.
وفي حوار مع "اندبندنت عربية"، تحدث الطراونة عن العلاقة مع النظام السوري، واصفاً إيران بأنها باتت تشكل مصدر قلق في المنطقة، معتبراً أن اسرائيل تعزل نفسها عن محيطها بسبب سياساتها الاستفزازية وتطرفها اليميني.
وأكد الطراونة أن علاقات الأردن بالسعودية والإمارات إستراتيجية، وأن عمّان لا يمكن أن تفرط بتحالفها التاريخي مع الرياض وأبوظبي.
ورفض رئيس مجلس النواب الأردني الإتهامات التي تقول إن الاقتصاد الأردني بات رهينة بيد صندوق النقد الدولي، معتبراً مصير صفقة القرن الفشل، حالها حال كل خطط السلام الأميركية التي تقوم على مبدأ حل الدولة الواحدة لا حل الدولتين.
العلاقة مع سوريا
عن دوره في تحقيق التقارب مع سوريا، وهل يمكن القول أن العلاقات الأردنية - السورية ستعود إلى سابق عهدها قريباً وما هي محددات ذلك؟ يجيب الطراونة:
لم تنقطع العلاقة مع سوريا، حتى في أوقات ذروة الأزمة، موقفنا كان واضحاً منذ البداية، وعبّر عنه الملك عبد الله الثاني، بتأكيده ودعمه ودعوته للحل السلمي والسياسي كمخرج ضامن لوحدة سوريا واستقرارها أرضاً وشعباً.
لكن علينا جميعاً الإدراك بـأن مجالس النواب لديها هامش حركة مختلفة نسبياً عن الحكومات وأن حفاظنا على خطوط الاتصال مع مجلس الشعب السوري، هو تمثيل لإرادة الشعبين، والتمسك بقنوات اتصال فاعلة يستطيع الموقف الرسمي استخدامها متى شاء، ولأن البرلمانات عادة تستطيع الاستقلالية في الموقف، استطعنا أن نوجه دعوة الى رئيس مجلس الشعب السوري حمودة صباغ، لحضور أعمال الاتحاد البرلماني العربي في عمّان، وكانت نتائج المشاركة تجسد العلاقة المستمرة بين الشعبين.
التهديدات الإيرانية
وحول تحذير الملك عبدالله الثاني من خطر الهلال الشيعي، وواقع العلاقة مع ايران خاصة مع التهديدات التي وجهتها للأردن، يقول:
إيران بوضعها الحالي، مصدر قلق في المنطقة العربية والإقليم، و"الهلال الشيعي" الذي تحدث عنه الملك منذ سنوات هو هلال إيراني بالضرورة، والنفوذ الممتد من العراق عبر سوريا إلى لبنان، يضع علامة استفهام أمام أهداف هذا الوجود، خصوصاً في ظل ما تشهده تلك الدول من اضطرابات، هذا هو التقدير الواقعي للوضع الإيراني اليوم، ووحدها طهران من تستطيع أن تبعث برسائل إيجابية حتى يتبدى القلق من جميع الأطراف حولها.
إسرائيل تعزل نفسها
أما عن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، وهل باتت أقرب إلى إعلان نعيها، مع حديث الملك الأخير عن توقف العلاقات مع اسرائيل، فيقول:
إسرائيل هي من تعزل نفسها في المنطقة، وبخلاف السابق وأمام جميع دعوات السلام التي كانت تطلقها تل أبيب، نجد اليوم أن التطرف اليميني يعزز حصار إسرائيل وعزلتها في المنطقة، أما بخصوص اتفاقية السلام فنحن دائماً ما نتحدث عن المصلحة الأردنية العليا في كل قرار نتخذه، وحتى لا ينسى الجميع فقد ألغت اتفاقية السلام حالة الطوارئ على أطول حدود لنا وهي حدود فلسطين التاريخية، وبذلك استطعنا أن نخفف الاستنزاف العسكري والأمني والسياسي على هذه الجبهة.
وبكل ما يحدث اليوم فإن العالم بدأ يدرك أن إسرائيل لا تريد السلام ولا الامتثال لقرارات الشرعية الدولية التي نصت على حماية حقوق الفلسطينيين وضمنت إعلان قيام دولتهم وكفلت حق العودة والتعويض للاجئين، والعالم اليوم ينظر بعين الإدانة لإسرائيل دولة الاحتلال التي تمارس قتلها وتنكيلها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وعلى العالم أن يعيد حساباته تجاه أي طرح لا يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني ولا يرضيه.
حكومة الرزاز
وبالانتقال إلى الوضع الداخلي، يتحدث الطراون عن أداء حكومة الرزاز بالقول:
كل حكومة تأتي تتمتع برصيد من التفاؤل الشعبي، وسرعان ما يتبدد نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد على مدى العشر سنوات الماضية، لذلك كان من الطبيعي تراجع شعبية الحكومة وفق استطلاعات الرأي.
أما على صعيد الأداء، فأجد بأن جملة القرارات التي اتخذتها الحكومة لم تكن لتتغير مع تغير الأشخاص، لكن الأهم أن يكون لهذه القرارات على المدى المتوسط أثر إصلاحي يساهم في تخفيف أزمتي عجز الموازنة وارتفاع أرقام المديونية، وستُحاكم الحكومة شعبياً في حال كانت النتائج معاكسة للوعود.
وحول وصف مجلس النواب الحالي من قبل بعض أطياف الشارع الأردني بأنه الأضعف والأسوأ وانه أداة بيد الحكومة، يجيب:
عادة ما تكون نتائج الانتخابات لصالح فوز 10 في المئة من مجموع المرشحين للانتخابات، فإذا افترضنا أن 1300 مرشح خاضوا انتخابات العام 2016، ونجح منهم 130، فإن مجمل من لم يحالفهم الحظ سينتقلون إلى صفوف المعارضة، لكل قرارات مجلس النواب، هذا علاوة أن نسب المشاركة المتدنية هي بالضرورة تعكس ارتفاع نسبة المقاطعين للانتخابات، وبالتالي أن كل مقاطع هو بالضرورة معارض، وهي المعادلة التي ستظل تتحكم بزيادة الانتقادات للمجالس النيابية.
وإذا ما كان سيتم تشكيل حكومات برلمانية قريباً في الأردن، يقول:
الجواب تجده عند التيارات والقوى السياسية، فمتى استطاعت أن تتحالف وتكون جزءاً من المجلس ضمن كتل وائتلافات يستطيع صاحب القرار أن ينفذ هذه الرؤية التي تحدث عنها بأوراقه النقاشية الشهيرة، حيث أراد لها الملك عبد الله الثاني أن تكون تجسيداً لحركة الإصلاحات الشاملة التي يقودها الملك ويدعو لها باستمرار.
وهنا يجب أن نبحث عن معالجة أسباب ضعف الأحزاب في الحياة السياسية الذي ينعكس مباشرة على فرص تشكيل الحكومات البرلمانية.
العلاقة مع الخليج
ويتحدث الطراونة عن علاقة الأردن بدول الخليج، وتحديداً السعودية والإماراتن فيقول:
العلاقات الأردنية السعودية الإماراتية علاقات استراتيجية، فمثلث المصالح بين هذه الدول كبير ومتسع، كما أن مستوى التنسيق بينها متقدم جداً، فلذلك لا يمكن للأردن أن يفرط بتحالفاته التاريخية مع الدول الشقيقة، خصوصاً السعودية والإمارات التي تتوفر معهما رؤية للحاضر والمستقبل في المنطقة.
كما أن الأردن يجد ضمن منظومة علاقاته المتوازنة أنه يرتبط بعلاقات دافئة مع الأشقاء العرب، وهو ما نجده في استمرار المشاركة الفاعلة للأردن في القمم العربية وجميع الاجتماعات ضمن مختلف المستويات والتي نتمسك خلالها بمفاهيم التضامن العربي والعمل المشترك، لصالح شعوب المنطقة.
التحديات الاقتصادية
وهل باستطاعة الأردن تجاوز التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها، وهل يوافق على مقولة أن صندوق النقد الدولي يتحكم بالمملكة اقتصاديا، يجيب:
دائماً ما نقول إن الصندوق هو الكفيل في معادلة الاقتراض من الخارج، لذلك نحن ملزمون بالتوافق مع سياسات الصندوق خصوصاً إذا كانت تكشف جانباً من الاختلالات في القرارات الحكومية، لكن الصندوق لا يلزم الأردن بقرارات، لذلك نحن معه متمسكون بمبادئ السيادة على القرار، وبنفس الوقت لا بد لنا من تسجيل حالة إصلاح اقتصادي حقيقية، لنحافظ على سمعتنا الائتمانية أمام الخارج ونستطيع الاقتراض بأسعار فائدة منافسة.
صفقة القرن
وحول "صفقة القرن" يقول:
الأردن تحدث بأكراً بأن أي مقترح لا يشمل حل الدولتين وإعلان قيام دولة فلسطين على ترابها الوطني هو حل غير قابل للحياة، والحديث بخلاف ذلك فيه نسف لكل الطروحات التي تتبنى خيار الدولة الواحدة، وهو موقف الأردن الواضح الذي عبر عنه الملك أمام البرلمان الأوروبي وفي مختلف المناسبات التي يشارك بها.
لكن لنا في التاريخ عبرة فكل خطط السلام الأميركية التي تأتي إلى المنطقة في الثلاث عقود الماضية لم تفرز أي اقتراح من فرص الحل النهائي الذي يقبل به الشعب الفلسطيني كطرف أساسي في معادلة السلام.
وعن جهود محاربة الفساد في الأردن يقول:
لقد قطعنا شوطاً كبيراً في مأسسة جهود مكافحة الفساد واستطعنا منح الاستقلالية المطلقة لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد لتكون العين على كل تجاوز صغيراً كان أم كبيراً، والتي بدورها تستطيع تحويل تلك التجاوزات إلى القضاء، وهناك يستطيع المواطن متابعة أين وصلنا في هذه الجهود.
أما إذا كان مجلس النواب سيسجل موقفاً تاريخياً يحسب له ويقوم بإجبار الحكومة على إلغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل، فيقول:
سجل المجلس موقفه من رفض الاتفاقية، واستطعنا أن نرسل للحكومة مقترحاً بمشروع قانون يمنع استيراد الغاز من إسرائيل وهي الخطوة الدستورية والتشريعية التي تأتي ضمن صلاحيات المجلس، وسنبقى متابعين لهذا الملف حتى نصل إلى نتيجة نحفظ من خلالها مصلحتنا الوطنية العليا كما نحافظ كرامة شعبنا.