على مدار عقدين من الزمن، شهدت دول الخليج ثلاث صدمات اقتصادية، ارتبطت جميعها بأسعار النفط. كانت أولاها في العام 2004، عندما انخفض النفط إلى مستويات 30 دولارا للبرميل، ثم قفز إلى ما يفوق 120 دولارا مع الصعود الكبير الذي شهده الاقتصاد العالمي والأسواق المالية في السنوات الأربع اللاحقة.
لكن منذ العام 2008، وعندما استفاق العالم على أزمة مالية كبرى ضربت أكبر اقتصاديات العالم، انخفض سعر النفط إلى مستويات العام 2004 مجددا. وظلت الأسعار تتذبذب إلى أن جاء العام 2016، حيث هبطت الأسعار لمستويات 35 دولارا للبرميل.
النفط والميزانيات والعجز
في ظل هذه الصدمات الثلاث، كان هناك حقيقة واحدة، هي تراجع الإيرادات بشكل كبير وفقدان ميزانيات دول الخليج للمصدر الرئيس لتمويلها. لكن في العام 2016، ظهر تحول عالمي دفع دول الخليج لتسريع خطط إصلاح ميزانياتها، حيث أصبح هبوط النفط أو العيش ضمن أسعار نفط منخفضة شبه دائم، مع تسارع إنتاج النفط الصخري وتصاعد موجة اعتماد العالم على الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية.
شعرت دول الخليج بعدم إمكانية إبقاء خطط الإصلاح مجرد ملفات توضع بالأدراج، وأن الوقت قد حان للمضي قدما في تنفيذ الإصلاحات، خصوصا بعد أن دخلت جميعها مرحلة جديدة من العجوزات المالية الضخمة، مما اضطرها إلى الاستدانة من الأسواق العالمية والمحلية لتغطيتها.
وفي العام 2016، وقّعت الدول الخليجية على اتفاقية موحدة لتطبيق ضريبتي القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، على أن تصبح سارية مطلع العام 2018.
تنويع الإيرادات وخفض الإنفاق
وقد بدأت فعليا معظم هذه الدول في تطبيق الضرائب وزيادة الرسوم على خدماتها بهدف تعزيز إيراداتها وتغطية عجوزاتها المالية. كذلك نفّذت خططا لخصخصة المرافق العامة بهدف رفع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد وتنويع إيرادات الدولة. لكن اختلف تطبيق الإصلاحات من بلد إلى آخر، وفيما يلي أبرز ما قامت به هذه الدول:
الإمارات
بدأت الإمارات تطبيق أولى خطوات الإصلاح المالي في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، عندما طبّقت المرحلة الأولى من الضريبة الانتقائية، حيث فرضت ضرائب بنسبة 50% على المشروبات الغازية و100% على كل من منتجات التبغ ومشروبات الطاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد المرحلة الأولى، جاءت المرحلة الثانية التي طبقت في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي بزيادة نطاق التطبيق ليشمل فرض ضريبة بنسبة 100% على السوائل المستخدمة في أدوات التدخين الإلكتروني، و50% على المشروبات المحلاة.
وبعد ثلاثة أشهر من تطبيق الضريبة الانتقائية، التزمت الإمارات اتفاقية دول مجلس التعاون، وطبّقت ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على غالبية السلع والخدمات في الأول من يناير (كانون الثاني) 2018.
وبلغ إسهام الإيرادات الضريبية الجديدة التي تم تطبيقها 5.5% من إجمالي الإيرادات العامة للإمارات، أي ما يقارب نحو 760 مليون دولار خلال العام 2018 من إجمالي الإيرادات التي بلغت نحو 14 مليار دولار. وأسهم ذلك في تحول العجز الذي ضرب الميزانية لثلاث سنوات متتالية 2015- 2017 إلى فائض بنسبة 2.2%، علما بأن ذلك جاء بالتزامن مع تحسن ملحوظ في أسعار النفط.
السعودية
أطلقت ميزانية العام 2015 ناقوس خطر لأكبر اقتصاديات الخليج وواحدة من أكبر اقتصاديات المنطقة، عندما تراجعت إيرادات السعودية بنحو 42% لتنخفض من 280 مليار دولار في العام 2014 إلى 164 مليار دولار في العام 2015 محققة عجزا بلغ 100 مليار دولار.
وكانت السعودية أول من طبّق الضريبة الانتقائية في يونيو (حزيران) من العام 2017 بنسبة 50% على المشروبات الغازية و100% على مشروبات الطاقة. وعادت لتوسع نطاق السلع في مطلع ديسمبر (كانون الثاني) الماضي، ليشمل المشروبات المحلاة بنسبة 50%. كما التزمت الاتفاقية الخليجية الموحدة وطبقت ضريبة القيمة المضافة في الأول من يناير 2018 بنسبة 5%.
وظهر تأثير الإيرادات الضريبية بوضوح على ميزانية العام 2018، حيث وصلت الإيرادات المحققة من ضريبة القيمة المضافة وحدها قرابة 12 مليار دولار، بما يسهم بنحو 5.2% من إجمالي الإيرادات العامة. وقد قفزت هذه الإيرادات من 190 مليار دولار في العام 2017 إلى نحو 245 مليار دولار في 2018، ثم واصلت الزيادة إلى 263 مليار دولار في العام 2019.
وتضع الحكومة السعودية هدفا بالقضاء على العجز بحلول العام 2023، وذلك بالاعتماد على زيادة الإيرادات غير النفطية وخفض حجم الإنفاق، حيث تتوقع الموازنة التقديرية 2020 تراجع الإنفاق إلى 275 مليار دولار مقارنة بمستويات العام الماضي البالغة ما يقرب من 300 مليار دولار.
قطر
تأخرت الدولة الخليجية التي تعتمد على الغاز الطبيعي في تطبيق الضريبة الانتقائية إلى مطلع العام 2019، عندما فرضت ضريبة بقيمة 100% على منتجات التبغ ومشروبات الطاقة والسلع ذات الطبيعة الخاصة، وبنسبة 50%على المشروبات الغازية، لكنها أجلت تطبيق ضريبة القيمة المضافة إلى أجل غير مسمى. وتزامن ذلك مع تحقيق ميزانيتها فائضا على مدار العامين 2018- 2019، وعدم تسجيل عجز بالموازنة التقديرية للعام 2020.
وتقلّ حساسية تأثر إيرادات الميزانية القطرية بانخفاض أسعار النفط مقارنة بباقي الدول الخليجية لاعتمادها على تصدير الغاز الطبيعي الأقل تذبذبا من النفط.
واعتمدت قطر في خطط الإصلاح المالي على التحكم في النفقات واقتصار الإيرادات الضريبية على دخل الضريبة الانتقائية. وقد تحول العجز الذي وصل إلى 11 مليار دولار في العام 2017 إلى فائض بقيمة تفوق 4 مليارات دولار، وهو ما تزامن مع انخفاض نفقاتها من 55 مليار دولار في العام 2017 إلى 52 مليار دولار في العام 2018، وبقي ضمن مستويات 55- 56 مليار دولار في العامين 2019- 2020.
الكويت
لم تنفذ الكويت أي إصلاحات مالية على صعيد تطبيق الإيرادات الضريبية على الرغم من تسجيل ميزانياتها عجزا ماليا على مدار 5 سنوات مالية متتالية، بدأ بعجز بقيمة 15 مليار دولار في العام المالي 2015- 2016، وصولا إلى 20.3 مليار دولار في العام المالي الذي ينتهي آخر مارس (آذار) المقبل، فيما لم تعلن الدولة الخليجية صاحبة الصندوق السيادي، بإجمالي أصول تبلغ قرابة 600 مليار دولار، عن الموازنة التقديرية للعام المالي 2020- 2021 حتى الآن.
ويمثل العجز المالي لدى الكويت في أغلب حالاته عجزا حسابيا فقط في ظل اقتطاع 10% من إجمالي إيرادات الدولة وإضافتها إلى إجمالي أصول صندوق الأجيال المقبلة، في وقت تعاود سد العجز من خلال السحب من صندوق الاحتياطي العام، الذي تكوّن في سنوات الفوائض المالية. لكن المفارقة أن السحب من الاحتياطي ينذر بنضوبه عاجلا أو آجلا، حيث تحذّر كافة التقارير، وآخرها الصادر عن وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية، من نضوب الصندوق بحلول العام 2021.