"لن أسمح لابنتي بالمشاركة في صفوف الكاراتيه، لأن هذا سيسلبها أنوثتها ونعومتها"، أجاب أحد الشبان عند سؤاله عن ممارسة الفتيات لهذا النوع من الرياضة. بينما قالت شابة أخرى إن هذا الفن القتالي سيجعلها عنيفة حتى في حياتها اليومية، وهو ما لن تقبله لابنتها.
في المقابل، يوافق كثيرون على تعلم الفتاة للكاراتيه أو غيرها من مهارات الدفاع عن النفس، لأن الأنثى برأيهم قد تحتاجها في حياتها اليومية، عدا عن أنها رياضة مهمة للصحة.
عند دخولك إلى صالة التدريب، ستقف صامتاً تراقب شباناً وشابات بلباس أبيض، وأحزمة ملونة منها الأسود والبني والأزرق والبرتقالي وغيرها. وحين تسمع أحدهم يتحدث بكلمة غير مفهومة، يقوم الآخرون بحركة قتالية معينة، وقبل كل جولة تدريبية أو منافسة هناك انحناءة على سبيل التحية. وإذا شهدت منافسة ما، فستلحظ دروعاً حامية للصدر، وأخرى للأسنان، والمناطق الحساسة في الجسم، لكن هذا لا يمنع الإصابات الخفيفة ككسور الأنف، والرضوض في بعض الأطراف، لذلك إن مارستها عليك أن تكون متيقظاً، كما نصح أحد المدربين.
مشاركة الفتيات تزداد تدريجياً
في فلسطين، لا تعتبر الكاراتيه رائجة في صفوف الفتيات، لكن في السنوات الماضية بتنا نشهد مشاركات محلية وعالمية لهنّ، بشكل متزايد. فحلا القاضي (18 سنة) بدأت تعلم الكاراتيه قبل 11 عاماً، بتشجيع من والديها اللذين كانا يبحثان عن رياضة تفرغ فيها طفلتهما طاقتها. وخلال مسيرتها انضمت إلى المنتخب الفلسطيني، واستطاعت المشاركة في العديد من البطولات المحلية والدولية، كبطولة آسيا والعالم، والحصول على الميدالية الذهبية في بطولة غرب آسيا التي نظمت في الإمارات عام 2019، وبطولة إسطنبول المفتوحة في العام نفسه، والميدالية البرونزية في بطولة غرب آسيا عام 2016، عدا عن عدد كبير من المراتب المتقدمة في البطولات المحلية.
أما جيفارا طه (16 سنة) فانضمت إلى نادي الكاراتيه قبل أربع سنوات لتشجيع شقيقها في البداية، ومن ثم ليبدأ شغفها بهذا الفن القتالي، وتكمل فيه، وتشارك في العديد من البطولات المحلية. وهي الآن تتدرب بجد للانضمام إلى المنتخب لشق طريقها نحو المنافسات الدولية.
90 نادياً للكاراتيه في فلسطين
تأسس مركز البيرة للكاراتيه، وهو المركز الأول في التصنيف فلسطينياً بحسب اتحاد الكاراتيه الفلسطيني، عام 2004. وحينها، لم يكن هناك أي مشاركة للفتيات. إذ أوضح مدير المركز إسماعيل وردة، أن هذه اللعبة لم تكن مقبولة للفتيات على المستويين الثقافي والاجتماعي في فلسطين، لاعتقادهم أنها قد تؤثر جسدياً فيهنّ. لكن الأمر بدأ يتغير في الأعوام الماضية، مع الانفتاح وتغير الفكرة النمطية في بعض المناطق، وإدراك بعض الأهالي حاجة الفتيات إلى تعلم فنون القتال للدفاع عن أنفسهنّ، وظهور نماذج لفتيات متفوقات محلياً ودولياً، وأخريات استلمن مناصب إدارية في الفريق.
يقول الناطق الإعلامي باسم الاتحاد الفلسطيني للكاراتيه براء عابد إن هناك 90 نادياً في الضفة الغربية وقطاع غزة لتدريب الأعمار كافة، عدا عن المنتخب، الذي يضم 12 لاعباً من بينهم فتاتان، مضيفاً أن المشاركة الدولية للفتيات غالباً ما تكون محصورة بالانضمام إلى المنتخب أولاً، باستثناء بعض المنافسات. وهذا ما تطمح إليه معظم لاعبات الكاراتيه.
تحفظ مجتمعي على هذه الرياضة
وعلى الرغم من تقبل الكثيرين لهذه الرياضة، إلا أن التعليقات المجتمعية والدينية تلاحق اللاعبات. إذ تقول تالا جبارين (15 سنة) إن بعض المحيطين بها لا يكفّون عن القول إنه يجب عليها أن تترك الكاراتيه، وتبقى في المنزل، ثم إن هذه الرياضة مختلطة بين الجنسين، وفي بعض الأحيان يرفض الأهل التوجه اليومي إلى التدريب، خوفاً من الانشغال عن متطلبات أخرى.
أما القاضي فتشير إلى أنها بدأت مؤخراً تشعر بالنظرات والتعليقات المجتمعية المنتقدة لها كلاعبة منتخب، ومنها "أنها أنثى ويجب ألا تمارس رياضة عنيفة"، أو "هذا الأمر غير مقبول دينياً وحرام".
آثار اجتماعية وجسدية إيجابية
للرياضة بشكل عام آثار إيجابية في الصحة والحفاظ على قوام جيد، وبناء العضلات، ولكن بالنسبة إلى اللاعبات، فالكاراتيه قدمت لهنّ ما هو أبعد من ذلك. فهي من ناحية تنمي العلاقات الاجتماعية، وتجعل من السهل عليهنّ مقابلة أشخاص جدد، وبناء صداقات، وتزيد من قوة الشخصية والثقة بالنفس، والشجاعة في مواجهة الناس. ومن ناحية أخرى، تقدم لهنّ المتعة والتسلية، وإظهار قدرات التركيز والتفكير السريع، عدا عن السفر إلى العديد من الدول والتعرف على الثقافات الأخرى، خلال المشاركة في البطولات والمسابقات الدولية والإقليمية، إضافة إلى التميز في الأنشطة الرياضية المدرسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في صفوف التدريب، يلعب الذكور والإناث معاً، ولا فرق بينهما. إذ إن هناك مستوى عالياً من اللعب يجب أن يسعى الجميع للوصول إليه. لذلك، تطمح اللاعبات كما اللاعبون في ظل المعيقات الاجتماعية واللوجستية والاقتصادية كافة للمشاركة في البطولات الخارجية، وتحقيق الألقاب والمراتب الأولى. ومن أجل هذا رسمت كل واحدة منهنّ خطتها لتصبح مدربة أو حكماً دولياً.
وعن هذا يقول المدرب وردة، إنه من الخطط المقرر تنفيذها هذا العام، تطوير قدرات الفتيات وتنميتها، وتوفير فرص المشاركة في التدريبات المتخصصة خارج البلاد لتأهيلهنّ للتحكيم واللعب الدوليين، خصوصاً أن جميع حكام اللعب في فلسطين حتى الآن من الذكور.
قلة الدعم تضعف المشاركة
صعوبات كثيرة تواجه رياضة الكاراتيه، فهي ليست مهنة، ولعبها لا يدر المال، لذلك نجد أن ممارسيها لديهم مصدر رزق آخر. ومع التقدم بالعمر، ينتقل اللاعبون إلى مهنة التدريب أو الإدارة. ومنهم من ينشغل بالأمومة وتأسيس الأسرة، ولا يعود هناك وقت كافٍ، عدا عن ضعف المنافسات الدولية والقدرة على المشاركة في كل المسابقات، لأسباب عدة من أهمها غياب الدعم المادي واللوجستي للّاعبين والفرق، كما قال عابد.