تضاعف عدد الوافدين على مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية في تونس خلال السنوات الأخيرة، ليبلغ عدد المرضى عام 2019 أكثر من 9400 مريض مقيم، مقابل حوالى 4500 مريض في سنة ما قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011.
كما سجل عدد المرضى المقيمين بالمستشفى نفسه والوافدين على عياداته الخارجية خلال سنة 2019 ارتفاعاً بنسبة 15 في المئة مقارنة بالعام 2018، تجدر الإشارة إلى انه في أواخر العام 2019 احتلت تونس المركز الثاني في أفريقیا من حیث عدد المصابين بالاكتئاب، بحسب نتائج دراسة قام بها موقع "بزنس انسايدر" الذي أفاد أيضاً بأن 518 ألف تونسي يعانون من الاضطرابات النفسية الناتجة من الاكتئاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاكتئاب في الصدارة
ويعتبر الاكتئاب في صدارة الأمراض النفسية التي تصيب التونسيين في السنوات الأخيرة بحسب معطيات قدمتها كل من الجمعية التونسية للأطباء النفسانيين ومستشفى الرازي، وتعتبر المرأة الأكثر عرضة لهذا المرض النفسي.
وتبين الجمعية في دراسة لها أن استهلاك الأدوية المهدئة للأعصاب والمضادة للقلق ارتفع بالتوازي مع تطور عدد التونسيين الذين يلجؤون إلى عيادات الأطباء النفسيين سواء في القطاع العام أو الخاص، والمثير للقلق هو الارتفاع الكبير لعدد المرضى من الأطفال الذي تجاوز 1400 طفل تم علاجهم في المستشفى خلال عام 2019 نظراً للضغوطات اليومية المختلفة التي تعيشها العائلات، وتأثيرها سلباً في الصحة النفسية للأطفال.
التونسيون الأقل سعادة
في السياق نفسه، يؤكد الأستاذ قيس العويني الاختصاصي ومعالج الأمراض النفسية أن الأوضاع العامة للبلاد تؤثر بشكل مباشر في نفسية الأشخاص مشيراً إلى أن عدد المقيمين أو الوافدين على مستشفى الأمراض النفسية والعصبية لا يعكس العدد الحقيقي للمرضى الذي فات بكثيرٍ العدد المعلن عنه مفسراً ذلك بوجود العديد من الأفراد الذين لا يريدون الاعتراف بأنهم مرضى، ويجب أن يخضعوا للعلاج النفسي، ومنهم من يرفض الإقامة في المستشفى لاعتبارات اجتماعية أو لضعف إمكاناتهم المادية أو لعدم توافر الأقسام المتخصصة في العلاج النفسي في الجهات التي يقطنونها.
كما يفسر الأستاذ العويني لـ "اندبندنت عربية" أنه عندما تزداد الظروف المعيشية صعوبة وقساوة على الإنسان تحُد من طموحه وشغفه في الحياة كما تُشعِره بانعدام الأمن. معلوم أن ظاهرة النشل تنامت أخيراً في تونس، بشكل بات يهدد أمن وسلامة التونسيين سواء في الشوارع أو وسائل النقل.
يذكر أن تونس قبل الثورة كانت من أفضل البلدان أمناً، لكن خلال السنوات الأخيرة شهدت نسبة الجريمة ارتفاعاً مهولاً، وكشف آخر الأرقام الإحصائية عن تسجيل بين 20 و25 جريمة في كل ساعة، ما دعا إلى دق نواقيس الخطر للتصدي إلى هذه الظاهرة.
لا طمأنينة
ويتابع العويني أنه "عادة ما نستقي الأمل من ذواتنا ومن البلد أو المحيط الذي نعيش فيه، لكن اليوم، التونسي لا يشعر بالطمأنينة وبالتالي ارتفع منسوب التشاؤم والشعور بضبابية المستقبل ما يفسر هروب العديد من الكفاءات إلى خارج البلاد على غرار الأطباء وغيرهم من الاختصاصات الأخرى"، وقال "كل هذه الأحاسيس السيئة تسهم في انتشار أمراض نفسية وعقلية من أبرزها الاكتئاب الذي زاد بشكل مباشر في انتشار حالات الانتحار حتى في صفوف الأطفال".
تأتي في المرتبة الثانية أمراض القلق والرّهاب أي الخوف المرضي يليها أمراض الفصام الذهاني واضطراب المزاج بسبب تزايد عدد المدمنين على المخدرات خلال السنوات الأخيرة وعزوف المصابين بالعلامات الأولى الدالة على وجود اضطراب نفسي عن الكشف المبكر لأسباب عدة منها الاجتماعي ومنها المادي بحسب العويني، الذي أشار أيضاً إلى أن كل هذه الأمراض، إضافة إلى العوامل الوراثية مرتبطة أساساً بالوضع العام الذي يسهم في إثارة الأمراض النفسية بشتى أنواعها.
خطاب سياسي غير مطمئن
وتفيد بعض الدراسات المنشورة بأن التونسيين من أقل شعوب العالم سعادة نظراً إلى ما تشهده البلاد من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة وهو ما جعل التونسي معرضاً أكثر للاكتئاب، وقد ارتفعت نسبة المصابين به ما يفسر ارتفاع نسبة الانتحار في السنوات الأخيرة إلى أربع مرات عما كانت عليه سنوات ما قبل الثورة. ومن الأسباب الأخرى التي يرى الأستاذ المعالج النفسي أنس العويني أنها تسهم في خلق حالة من الكآبة وعدم الراحة والأمان، الخطاب السياسي المتشنج، وينصح أخيراً بأن ننصرف عن السياسة وبرامجها وعن نشرات الأخبار إلى مشاهدة الأفلام والاستمتاع بالموسيقى حتى نشعر بأننا نعيش في عالم أفضل يعطينا الأمل لمستقبل مزدهر.