بين "واقعيتها من عدمه" لمحاباة أحد أطراف الصراع على الطرفِ الآخر، واعتبار توقيت طرحها مخرجاً للتحديات الداخلية التي تواجه كلاً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المُنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، تباينت قراءات وتحليلات خطة السلام الأميركية، التي كُشِفَ عنها مساء الثلاثاء، بعد نحو 3 أعوام من التكهنات حيناً، والتسريبات حيناً آخر.
وغداة إعلان ترمب، في مؤتمر صحافي بواشنطن، خُطته للسلام بحضور نتنياهو، التي رفضتها السلطة الفلسطينية وكل الفصائل، اختلفت ردود الفعل الدولية بشأنها، وحاول المراقبون الإجابة عمّا إذا كانت الخُطّة ستحقق السلام، وتُنهي الصراع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وما مدى إمكانية قبول الجانب الفلسطيني بها؟ لا سيما أنهم يرفضون منذ سنوات أي وساطة أميركية في مفاوضات السلام، معتبرين أن اعتراف واشنطن بـ"مشروعية المستوطنات وبالقدس عاصمة لدولة إسرائيل (في ديسمبر "كانون الأول" 2017)، يقتل عملية السلام وانحيازٌ كاملٌ للرغبات الإسرائيلية على خلاف القرارات الدولية والأممية".
وتضمّنت الخطة الأميركية، إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة أرخبيل تربطه جسورٌ وأنفاقٌ، وجعل مدينة القدس "عاصمة غير مقسّمة لإسرائيل"، مع إمكانية إقامة عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية شرق مدينة التاريخية، بـ"شروط صارمة"، فضلاً عن ضمّ إسرائيل مستوطنات الضفّة الغربية وغور الأردن وتجاوز حق العودة إلى اللاجئين الفلسطينيين.
نسف للإجماع الدولي
حسب راف سانشيز، فإن الخطة الأميركية المُقترحة تحطّم "عقوداً من الإجماع الدولي حول كيفية حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وتعيد رسم خريطة حدود منطقة الشرق الأوسط بشكل جذري لصالح إسرائيل".
سانشيز، وهو مراسل شؤون الشرق الأوسط بصحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية، اعتبر أن الخطة كذلك بمثابة "تسليم الضفة الغربية لإسرائيل"، معتبراً أن الفلسطينيين "لن يقبلوا أبداً بتلك الخطة الأحادية الجانب"، لا سيما أن كثيرين يتساءلون: هل ما أعلنه ترمب هو "بالفعل اتفاقٌ للسلام أم مجرد صفقة تخدم بشكل واضح مصالح الرئيس الأميركي ونتنياهو".
وفي السياق ذاته، كتب كريس ماكغريل، بصحيفة "الغارديان" البريطانية، قائلاً، إن "الخطة توافق كل أمنية في قائمة الأماني الإسرائيلية التي تطالب بها منذ سنوات"، معتبراً المُقترح الأميركي عن حل الدولتين لم يتعدَ كونه "كلاماً شفهياً".
وهو ما توافقت بشأنه صحيفة "جيروزاليم بوست" اليمينية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن خطة الرئيس الأميركي "قد لا تحقق السلام، لكنها قد تكون السبب في تحوّلٍ كبيرٍ بالمنطقة، بإعطائها الضوء الأخضر لإسرائيل للمطالبة بالسيادة على الضفة الغربية المحتلة وممارستها هذه السيادة".
هل الخطة واقعيّة؟
وفق ما كتبه، ماكس بوت، في الـ"واشنطن بوست"، فإن الخطة "هي حملة علاقات عامة، وليست لتطبيق السلام"، فضلاً عن أنها "مجرّد واجهة زائفة لفرض سيطرة واستيلاء إسرائيلي على الأراضي"، مستنداً في ذلك إلى ما قال عنه إنه "بقراءة التفاصيل الدقيقة في نسخة خطة السلام المطبوعة، خصوصاً الصفحة الـ34، فإن التزام ترمب بالدولة الفلسطينية مشروط بشروط لن تُستوفى أبداً".
وذكر بوت، أن "المعايير لتشكيل دولة فلسطينية تشمل التجريد التام من السلاح لجميع الفلسطينيين، بما في ذلك نزع سلاح حركة حماس في غزة، التي لا تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، ويجب على حماس الانتقال من الدعوة إلى القضاء على إسرائيل إلى التخلّي عن حق العودة الفلسطيني، والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية".
وأشار إلى أن "هذا ليس حتى الجزء المُستحيل في الخطة، فالشرط الآخر لإقامة الدولة هو إنشاء نظام حكم مع دستور أو نظام آخر لإقامة حكم القانون"، مضيفاً، "بمعنى آخر، لكي يُعترف بها كدولة ذات سيادة سيتعين على الفلسطينيين تحقيق مستويات من الحكم لم تحققها أي دولة بالشرق الأوسط، عدا إسرائيل نفسها".
وحسب بوت، فإن أي "خطة سلام جادة ستجعل إسرائيل تفكك المستوطنات البعيدة التي تضم نحو 80 ألف شخص، لكن الخطة تتجنب تحديداً مثل هذه التسوية، وتركّز على اعتبار أن السلام يجب أن لا يطالب باستئصال الناس من منازلهم".
في الاتجاه ذاته، توافق عددٌ من المحللين الإسرائيليين على "عدم إمكانية تطبيق خطة السلام على أرض الواقع"، رغم إبداء بعضهم التفاؤل بشأنها.
وكتب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إنه "استناداً إلى التفاصيل يُتضّح أن الخطة مقاربة تعطي امتيازات كبيرة للجانب الإسرائيلي"، مضيفاً "رغم أنَّها تعد تحوّلاً مهماً يقدّم فرصة كبيرة لإسرائيل"، فإنه يتهم سياسات نتنياهو بمحاولة إفشال الخطة الأميركية عبر تحميل الفلسطينيين فشلها.
فيما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست"، عن الرئيس الأسبق لهيئة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي عاموس يادلين، قوله "إنها ليست خطة سلام، ولست مُتأكداً من أنها حتى أساس لخطة سلام"، معتبراً أن "معالم الصفقة كانت رائعة لإسرائيل، لكن التنازلات للفلسطينيين لم تكن كافية لجعلهم يوافقون على الصفقة".
محاولة للهروب إلى الأمام
وفي اتجاهٍ آخر، اعتبر مراقبون أن توقيت إعلان الخطة الأميركية، "سياسيٌّ بامتياز"، نظراً إلى مساعي الديموقراطيين عزل الرئيس ترمب، فضلاً عن أنها تشكّل طوق نجاة لنتنياهو الذي يواجه تهماً بملفات الفساد، وأنها أتت لتعزيز فرصه للفوز على رئيس تحالف "أزرق - أبيض"، بيني غانتس، وتشكيل حكومة مُستقبلية عقب حسم انتخابات الكنيست المُقررة في الثاني من مارس (آذار) المقبل.
وحسب حيمي شيلو، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن "توقيت طرح الخطة الأميركية لا يهدف إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإحلال السلام بالشرق الأوسط، إنما لتمكين حكومة نتنياهو من ضم أجزاءٍ من الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات دون انتقادات قوية من المجتمع الدولي"، مضيفاً أن "الامتحان الحقيقيّ للخطة سيكون بحال اُنتخب ترمب رئيساً لولاية ثانية، وحتى ذلك الحين فإن الخطة ما هي إلا تدخلٌ في الانتخابات الإسرائيلية وصرف الأنظار عن محاكمة نتنياهو الذي يواجه تهماً بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى".
في الاتجاه ذاته، اعتبرت "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن "توقيت الإعلان عن صفقة السلام في خضم المحاكمة البرلمانية ضد ترمب له فوائد مُحتملة للرئيس الأميركي، إذ إن دعمه القوي لإسرائيل سيُرضي الإنجيليين وبعض عناصر الجالية اليهودية الأميركية"، مشيرة في الوقت ذاته، إلى أن مؤيدي الخطة ومعارضيها يرون أن فشلها "سيمهّد الطريق نحو خطوات إسرائيلية أحادية الجانب، لضم أجزاء من الضفة الغربية، ما قد يؤدي إلى نهاية الدبلوماسية".
وأيضاً اعتبر المعلق السياسي في القناة 13 الإسرائيلية، رفيف دروكر، أنها "بمثابة صفقة بين ترمب ونتنياهو قبيل الانتخابات سواء في إسرائيل أو أميركا"، مؤكداً أن "الخطة تهدف إلى تمهيد الطريق أمام نتنياهو لضم جميع المستوطنات في الضفة إلى السيادة الإسرائيلية من دون أن تدفع إسرائيل أي مقابل للسلطة الفلسطينية"، معتبراً في الوقت ذاته، أنها "ليست خطة لتسوية سياسية وإنهاء الصراع، إنما مخطط سياسي منسّق بشكل تام بين ترمب ونتنياهو".
هو الآخر، يرى المستشرق الإسرائيلي إيال زيسير المُحاضر في تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب، أنه "رغم الإجماع الإسرائيلي فإنه سيكون من الصعب تطبيق الخطة على أرض الواقع من دون موافقة فلسطينية"، إلا أنه في الوقت ذاته، اعتبر، أنه ومع أن الخطة الحالية ليست المرة الأولى التي ينشر فيها الأميركيون مبادرة سلام في محاولة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن هذه المرة مُختلفة، كونها تتعامل مع الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض منذ التوقيع على اتفاق أوسلو 1993، وليست قائمة على تطلعات وأحلام الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق عودة اللاجئين.
ماذا عن خيارات الفلسطينيين؟
ورغم التباين في تفسيرات وتحليلات تفاصيل الخطة وتوقيتها ومدى واقعيتها، ذهب آخرون لتقييم مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا سيما مع "تضاؤل الخيارات أمام الفلسطينيين"، بعدما اعتبر ترمب في إعلانه الخطة، أنها "آخر فرصة واقعية للفلسطينيين في إنشاء دولتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكتب روبرت ساتلوف، الخبير في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، في تغريدات على "تويتر"، أن "الخطة ورغم إضفائها القليل من الواقعية على القراءة التقليدية لهذا النزاع، فإن هذه المبادئ انطلقت لتلبي كلّ المطالب الإسرائيلية، فيما يتعلّق بغور الأردن، وفيما يخصّ المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، حيث تنصّ على ضمّها كلها إلى إسرائيل مقابل تبادل أراضٍ مع الفلسطينيين"، معتبراً أن "هذه الشروط كلها تعدُّ في نظر الفلسطينيين أكثر من تعجيزية".
وعن الخيارات المُتبقية أمام الفلسطينيين، اعتبرت ميشيل دن الخبيرة في مركز "كارنيغي للسلام الدولي" أنه ومع "عدم وجود شيء يدل على أنّ هذه الخطة يمكن أن تؤدي إلى مفاوضات، فإن الفلسطينيين بقدر ما هم ضعفاء، يمكنهم دائماً أن يقولوا كلا"، محذرة في الوقت نفسه من أن خطة السلام الأميركية "تهدد بتسريع انتقال الفلسطينيين من النضال في سبيل دولة مستقلة إلى نزاعٍ من أجل الحقوق على غرار ما كان يحدث في جنوب أفريقيا خلال نظام الفصل العنصري".
من جهته، ذكر الدبلوماسي الأميركي السابق ريتشارد هاس من أنه "للوهلة الأولى، سيكون مغرياً للفلسطينيين رفض هذه الخطة، لكن عليهم مقاومة هذا الإغراء وقبول مبدأ المفاوضات المباشرة دفاعاً عن قضيتهم"، معتبراً أن "الرفض الكامل يمكن أن يقوّض آخر الآمال المُعلّقة على حل الدولتين، مهما كانت متواضعة"، معتبراً أن الخطة "تتضمّن على المستوى التكتيكي بعض الأفكار الجيدة".
وحسب الخطة التي هنّدسها جاريد كوشنر مستشار ترمب وصهره، فإن نتنياهو أكّد استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقبلية، وتجميد أي توسّع استيطاني مدة أربع سنوات، فيما وعد الرئيس الأميركي بأن تكون عاصمتها في "أجزاء من القدس الشرقية"، وأن تكون أراضيها مُتصلة بفضل شبكة نقل "حديثة وفعّالة"، بما في ذلك قطار فائق السرعة يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
إلا أن مساحة الدولة الفلسطينية الموعودة هي أصغر بكثيرٍ من مساحة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها، في حين يتمسّك الفلسطينيون بالقدس الشرقية بأسرها عاصمة لهم، كذلك فإنّ الدولة الفلسطينية الموعودة يجب أن تكون، بموجب الرؤية الأميركية، منزوعة السلاح، وهي لن ترى النور إلا بعد أن يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة الإسرائيلية، والدولة المنزوعة السلاح تعني تخلّي حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة عن أسلحتها، وهو شرطٌ يصعب تحقيقه في ظل سيطرة الحركة على القطاع.