إلى طريق مسدود وصل سعي الفلسطينيين إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 بسبب رفض إسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية والقدس، وعملها على فرض أمر واقع يجعل حل الدولتين نوعاً من السراب.
ومسيرة المفاوضات، التي بدأت منذ اتفاق أوسلو قبل أكثر من 25 عاماً، لم يسفر عنها إلا منح إسرائيل غطاءً لتعميق سيطرتها على الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وافراغها من الفلسطينيين.
والحال أن إسرائيل عاشت، منذ توقيع اتفاق اوسلو عام 1993، "عصراً ذهبياً" سابقت خلاله الزمن لتقطيع أوصال الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان ونهب ثروات الفلسطينيين وفرض حقائق على الأرض في ظل شرعية دولية، وفق منتقدي الاتفاق.
وكان قبول منظمة التحرير الفلسطينية إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين تنازلاً جوهرياً عن حقوق الفلسطينيين وقبولاً بالحد الأدنى من مطالبهم.
عودة مقترح الدولة الواحدة
بعد تعثر المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بسبب رفض إسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية والقدس، وسعيها إلى تكريس احتلالها، عاد مقترح الدولة الواحدة إلى التداول مرةً باعتباره الحل الأمثل للصراع العربي الإسرائيلي، ومرة أخرى بهدف التلويح بالورقة الديموغرافية للفلسطينيين في الضفة وفي أراضي عام 1948.
ويعتقد مؤيدو فكرة الدولة الواحدة بأنها ستعمل على توحيد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة وأراضي 48، وستوفر الأجواء لعودة اللاجئين الذين طردوا عام 1948.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، العام الماضي، تأييد حوالي 40 في المئة من الفلسطينيين لحل الدولة الواحدة، في حين أيده 25 في المئة من الإسرائيليين.
وفي خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2017، حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أنه إذا تحطم حل الدولتين، فإن الفلسطينيين سيطالبون "بمساواة الحقوق لعموم سكان فلسطين التاريخية في إطار دولة واحدة". وأضاف "إذا تحطم حل الدولتين في ضوء خلق واقع الدولة الواحدة مع منظومتين قانونيتين، أبرتهايد... لن يكون أمامي وأمامكم مفر غير مواصلة الصراع والمطالبة بحقوق متساوية لكل عرب فلسطين التاريخية... هذا ليس تهديداً، بل تحذير ينبع من أن السياسة الإسرائيلية تقوض بشكل خطير حل الدولتين".
حملة فلسطينية للدولة الواحدة
"حل الدولتين لم يكن عادلاً ولم يعالج جوهر القضية الفلسطينية، وهي قضية اللاجئين"، يقول عوض عبد الفتاح، الأمين العام السابق لحزب التجميع ومنسق حملة الدولة الواحدة، والمقيم في حيفا. ويضيف أن مقترح الدولة الواحدة ينصف الشعب الفلسطيني في جميع مناطق وجوده.
ويشير عوض إلى أن اتفاق أوسلو شوّه الوعي الوطني الفلسطيني وجزّأ فلسطين، في حين "تعيد هذه الحملة توحيدها لمواجهة التمييز العنصري والقهر الذي تمارسه إسرائيل ضد الجميع".
ويطالب عوض بالعودة إلى الخيار الأصيل، أي "الدولة الواحدة"، الذي يضمن الحياة المشتركة مع كل من يعيش في فلسطين التاريخية ويضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين. ويضيف أنه يستلهم "نموذج جنوب أفريقيا في العمل على تفكيك النظام الاستعماري العنصري".
ووفق عوض "حان الوقت لخوض نضال مشترك يهودي عربي بهدف تفكيك البنية الاستعمارية لإسرائيل وتخليص اليهود من الصهيونية"، داعياً إلى "تشكيل حركة شعبية شاملة للضغط على القوى السياسية الفاعلة وإقناع المجتمع الدولي بأن حل الدولة الواحدة هو الأفضل".
وحول آلية عمل "حملة الدولة الواحدة"، يقول عوض إنها تهدف في البداية إلى خلق رأي عام فلسطيني وإسرائيلي مساند لها، بالإضافة إلى إقناع الطبقة الوسطى الإسرائيلية بأفكارها.
لكن عوض يشير إلى صعوبة عمل الحملة بسبب "وجود مجتمع إسرائيلي مصمم على تكريس الهيمنة ضد الفلسطينيين ونظام يمارس السلب والنهب وينشر العنف بين الفلسطينيين في أراضي 48، بسبب التضييق على البناء ومحاصرتهم في ثلاثة في المئة من الأرض".
ويقول منسق حملة الدولة الواحدة إن الحملة ستطلق بشكل رسمي خلال العام الحالي، مشيراً إلى أهمية "تكوين نواة صلبة للحملة من الفلسطينيين، خصوصاً في أراضي 48، بسبب قدرتهم على التواصل مع المجتمع الإسرائيلي".
مسألة غير قابلة للنقاش
في المقابل، يعتبر ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية في حركة "فتح"، أن مقترح الدولة الواحدة تجاوزه التاريخ، مشيراً إلى أن "تحقيقه مستحيل قبل تفكيك المشروع الصهيوني". ويضيف أن "المقترح يخدم فكرة إسرائيل الكبرى، ويجرد الفلسطينيين من منظومة قانونية متكاملة تُدين الاحتلال". ذلك أن "الوجود الوطني الفلسطيني والكيانية الفلسطينية ليسا مرتبطين بموافقة إسرائيل ورضاها"، وفق القدوة، الذي يشدد على أن مسألة "إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 غير قابلة للنقاش بعد اعتراف غالبية دول العالم بها".
ويضيف القدوة أن "الشعب الفلسطيني باق في أرضه ومتمسك في حقوقه بإنجاز الاستقلال الوطني وإنهاء الاحتلال، على الرغم من سعي الإدارة الأميركية الحالية إلى تقويض حل الدولتين". ويشير القدوة إلى أن الوضع الداخلي في إسرائيل كارثي، ويتجه إلى مزيد من التدهور العام بسبب صعود التطرف الديني والأصولية الدينية، مؤكداً أن "المجتمع الإسرائيلي يفسد من الداخل".
لكن غسان الخطيب، المحلل السياسي، يقول إن "إسرائيل تدفع الأمور باتجاه دولة واحدة بحكم عنصري، لتسيطر على كل فلسطين التاريخية من دون أن تعطي الشعب الفلسطيني حقوقه". ويضيف أن تل أبيب لم تعد تشعر بالحاجة إلى حل الدولتين، لأنه "يجبرها على الانسحاب من الضفة الغربية، في ظل عدم وجود ضغوط ولا إغراءات فلسطينية أو عربية كافية لإقناع الإسرائيليين بالتنازل". ويشير الخطيب إلى أن ذلك سيؤدي إلى انهيار حل الدولتين وسقوط القيادة الفلسطينية المعتدلة، قائلاً إن "السلطة الفلسطينية ستعمل على إدارة الضفة من دون أي دور سياسي".
"مأسسة الاحتلال"
"فشل حل الدولتين يعني التسليم بالادعاء الإسرائيلي بذهاب القضية الفلسطينية في اتجاه مأسسة الاحتلال وتحويل الضفة الغربية إلى جزر معزولة، وضم مناطق (ج) إلى إسرائيل"، تقول هنيده غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية في رام الله.
وتشير غانم إلى أن حل الدولة الواحدة غير منطقي، وهو "ليس بديلاً من حل الدولتين". وتعدد عدداً من السيناريوات المحتملة، التي تراوح "بين دولة فصل عنصري أو تهجير آخر أو حكم ذاتي، كما هو الوضع الحالي، الذي قد يطول".
وتؤكد غانم أن "إنجازات إسرائيل التي فرضتها بالقوة تعتبر قصيرة الأمد، ولن تدوم"، مشيرة إلى أنها لا تضمن الأمن وملأى بأسباب الانفجار. وتضيف "لا يوجد شعب يقبل المهانة والذل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول حمادة جبر، عضو مجلس إدارة "مؤسسة الدولة الواحدة"، إن الدولة الواحدة ذات نظام الفصل العنصري قائمة منذ عام 1967، مشيراً إلى أن "اتفاق أوسلو أعطى إسرائيل غطاءً شرعياً لممارسة التمييز العنصري وسرقة الأراضي وتهويد القدس".
ويطالب جبر بحل السلطة الفلسطينية بشكل عاجل، و"تحميل إسرائيل كقوة احتلال مسؤولية إدارة الضفة وإعادة الاعتبار إلى منظمة التحرير الفلسطينية لكي تمثل جميع الفلسطينيين". ويدعو إلى تنظيم مسيرات في أنحاء فلسطين التاريخية وتنشيط حملة مقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات عليها، للمطالبة بـ"إنهاء نظام الفصل العنصري الصهيوني وإنهاء دولة إسرائيل بشكلها الحالي وحتى تغيير اسمها وعودة اللاجئين إلى ديارهم".
ويضيف جبر أن حل الدولتين لا ينهي الصراع وهو غير منصف للفلسطينيين، مشيراً إلى أن "مؤيدي حل الدولة الواحدة في تزايد". ويقول جبر إن "غالبية الفلسطينيين، وفق استطلاعات الرأي، لا يثقون بالقيادة الحالية، ولذلك لا يشاركون في المقاومة الشعبية التي تدعو السلطة الفلسطينية إلى تفعيلها".
بدوره، يرى هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية، أن الفلسطينيين لا يملكون حالياً ترف اختيار حل الدولتين أو الدولة الواحدة، "بسبب اختلال موازين القوى لمصلحة إسرائيل". ويضيف أن "إقامة دولة فلسطينية لم يكن يوماً متاحاً، بسبب الاعتماد على المفاوضات وحسن النية في تأسيسها".
السبيل المسدود إلى الدولة الفلسطينية
يجزم أنطوان شلحت، الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن حل الدولتين إنتهى بسبب عدم تمسك إسرائيل به إلا في الظاهر، بالإضافة إلى أن "الاستيطان في الضفة الغربية قضى على احتمالات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة"، خصوصاً أن "الساحة السياسية الفلسطينية لا تملك عوامل القوة الكافية للدفع قدماً باتجاه هذا الحلّ، كما أن الظروف الإقليمية والدولية لا تعمل لمصلحته".
ويؤكد شلحت أن مقترح الدولة الثنائية القومية يواجه رفضاً إسرائيلياً "شبه جارف"، بسبب التحولات التي خضع لها المجتمع الإسرائيلي على مدار العقود الماضية، التي أدت إلى زيادة تطرّفه تجاه القضية الفلسطينية، واتساع التبنّي للمواقف اليمينية المتطرفة. ويضيف أن "هذه التحولات بلغت ذروتها بسنّ الكنيست الإسرائيلي قانون القومية، الذي يحسم بأن إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي وبأن حق تقرير المصير فيها هو لليهود فحسب".
ويشير شلحت إلى أن المطروح بالنسبة إلى الضفة الغربية هو إما استمرار الوضع القائم، وإما انسحاب إسرائيلي آخر أحادي الجانب. وذلك يعني، في الحالتين، أن سبيل التوصل إلى "تسوية من خلال اتفاق الطرفين هو سبيل مسدود في الوقت الحالي حتى إشعار آخر".