نزل آلاف المناصرين لبريكست إلى ساحة البرلمان لإحياء الانسحاب الرسمي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ليلة الجمعة الماضية، على الرغم من طغيان شعور استمر لأسابيع بأن هذه اللحظة ستمر من دون أن تستوقف أحداً.
فبعد سنين من مناظرات مريرة وتناحرات داخلية، صودق على "اتفاقية الانسحاب" الأسبوع الماضي، مع قدر قليل جداً من الصخب. فمن قبيل ضبط النفس، تبنى بوريس جونسون وحكومته خيار احتفال صامت على خروج المملكة المتحدة من الكتلة الأوروبية. وفي خطاب سبق قليلاً حلول موعد الخروج، أقر رئيس الوزراء بأن هناك الكثير من الأفراد سيشعرون "بالقلق والخسارة".
وتقرر عدم إطلاق ألعاب نارية، أو دق الساعات أو ضرب الصدور (تعبيرا عن الانتصار). سيكون "يوم بريكست" فرصة للمصالحة في بلد ما زالت منقسماً على نفسه، ففي العديد من مدن اسكتلندا، نظمت احتجاجات صامتة حمل المشاركون فيها شموعاً مضاءة، بينما حث أحد النواب عن الحزب القومي الإسكتلندي بروكسل أن "تترك ضوءاً مشتعلاً" لوطن صوّت سكانه بأغلبية كبيرة لمصلحة البقاء فيه.
إلا أن التعاطف لم يكن سائداً في ساحة البرلمان التي ملأتها مياه الأمطار ليل الجمعة الماضية، حيث بدت الاحتفالات فيها أقرب إلى احتفالات فوز فريق كرة القدم بمباراة ما.
وعلى امتداد ساحة البرلمان كان هناك رجال في منتصف العمر يرتدون ثياباً على قماشها طُبع علم المملكة المتحدة، وكان ثمة كثير ممن يحملون علب الجعة، ويمكن سماع أصواتهم تنفجر معا بصرخات حماسية عاصفة: "عيد الاستقلال!" أو، ببساطة: "بريكست".
وعوض صمت ساعة بيغ بن، دُقت أجراس ساعة "بن الصغيرة" المصنوعة يدوياً، وصوتها المتواصل هو خليط من رنين جرس وصوت طبل كبير.
أما الأجنحة الأكثر تطرفا بين مناصري بريكست فقد تجسد حضورها خصوصا من خلال رجل كان يحمل شعاراً معادياً للسامية يندد بمراكز الإعلام "الزائفة" التي يمولها الملياردير جورج سوروس. ورفع آخر لافتة تقول "ضعوا الخونة خلف القضبان".
وأمام كشك قريب من موقع "بن الصغيرة" دعت مجموعة تعرف باسم "تحالف المواطنين السيادي"، إلى قانون إصلاحات في 2020 من أجل إعادة "الحقوق التي منحها الرب" إلى البريطانيين، مع مطالب تشمل حظر رفع أعلام الاتحاد الأوروبي على مبانٍ رسمية، وإنهاء "الأجندة الماركسية الثقافية" وحق حمل أسلحة نارية داخل المملكة المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت شخصيات بارزة سواء كانت فعلا مناصرة أو افتراضا للبقاء في الاتحاد الأوروبي مثل توني بلير والـ "بي بي سي" وجون ميجور، تستقبل بصيحات الاستهجان بطريقة التمثيل الصامت عند ذكرها، بينما استقبل فريق من المشاهير المناصرين لبريكست بمن فيهم رئيس شركة "وذر سبون" والكاتبة جوليا هارتلي- بريوير، بترحاب شديد حين ألقوا خطبهم أمام جموع الحاضرين.
مع ذلك، ومع مرور ساعات الليل، وامتلاء الساحة بالمحتفلين، أصبح واضحا أن الاحتفالات ستكون هادئة.
كان الشعور الطاغي في الساحة هو الإحساس بالارتياح، إن لم يكن بعدم التصديق، بأن بريكست تحقق. وقالت إحدى المناصرات للخروج من الاتحاد الأوروبي لصحيفة الاندبندنت "أنا صوّت على الخروج عام 1975، فأنا على هذا الموقف منذ مدة طويلة"، وأضافت لويز، 73 سنة، أنه "فعلا أمر مؤثر عاطفياً أن نسترجع وطننا... لا أظن أن الانسحاب سيحمل أجوبة على كل شيء، لكن على الأقل سنقرر بأنفسنا عوض أن يُملي علينا شخص آخر أفعالنا".
وعبّر زوجها غوردون، 77 سنة، الذي جاء إلى بريطانيا من إيرلندا عام 1988، عن تأييد ما قالت لويز. وقال إنه كان مناصرا لبريكست منذ عقود، وإن "هناك أوقاتا صعبة تنتظرنا، لكن كنا سنواجه كذلك أوقاتاً عسيرة لو أننا بقينا في الاتحاد الأوروبي. غير أن المهم أننا نتخذ قراراتنا بأنفسنا ونخطئ بأنفسنا".
وفي هذا السياق، أفاد كيفن أونيل، 68 سنة، القادم من والنغتون، جنوب لندن، إلى ساحة البرلمان، كي يكون جزءا من التاريخ بـ "إنها أمسية تاريخية مهمة، نحن استرجعنا استقلالانا أو على الأقل نحن في طريقنا إلى تحقيق ذلك ". وأضاف في حديثه مع الاندبندنت أن " نايجل فاراج هو رئيس الوزراء المثالي، لكن ذلك لن يحدث. لكن الناس قالوا كذلك من قبل إن هذا لن يحدث".
كان ثمة على الأقل شخص واحد متخفٍّ من أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي بين الحشد. وزعم هذا الرجل أن اسمه هو نيكولاس، وقال للاندبندنت "أنا أردت تجربة شعور ما هي عليه المعارضة لأنه ليس هنك شخص ممن أعرفه صوت للخروج".
وأضاف "وأنا أمشي بين الحشد، تذكرت قول جون سنو(مقدم أخبار قناة 4)، كيف أنه وقع في مشكلة عند قوله (يا إلهي، أنا لم أرَ هذا القدر من الأشخاص البيض من قبل). أظن أن ذلك صحيح اليوم".
من جانب آخر، كان الخطباء على المنصة يتحدثون عن عامة الناس الذي أسقطوا المؤسسة الحاكمة، والبعض نادى بالوحدة في شتى أنحاء البلد- على الرغم من صرخات كانت ترفع شعارات متطرفة أكثر كان يمكن رؤيتها بين الجمهور.
وحين ظهر نايجل فاراج أخيرا على وقع تصفيق طاغ، لخص المزاج بصياغات عمومية مشابهة. وفي خطابه تجاه أنصاره "تذكروا هذا، ما يحدث اليوم يحدد لحظة عدم العود. نحن لن نعود أبداً... أما البقية فما هي، بشكل ما، إلا مجرد تفاصيل".
وإذا كان بريكست تم تحقيقه تقنياً، فإن الكثير من الأمور المتعلقة به ما زالت أمام جونسون، وتبقى رؤيتها محددة في ما إذا النتيجة النهائية ستكون هي ما توقعه هؤلاء المحتفلون المناصرون لبريكست حين ملأوا أورقاهم التصويت.
وعلى رئيس الوزراء أن يتفاوض على اتفاقات تجارية مع بروكسل ومع واشنطن خلال عهد دونالد ترمب، وعواصم أخرى، وأن يحتكم في الموازنة بين كل مطالبهم إلى الحفاظ على مستويات عيش البريطانيين التي اعتادوها خلال أكثر من نصف قريب من عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، أصر دومينيك راب، وزير الخارجية البريطاني، بعد دق الساعة الحادية عشرة مساء، موعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، قائلاً "إننا طموحون، واثقون ومتفائلون". وفي وقت كان راب مقتنعا بأن بريكست يمكنه أن يؤول إلى "نجاح باهر"، كان رئيسه يميل إلى التحذير من "عثرات على الطريق".
© The Independent