توجّه أعضاء البرلمان الأوروبي البريطانيون إلى عملهم في ستراسبورغ للمرة الأخيرة هذا الأسبوع، فوظائفهم ستُصبح بحكم المنتهية آخر الشهر الحالي.
وبينما سيكون لدى لهؤلاء البرلمانيين بعض الأعمال في بروكسل، ومنها التصويت على اتّفاق بريكست الذي سيجرّدهم من وظائفهم، فإن الجلسة الأخيرة في ستراسبورغ تكتسب أهمية رمزية. فهي ستُعقد في القسم الفرنسي من البرلمان الأوروبي حيث يصل العمل المتعلق بالتشريع إلى أوجه.
يتعرض البرلمان الأوروبي أحياناً للسخرية من جانب البعض ممن يصفونه ببرلمان شكليّ لا حول له ولا قوة، وتكون أحياناً هذه الانتقادات في محلها.
فالنسبة لاتفاق بريكست مثلاً، ما تزال لدى البرلمانيين الأوروبيين تحفّظات كبيرة على كيفية معاملة المواطنين الأوروبيين في المملكة المتحدة مستقبلاً، حتى أنهم هدّدوا بتعطيل الاتفاق كلياً. لكن فرص نجاحهم في تحقيق هذا الهدف معدومة على أرض الواقع، فهم ببساطة لن يقدموا على هذه الخطوة. ولا شكّ أنّ البرلمانيين الأوروبيين سيبادرون إلى التراجع عن كلامهم ودعم الإتفاق تنفيذاً للأوامر التي تأتيهم من عواصم بلدانهم.
وصحيحٌ أيضاً أنّ هذا البرلمان ليس هيئة تشريعية بكل ما للكلمة من معنى، فهو عاجز عن طرح تشريعات خاصّة به لأنّ هذا الامتياز محصور بالمفوضية الأوروبية، فهو فعلياً هيئة لمراجعة القوانين الصادرة عن أجزاء أقل ديمقراطية ضمن المؤسسات الأوروبية.
كما أنّ القواعد التي تحكم النقاش داخل البرلمان رهيبة، فالفرص شبه معدومة أمام النواب الجالسين في المقاعد الخلفية كي يشاركوا في نقاش هو عادة أقرب إلى الاستعراض الكلامي الذي لا ينتهي.
لكن على الرغم من عيوب البرلمان الأوروبي الكثيرة، فإن هناك العديد من الأسباب التي تجعل بريطانيا تفتقده في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل هذه الأسباب الأكثر وضوحاً طبعاً تتمثل في أنّ المملكة المتحدة وصادراتها ستلتزم بالكثير من قوانين الإتحاد الأوروبي بعد بريكست، حتى على اساس التفسير المتصلّب الذي طرحه بوريس جونسون لنتائج الاستفتاء. لكن لن يعود لبريطانيا حقّ في أن تساهم بسنّ هذه القوانين.
كما أن البرلمان الأوروبي يلعب دوراّ آخر تستخفّ به بريطانيا كثيراً: وهو التستر على قصور الدستور البريطاني المنهك.
وبسبب انتخاب أعضائه على أساس التمثيل النسبي، يعطي البرلمان الصوت وفرصة التمثيل لمكوّنات حقيقية وشرعية للغاية في المشهد السياسي البريطاني لا تحصل على أي تمثيل داخل البرلمان البريطاني. فاز حزب الخضر مثلاً بسبعة مقاعد من أصل 64 مقعداً مخصصاً لبريطانيا داخل البرلمان الأوروبي، بينما لم يحصل سوى على مقعد واحد من أصل 650 مقعد في مجلس العموم.
مهما كان رأيكم ببريكست، من دواعي السخرية أنه لم يكن ليحصل لولا البرلمان الأوروبي. واجه حزبا "يوكيب" (استقلال المملكة المتحدة) و"بريكست" صعوبات جمّة من أجل الفوز بمقاعد في مجلس العموم لكنهما فازا مرة تلو الأخرى بعشرات المقاعد في البرلمان الأوروبي. كما استفاد نايجل فاراج، الزعيم المؤسس لحزب "بريكست"، كثيراً من النقاشات التي جرت داخل البرلمان الأوروبي لأنه سجّل خلالها أعداداً لا تحصى من الفيديوهات التي انتشرت على الإنترنت وحوّلته إلى شخصية مشهورة على مستوى العالم.
لن تفوز أحزاب مثل حزب الخضر بسحر ساحر بتمثيل داخل مجلس العموم بعد بريكست: وستُقصى بكل بساطة عن العملية السياسية. وهذا ما يشكّل فضيحة ديمقراطية.
© The Independent