باشرت مؤسسات عقابية في محافظات جزائرية مساء الاثنين في الثالث من فبراير (شباط)، تطبيق تعليمات واردة من وزارة العدل بالإفراج عن مساجين مؤهلين للاستفادة من عفو رئاسي "مشروع" أقره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وقالت مصادر لـ "اندبندنت عربية" إن العفو استثنى المحكوم عليهم لارتكابهم أعمالاً تتصل بالإرهاب، والمخدرات والتجسس، وهو "استدراك" لغياب عفو، الصيف الماضي، بسبب تجريد الدستور الرئيس المؤقت السابق عبد القادر بن صالح من هذه الصلاحية.
وبعيداً من عرف الإعفاءات الرئاسية المعتادة، وتاريخها المعتاد الموافق في الخامس من يوليو (تموز) وهو تاريخ ذكرى استقلال البلاد، أقر الرئيس الجزائري، عفواً رئاسياً وصف بالأكبر منذ عقود، ويشمل مساجين صدرت بحقهم أحكاماً نهائية مع استثناءات عدة.
وذكر مصدر من نقابة محامي العاصمة، أن مؤسسة سجن الحراش مثلاً أبلغت بالأمر مساء الأحد الماضي، في توقيت توزيع العفو على معظم المؤسسات العقابية عبر المحافظات الـ 48، وذكر المصدر أن "العفو استثنائي من حيث التوقيت لكنه من اختصاص رئيس الجمهورية القاضي الأول في البلاد، فالدستور لا يحصر هذه الصلاحية بتوقيت معين".
وذكر شقيق أحد المساجين المفرج عنهم من سجن القليعة (40 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة) لـ "اندبندنت عربية" أن "شقيقه أفرج عنه عصر الاثنين بعد قضائه 12 شهراً من أصل 20 شهراً تشكل مجموع محكوميته في قضية شجار وقع في حيه بدرقانة شرق العاصمة"، مؤكداً بداية الإفراج تباعاً عن عدد كبير من المحكوم عليهم نهائياً في قضايا غير مستثناة من العفو وفقاً للبرقية الآتية من وزارة العدل بناء على أمر رئاسي.
استدراك و"تصحيح"؟
وليس واضحاً بعد العدد النهائي المعني بالإفراج عن المساجين، وفقط يتم التداول بمعطيات عن فئة واسعة مقيدة بنص التعليمة على أساس عدد الأشهر المتبقية من المحكومية النهائية ما بين ثمانية وستة أشهر، كما قد تتوسع القائمة إلى "الذين تعرضوا إلى ظلم في فترة العصابة"، والذين تعهد رئيس الجمهورية في حملته الرئاسية برفع الظلم عنهم من دون الكشف عن المعنيين بهذا التعهد ولا طبيعة الجرائم التي اتهموا بها.
ومع ذلك، فإن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون كان "مجبراً" من باب العرف على إقرار عفو رئاسي خاص بعد استعادة مؤسسة رئاسة الجمهورية هذه الصلاحية بمجرد أدائه اليمين الدستورية، وخلا موعد ذكرى الاستقلال الماضي من إجراءات العفو لأن الرئيس بن صالح لم يملك هذه الصلاحية خلال فترة حكمه بين أبريل (نيسان) وديسمبر (كانون الأول) 2019.
وتعتمد رئاسة الجمهورية في العادة على إقرار عفو لصالح مساجين انخرطوا في إجراءات إدماج دراسية أو تكوينية أو حفظ القرآن الكريم في المؤسسات العقابية، بالإضافة إلى حالات العفو لأسباب صحية وطبية وهي كثيرة أيضاً، ويستثنى من الاستفادة من هذه الإجراءات السجناء المعنيون بأحكام الأمر المتضمن تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وكذلك المحكوم عليهم لارتكابهم، أو محاولة ارتكابهم بعض الأعمال المتعلقة بالإرهاب.
كما يشمل الاستثناء قضايا المتاجرة بالمخدرات والإرهاب والخيانة والتجسس، وأيضاً المحكوم عليهم في قضايا قتل الأصول واغتصاب الأطفال والفساد وتهريب الأموال.
ضحايا "الأيادي البيضاء"
"الذين تعرضوا للظلم من قبل العصابة"، ظل لأسابيع طويلة أحد أهم شعارات الرئيس عبد المجيد تبون، لكن لا أحد من مساعديه قدم إيضاحاً عن هوية الفئة المعنية أو المقصودة بشعار الرئيس الأبرز. وجنح مراقبون إلى طرح توقعات تعتقد أن تبون يقصد العقوبات التي طالت إطارات عليا في الدولة في فترة التسعينات ضمن ما عرف بـ "حملة الأيادي البيضاء" التي قادها رئيس الحكومة في تلك الفترة أحمد أويحيى.
وفي إفادة مكتوبة، يقول المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة لطيف عبد المجيد "تجسيد الرئيس عبد المجيد تبون لتعهده في هذا الملف يتم بطريقتين، الأولى إعادة فتح تحقيق في هذا الملف، وفق طعن مقدم من المسجونين الذين يرون أنهم كانوا ضحية لحسابات تلك الفترة، وذلك عبر الاستناد إلى مستجدات جديدة في القضية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الطريقة الثانية لإنصاف المظلومين في سجن عشرات الفاعليات منتصف التسعينات عن تهم سوء تسيير "فتتمثل في إصدار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عفواً رئاسياً عن هؤلاء المساجين، في حال كانت هناك بوادر ظلم للعديد من المتابعين قضائياً في الملف"، موضحاً أن "العفو الرئاسي هو وجود قانون يجرّم أفعالاً معينة، ويسلط عقوبة على مرتكبيها، في حين يقوم رئيس الجمهورية بتخفيف هذه العقوبة أو إلغائها طبقاً لصلاحياته الدستورية عبر استصدار هذا العفو".
لذلك ترتبط الأنظار كثيراً بهذا العفو الاستثنائي من الرئيس الجزائري حتى انتهاء المؤسسات العقابية من تحديد الفئات المعنية به، ويتوقع وفق مصادر أن يستمر تطبيق عمليات الإفراج إلى التاسع من الشهر الجاري، تاريخ بداية محاكمات تاريخية جديدة وأولها على مستوى المحكمة العسكرية بمدينة البليدة.
محكمة البليدة العسكرية
وفي سياق المحاكمات المتوقعة في فبراير الجاري، تتجه الأنظار إلى محكمة البليدة العسكرية (جنوب العاصمة) حيث ينظر مجلس الاستئناف في طعن دفاع كل من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، ومحمد مدين (توفيق) مدير المخابرات السابق، وبشير طرطاق (عثمان) مدير المخابرات الذي خلف توفيق سابقاً، وأيضاً الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، والأربعة حكم عليهم خلال الخريف العام الماضي بـ 15 سنة نافذة في تهم تتصل بـ "المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة"، أما الملفت في القضية الجديدة فتوقعات من أنصار الأمينة العامة لحزب العمال بإفادة محتملة لها بالبراءة.
أما على مستوى القضاء المدني، فيمثل مجدداً كلٌ من الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، والوزير الأول السابق عبد المالك سلال، ومن معهما أمام الغرفة الجزائية بمجلس قضاء العاصمة بتاريخ 12 فبراير بعدما استأنفوا الأحكام الصادرة ضدهم عن المحكمة الابتدائية إلى جانب النيابة العامة، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي في قضايا فساد مالي.
كما برمجت محكمة سيدي محمد بالجزائر العاصمة، قضية المدير العام السابق للأمن الوطني، وعدداً من أبنائه للمحاكمة يوم 19 فبراير في تهم الثراء الفاحش غير المشروع واستغلال النفوذ وإساءة استغلال الوظيفة.