بعد أكثر من 12 يوماً على إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة وبعد تسريب مسودةٍ للبيان الوزاري، ما زال رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب متمهلاً، وينتظر حتى بعد غد الخميس 6 فبراير (شباط)، لإقرار البيان في جلسة مجلس الوزراء على أن يُرسَل بعد ذلك إلى البرلمان لمناقشته والتصويت عليه.
وبات النصاب لجلسة البرلمان مؤمَناً كما الثقة بالحكومة الجديدة، في حال تمكن النواب من الوصول إلى البرلمان في ظل تحضيرات يجريها الحراك المدني في الشارع رفضاً لحكومةٍ يعتبرها "تكنوقراط مقنّعة" أعادت الطبقة السياسية ذاتها إلى الحكم ولكن بوجوه جديدة.
وبعد نيل الثقة تبدأ المحاسبة، فإما العمل والنجاح وإما إفلاس لبنان.
وكانت الحكومة في بيانها الوزاري المرتقب وضعت أطراً زمنية لالتزاماتها تبدأ من 100 يوم وتمتد حتى 3 سنوات.
وستحدد أطر العمل تلك ما إذا كانت الحكومة جادة بوعودها لتحقيق طموحات اللبنانيين أو أن وعودها ستبقى حبراً على ورق.
مبدئياً، النجاح صعب، ففي الواقع السياسي لم يتغير شيء، القوى السياسية والمحاصصة ما زالت على حالها، فهل ستذعن لمطالب دياب بإصلاح المؤسسات الرسمية ومحاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة والشفافية.
خريطة طريق البيان الوزاري
يأخذ الواقع الاقتصادي حيزاً كبيراً في البيان الوزاري الذي يقارب الأزمة المالية، ولكن من دون طرح حلول جذرية. وأتت ردود الفعل على مسودة البيان المسرَبة بمعظمها سلبية على الرغم من اعتراف البعض بنقاط إيجابية، فالبيان لا يحاكي تحدّيات المرحلة الفعلية بل لحظ دعم المصارف والخصخصة لخفض الدين والعجز وتخفيف كلفة القطاع العام، ولكنه اعتمد في طرحه للحلول المالية على الورقة الإصلاحية التي طرحها رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، التي تعتمد على القطاع المصرفي ومصرف لبنان المركزي لمواجهة التحدّيات المالية وهو الخيار الأسهل للتطبيقَ.
وتصدر موضوعا الإصلاحات القضائية واستقلالية القضاء، بنود الإصلاحات التي تتعهد حكومة دياب بتنفيذها وأبرزها إنجاز القوانين المتعلقة باستقلالية القضاء وإنجاز التعيينات والتشكيلات القضائية من دون تدخل سياسي. كما تم التطرق إلى التسريع في إقرار القوانين ومنها تلك التي تحمي المرأة وحق الأم اللبنانية في إعطاء الجنسية لأبنائها.
وتصدرت مكافحة الفساد أيضاً البيان الوزاري والتزمت الحكومة خلال 100 يوم من نيلها الثقة، بإقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والإسراع بتنفيذها واسترداد الأموال المنهوبة في أقل من سنة. والتزمت الحكومة بمسار مؤتمر "سيدر" الدولي لمساعدة لبنان ومشاريعه.
كما تطرق بيان حكومة دياب إلى تصحيح المالية العامة عبر مكافحة التهرب الضريبي وإعادة هيكلة القطاع العام والتعاون بين وزارة المال ومصرف لبنان لخفض معدلات الفوائد عموماً وعلى القروض والسندات خصوصاً. وذكر البيان مسألة معالجة الأزمة النقدية والمصرفية وحماية أموال المودعين، لا سيما أصحاب المبالغ الصغيرة منهم.
وقارب البيان التشدد في معالجة موضوع الطاقة وتقوية شبكات الأمان الاجتماعية وتحفيز النمو الاقتصادي عبر دعم القطاعات الإنتاجية واللجوء إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المشاريع الحكومية وتفعيل العلاقات الدبلوماسية مع الاغتراب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقاربة غير شاملة والعبرة في التنفيذ
ويرى الأستاذ الجامعي مروان ميخايل إيجابيات عدة في البيان الوزاري، لعل أهمها تعزيز استقلالية القضاء، وإقرار قانون المشتريات المهم لتحسين الإدارة المالية، تعيين الهيئات الناظمة ومجلس إدارة كهرباء لبنان، وهي في صلب متطلبات مؤتمر "سيدر". ويلحظ البيان إيجابية أيضاً في وضع إطار زمني للإنجازات ما يسهل المحاسبة ولكنه يشكك بقوة في قدرة هذه الحكومة على مكافحة الفساد كون هذا المسار طويلاً ولا يمكن إنجازه خلال 3 سنوات.
وعلى الرغم من أن البيان لامس بعض الأمور التي يصعب تحقيقها إلا أنه أغفل مواضيع مهمة، بحسب مخايل، فلم يأت على ذكر السيولة التي يحتاجها لبنان بشدة ومن دون تأخير وهي غير متاحة حالياً، إلا عبر مساعدة من صندوق النقد الدولي. ويقول مخايل إن لبنان بحاجة إلى ضخ 3 أو 4 مليارات دولار لإعادة الحياة إلى الاقتصاد، كما لم يلحظ البيان أي خطط لإعادة هيكلة الدين العام الحتمية التي لن تمر إلا بالتزامن مع رعاية ومساعدة من صندوق النقد، فالدائنون الدوليون لن يفاوضوا على إعادة هيكلة من دون ضمانات دولية يؤمنها وجود صندوق النقد الدولي.
ويرى مخايل أن مشاريع "سيدر" "لا تحل الأزمة التي باتت أعمق".
كما لم يتطرق البيان الوزاري إلى تنظيم تقييد رأس المال أو ما يعرف بالـ "Capital Control"، الذي أصبح ضرورياً، ويرى ضرورةً في وقف تحويلات الودائع من الليرة إلى الدولار لعدم الضغط على ميزانيات المصارف.
وعلى الرغم من ذلك، يجب اليوم نظراً إلى خطورة الوضع، بحسب مخايل، "منح الحكومة كما الدول الأوروبية فترة سماح تمتد إلى 6 أشهر لنرى الإنجازات ونحكم على الإخفاقات".
إنقاذ المصارف حاجة ملحة
أهم ما يحتاجه الوضع الاقتصادي اللبناني بحسب الدكتور كامل وزني، هو "نظام مصرفي جديد يعيد الثقة المفقودة إلى القطاع المالي، فشح السيولة والقيود المشددة الجديدة التي وضعتها المصارف أخيراً وفرضت بموجبها سقفاً متدنياً جديداً للسحوبات النقدية، تقرع جرس الإنذار، فالمودعون في بعض المصارف في لبنان لن يستطيعوا سحب أكثر من 300 دولار نقداً كل أسبوعين لأصحاب الحسابات التي تقل عن 100 ألف دولار و500 دولار كل أسبوعين للحسابات التي تقل عن مليون دولار و1000 دولار كل أسبوعين للحسابات التي تفوق المليون دولار.
وشدد وزني على السياسات النقدية المتبعة خلال السنوات الماضية والتي كانت قائمة على أموال المغتربين اللبنانيين والتي توقف تدفقها. واعتبر أن "المشكلة هي أنه لم يعد أحد يثق بالقطاع المصرفي اللبناني، الذي أصبح بحكم الميت لذلك ما نحتاجه اليوم هو الشفافية. المراقبة والمحاكمة، أمور لم يذكرها بصراحة البيان الوزاري".
وعبّر وزني عن اعتقاده بأن "استقلالية المصرف المركزي منذ عام 1992 دفعت إلى غياب الشفافية وإدراك المخاطر، وهي تحديداً ما أوصل لبنان إلى ما هو عليه اليوم". ورأى أيضاً أن "أحد أسباب الأزمة النقدية هو عدم وجود قوانين لفصل العمل بين البنوك التجارية التقليدية وبنوك الاستثمار. فأموال اللبنانيين اختلطت وأصبحت كلها من دون تمييز في توظيفات خطرة كسندات الخزينة".
وقال وزني إن "وجود حكومة أفضل من اللا حكومة، فالفراغ قاتل ولكن أيضاً لبنان بحاجة إلى حكومة تجري إصلاحات جذرية، بينما تفتقد ورقة البيان الوزاري إلى قرارات تلحظ بعض الاستثمارات في البنى التحتية. فلبنان ليس بحاجة إلى أموال من الخارج بل أموال واستثمارات من الداخل والتعويل على قطاعات واعدة كالقطاع السياحي". وأضاف أن "في البيان الجديد تكراراً لمواضيع قديمة برزت في البيانات الوزارية الأخرى. والكلام عن موضوع الكهرباء الذي كلّف الخزينة 47 مليار دولار من دون قراءة دقيقة لحل هذه الأزمة، غير كافٍ، فالطروحات كثيرة والحلول العملية القابلة للتنفيذ السريع ضئيلة".