لا يمكن للعالم أن ينتظر انقشاع ضباب الريبة تجاه القضايا الجيوسياسية والاقتصادية، فعليه أن يختار كيف يخرج من المرحلة الراهنة أملاً في أن يعود النظام العالمي إلى طبيعته وألا يجازف بإضاعة الفرص السانحة بالغة الأهمية لمواجهة التحديات المُلِحَّة.
أما فيما يخص القضايا الرئيسة كالاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا والصحة العامة، فيجب على الأطراف المحرِّكة إيجاد طرق تساعدها على التصرف بشكل سريع ويضمن تحديد الأهداف الصحيحة ضمن مشهد عالمي غير مستقر، هذا ما عنونته النسخة الخامسة لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أخيراً حول المخاطر العالمية.
خسائر الناتج المحلي العالمي
ويقدِّر الاقتصاديون أنه في العقود المقبلة ستتسبب الأوبئة في متوسط خسائر اقتصادية سنوية تبلغ 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو تهديد مماثل في الحجم للتهديد المقدر بتغير المناخ، وهذا هو مستوى المخاطرة التي لم تعد الشركات قادرة على تجاهلها.
ومن المتوقع طبقاً لبيانات المنتدى الاقتصادي العالمي، أن يرتفع الإنفاق العالمي على الرعاية الصحية من 7.7 تريليون دولار في عام 2017 إلى 10 تريليونات دولار في عام 2020، في حين أن ظهور الطب الشخصي، وزيادة كميات البيانات، ودخول منافسين غير تقليديين، والطلب على مواقع تقديم الرعاية الأوسع، ونماذج التمويل العام، تؤثر جميعها على الأداء المالي لنظام الرعاية الصحية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد يكون تفشي الأمراض المعدية أمراً لا مفر منه، لكن الأضرار الاقتصادية التي تسببها ليست كذلك، إذ إن مساعدة الشركات على فهم هذه المخاطر بشكل صحيح سيمكنها من الحد من تحسين قدرتها على الصمود، إلى جانب توفير الفرص الرئيسة للتعاون بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الأمن الصحي العالمي، ومن خلال القيام بذلك لا تعمل الشركات فقط لمصالحها التجارية الخاصة، ولكن أيضاً تساعد في التخفيف من الآثار المدمرة المحتملة للأمراض المعدية، من الناحية الإنسانية والاقتصادية.
تحديات التغير المناخي
أما التغير المناخي فهو أصعب وأقوى بكثير مما توقع الكثيرون، وقد سجّلت السنوات الخمس الماضية أعلى درجات الحرارة على الإطلاق، فيما زادت الكوارث الطبيعية في العدد والشدة، وشهد العام الماضي ظواهر طقس متطرفة للغاية لم يسبق لها مثيل حول العالم.
ومن المثير للقلق، أن درجات الحرارة العالمية سترتفع ثلاثة درجات مئوية على أقل تقدير مع نهاية القرن الحالي، وهو ضعف ما حذّر منه خبراء المناخ بوصفه الحد الأقصى لتفادي أشد وأعنف العواقب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتضاف تأثيرات التغير المناخي على المدى القريب إلى حالة الطوارئ التي ستسود العالم والتي ستترتب عليها خسائر في الأرواح وتوترات اجتماعية وجيوسياسية وآثار اقتصادية سلبية.
مخاطر بيئية
وللمرة الأولى منذ إطلاق الدراسة المسحية التابعة لتقرير المخاطر العالمية والتي يجريها المنتدى الاقتصادي العالمي، تهيمن المخاوف البيئية على المخاطر الرئيسة على المدى الطويل من ناحية احتمالية الحدوث، على إجابات الأعضاء التي شملتهم الدراسة، وهم من أصحاب المصالح المتعددة، فثلاثة من أكبر خمسة مخاطر من حيث التأثير هي أيضاً بيئية.
وبحسب الدراسة، يعد "الفشل في التخفيف من التغير المناخي والتكيف معه" الخطر الأول من حيث التأثير والثاني في احتمالية الحدوث على مدى السنوات العشر المقبلة، ويُظهر أعضاء مجتمع مشكلوا العالم التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، مزيداً من المخاوف، ويصنفون القضايا البيئية كأبرز المخاطر على المدى القصير والطويل.
ويرى الأفراد الذين شملتهم الدراسة أن معدل فقدان التنوع البيولوجي هو ثاني المخاطر تأثيراً والثالث من ناحية احتمالية الحدوث خلال العقد المقبل، فمعدّل الانقراض الحالي أعلى بعشرات المئات من المرات من المتوسط خلال العشرة ملايين سنة الماضية، وهو في زيادة مستمرة. ولفقدان التنوع البيولوجي آثار حساسة وخطيرة على البشرية جمعاء، فهو يعني انهيار الأنظمة الغذائية والصحية، وحدوث اضطرابات في سلسلة الإمداد بأكملها.
يقول جون درزيك، رئيس مجلس إدارة شركة مارش آند ماكلينان انسايتس "هناك ضغوط متنامية على الشركات من قبل المستثمرين والجهات التنظيمية والعملاء والموظفين لإثبات مرونتها وقدرتها على التكيف مع التقلبات المناخية المتصاعدة".
وأضاف "إن التقدم العلمي الذي وصلنا إليه اليوم، يعني أنه بات بالإمكان دراسة ونمذجة المخاطر المناخية بدقة أكبر ودمجها في برامج إدارة المخاطر وخطط الأعمال، وعلاوة على ذلك فإن الأحداث المتطرفة مثل حرائق الغابات التي اندلعت أخيراً في أستراليا وكاليفورنيا تلقي بمزيد من الضغوط على كاهل الشركات للتحرك واتخاذ إجراءات حيال المخاطر المناخية، في الوقت الذي تواجه فيه تلك الشركات أيضاً تحديات أكبر من التهديدات الجيوسياسية والإلكترونية".
البشرية في مواجهة الأوبئة
في الذكرى المئوية لوباء إنفلونزا 1918، من المغري الاعتقاد بأن العالم قد شهد بالفعل أسوأ وباء، ومع تنامي التجارة والسفر والكثافة السكانية والتشرد البشري والهجرة وإزالة الغابات، ومع تغير المناخ بدأ عصر جديد في خطر انتشار الأوبئة. لقد زاد عدد وتنوع الأحداث الوبائية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وهو اتجاه من المتوقع أن يزيد حدةً.
ويتوقع العلماء أن يصل عدد سكان العالم إلى 11 مليار نسمة بحلول عام 2100، وستكون إحدى عواقب هذه الزيادة تحديات جديدة في السيطرة على تفشي الأمراض.
ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع عدد السكان إلى زيادة معدل الأمراض المعدية الجديدة الناجمة عن الفيروسات الناشئة والبكتيريا المقاومة للعقاقير، وهو اتجاه لوحظ بالفعل خلال العقود القليلة الماضية.
ويراقب العلماء الفيروسات الجديدة التي قد تتسبب في حدوث الوباء التالي، ويحاولون إيجاد علاجات جديدة لمسببات الأمراض التي كانت موجودة منذ زمن طويل في تاريخ البشرية ولكنها تطورت وأصبحت مقاومة للأدوية المتاحة.