إخراج: مارييل هيلر.
بطولة: توم هانكس، ماثيو ريس، سوزان كيليتشي واتسون، وكريس كوبر.
التقييم الرقابي: ينصح بوجود الأهل.
المدة: 108 دقائق.
في جولة سريعة في الذاكرة، أستحضر هذا المشهد: يُفتح باب، لنرى خلفه منزلاً مريحاً في أحد الضواحي، تزينه ألوان دافئة وخشب ملمَّع. إنه فوضوي وجامد بعض الشيء، لأن المسلسلات التلفزيونية تميل إلى أن تكون كذلك، ولكنها كلها تغريك بالبقاء برفقتها. ثم يدخل فرِد روجرز. يخلع سترة بزته وحذاءه الرسمي، ويرتدي سترة صوفية حمراء اللون وحذاء رياضياً. وفيما يفعل ذلك، كان يغني متوجهاً إلى الكاميرا: "إنه يوم جميل في هذا الحي / يوم جميل لأحد الجيران/ هل ستكون لي؟ هل يمكن أن تكون لي؟". بهذه الطريقة، كانت تبدأ كل حلقة من مسلسل الأطفال "حي السيد روجرز".
استمر عرض المسلسل من عام 1968 إلى عام 2001 ، وخلال تلك الفترة، أصبح روجرز المرشد الروحي الأميركي غير المتوقع. ساعد القس السابق في الكنيسة المشيخية، بكلماته الناعمة وقلبه المفتوح، في توجيه الأطفال والعبور بهم إلى بر الأمان في خضم المآسي المعقدة في عالم الكبار، سواء كانت حالات موت أو طلاق أو حرب. عندما كانت الكوارث تضرب، كانت كلماته عبارة عن أداة للمواساة "ابحثوا عمن يساعدون. ستجدون دائماً أشخاصاً يقدمون يد العون".
لم يكن أي فيلم أبداً يأمل أن يكشف الجانب المظلم لرجل خيّر محاط بهالة شبه أسطورية. ومهما كانت عيوبه، فقد أُبقيت بعيدة عن أنظار العامة. من خلال صناعة فيلم "يوم جميل في الحي"، تتبنى المخرجة مارييل هيلر هذا الشعور باستحالة تعرية شخص كهذا. وبدلاً من محاولة استكشاف موضوعها، تحاول المخرجة سبر الطبيعة الفريدة لصورة روجرز. هكذا يأتي فيلمها الجديد منسجماً بشكل كامل مع أعمالها السابقة، "هل تستطيع أن تغفر لي أبداً؟" و "مذكرات فتاة مراهقة"، فكلها ترسم صوراً ذكية تنطوي على التعاطف الإنساني.
العمل مستوحى من موضوع غلاف كتبه الصحافي توم جونود عن روجرز لمجلة "إيسكوير" التي نشرته عام 1998. حوّل كاتبا السيناريو ميكاه فيتزيرمان بلو ونواه هاربيستر الصحافي جونود إلى شخصية خيالية هي لويد فوغل (الممثل ماثيو ريس) من أجل نسج خلفية مضطربة، فلويد منفصل عن والده (الممثل كريس كوبر)، الذي تتكشف خيانته العظيمة ببطء وبدقة على مدار الفيلم. يسخر لويد من رئيسة تحريره عندما تكلفه أولاً بإعداد مقال تعريفي بروجرز، فهو لا يكتب "مقالات خاوية"، لكن لا يلبث أن يصبح جل اهتمامه منصباً على نزع تلك الهالة الملائكية التي تغلف الرجل للعثور على الظلام في داخله.
يثبت روجرز أنه خصم قادر على إخفاء وجهه الحقيقي في هذه اللعبة. فالواقع أنه عندما ينظر لويد في عيني الشخص الذي يجري لقاء معه، فإنه ينظر أيضاً، بطريقة تشبه كسر الحاجز مع المشاهدين، في عيني الممثل الذي يلعب دوره، أي توم هانكس، وهو أحد الكنوز الأميركية القليلة التي قد تكون مساوية لروجرز من حيث الإحساس بالعطف والطيبة. ويُعد اعتراف أكاديمية فنون وعلوم السينما بمثل هذا العمل الدقيق نوعاً من الانتصار، فبفضل دوره في الفيلم رُشّح هانكس لجائزة الأوسكار للمرة الأولى في 19 عاماً. لم يكن النجم يوماً ممثلاً مهووساً بتقليد الشخصية التي يؤديها، لذا يكتفي هنا بتخفيف صوته والحديث ببطء قليلاً، بينما يترك نبرة النهايات في جمله ترتفع نحو السماء. ويوظف ما تبقى من أدائه في اتقان نظرة مباشرة، ولكن رؤوفة. وفي لحظة صمت حاسمة، ينظر إلينا مباشرة.
إنها لحظة تدخل من جانبه بالنسبة لكل من لويد والمشاهدين. فالصحافي مشلول عاطفياً بسبب الغضب الذي يشعر به تجاه والده، والممثل ريس ماهر في التعبير عن الإنهاك المترسّخ في نفس رجل لم يحظ بنوم هانئ في ليلة واحدة في حياته على الإطلاق. أما المشاهدون، فستنكأ الصور جراحهم فحتماً سيضرون جراحهم ومتاعبهم العصبية. لم يجد لويد الأسرار المعيبة الخفية التي كان يبحث عنها في شخصية روجرز. ولم يكشف روجرز عن سر القداسة التي تمتع بها. لكن فيلم "يوم جميل في الحي" هو في جوهره، يدور حول العمل الشاق والمستمر كي تصبح شخصاً أفضل. ومثلما فعل روجرز نفسه، تجد المخرجة هيلر أفضل الطرق لإيصال رسالة لا تهاون فيها حول الجهود المضنية للتحول إلى شخصية أحسن.
© The Independent