بدأت الجهود الحثيثة التي بذلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ليحقّق لنفسه سلطة أكبر داخل الحكومة الأميركية، تثير مزيداً من إشارات الحذر، في وقت يتّهم فيه المعارضون الرئيس بأنه صمّم لنفسه الآن نفوذاً قانونياً كبيراً داخل وزارة العدل.
وبحسب تقارير أخيرة لشبكة "أن بي سي" الأميركية نقلاً عن "عددٍ من الأشخاص العارفين بخفايا الأمور"، يتولّى المدّعي العام وليام بار السيطرة بشكل متزايد على "المسائل القانونية التي تهمّ الرئيس دونالد ترمب".
وعلى نطاق واسع، قُرأت تلك الخطوة بوصفها تشكّل تآكلاً لفصل السلطات بين مكتب الرئيس الأميركي والنظام القضائي في الولايات المتّحدة، مع الإشارة إلى أن ذلك الفصل يشكّل حجر زاوية بالنسبة إلى الديمقراطية في البلاد. وقد تصاعدت المخاوف بعد تدخل المدّعي العام بار في قضية روجر ستون، على ما يبدو.
وفي العام الماضي، دين ستون بسبع تهم تشمل التلاعب بالشهود والكذب على المحقّقين في ما يتعلق بعمله في إطار حملة دونالد ترمب. في المقابل، عمد الرئيس الأميركي أخيراً إلى انتقاد الحكم الذي أوصى به المدّعون في قضية ستون، وقوامه السّجن لمدة تسع سنوات.
ووصف ترمب في تغريدة له عبر حسابه على "تويتر"، الحكم بأنه "رهيب ويشكّل وضعاً غير منصف... حدثت الجرائم الحقيقية على الجانب الآخر الذي لم يحدث شيء لأصحابه... لا يمكن السماح بهذا الإجهاض للعدالة".
في مقلب مغاير، دانت السياسية الديموقراطية نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النوّاب الأميركي، تغريدة ترمب، معتبرة إن "الرئيس الأميركي أقحم تدخّله السياسي في الحكم القضائي على روجر ستون." ورأت أنه يجب التحقيق في تصرّفاته [الرئيس].
وفي وقت لاحقٍ من يوم الثلاثاء الماضي، قدّم فريق الادّعاء في القضية استقالة جماعية، عندما أعلنت وزارة العدل الأميركية التي يُقال إنها تخضغ لإشراف المدّعي العام وليام بار، أنها تخطّط لتخفيف العقوبة الموصى بها في حقّ ستون.
وفي المقابل، ألغت إدارة الرئيس الأميركي ترشيح المدّعية جيسي ليو التي أشرفت على قضية ستون، لتولّي منصب وكيلة وزارة الخزانة. وفي وقت سابق، أشرفت ليو
على التحقيق الجنائي غير المنتهي مع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق آندرو ماكابي الذي اتّهمه المفتش العام لوزارة العدل بالكذب على المحقّقين. ولم يوجه اتّهام إلى ماكابي على الرغم من أن الرئيس الأميركي طالب مراراً بوجوب إرساله إلى السجن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي تدخّلات ترمب والمدّعي العام وليام بار في وزارة العدل، في وقت يهاجم فيه الرئيس المسؤولين الذين استُدعوا للإدلاء بشهاداتهم في إجراءات العزل ضدّه. وقد طلب السياسي الديموقراطي تشاك شومر، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأميركي، من المفتش العام في وزارة العدل بـ"فتح تحقيق فوري في الموضوع".
وفي حديثٍ مع الصحافيّين في واشنطن، ذكر شومر أنه "يبدو أن الرئيس يعتقد أن وزارة العدل برّمتها ليست سوى مجرّد دعوى قضائية شخصية لمقاضاة أعدائه ومساعدة أصدقائه". وأضاف، "إن سيادة القانون في هذه الممارسة العريقة التي تنهض بها وزارة العدل الرائعة، قد حُرّفت تماماً كي تتناسب مع رغبات دونالد ترمب واحتياجاته الشخصية... إنها فعلاً وصمة عار".
وفي نفسٍ مُشابه، اعتبر الدكتور براين كلاس الأستاذ المحاضر في "كلية لندن الجامعية"، والخبير في الشؤون الديمقراطية والسلطوية والسياسة الأميركية، إن دونالد ترمب ووليام بار [تسبّبا] "في انتهاك خطير للمعايير الديمقراطية في الولايات المتّحدة".
وأضاف الدكتور كلاس، "كي تكون الدولة ديموقراطية، يجب أن تكون سيادة القانون منفصلةً تماماً عن المكائد السياسية. ففي الأنظمة الاستبدادية، والدول التي تتوجّه نحو الاستبداد مثل تركيا أو هنغاريا، تُعتبر سيادة القانون سلاحاً يستخدمه الزعيم. إنهم يستعملونها لحماية حلفائهم وللتحقيق مع خصومهم السياسيّين.
وأشار إلى أن "الرئيس الأميركي ترمب وجد في المدّعي العام بار، شخصاً مستعدّاً لإخضاع حكم القانون لنزواته ورغباته. ومن اللافت أنه لا يفعل ذلك سرّا، بل يدعو ترمب علناً إلى التحقيق في منافسين سياسيّين له. وقد طالب مراراً بسجن معارضين سياسيّين. والآن، تشارك وزارة العدل التي يفترض أن تكون منفصلةً عن السياسة، بشكل مباشر في قضية تخفيف الحكم عن روجر ستون صديق الرئيس ومستشاره لفترة طويلة".
وكذلك أشار كلاس إلى أن "هذه الخطوة تأتي بعد فترة قصيرة من تغريدة كتبها دونالد ترمب وتتعلّق برفضه لطريقة التعامل مع القضية [الحكم على ستون]. إن ذلك يشكّل خرقاً خطيراً للمعايير الديمقراطية، ويمثّل إنذاراً جدّياً عن تآكل المؤسّسات الديمقراطية في الولايات المتّحدة. فعندما ينهار حكم القانون، يليه حكماً تراجع الديمقراطية".
© The Independent