تحت شعار "ارحل يا عباس"، احتشد الآلاف من أهالي الأسرى والقتلى والجرحى، وعدد من الموظفين التابعين للسلطة الوطنية الفلسطينية، المقطوعة رواتبهم من قبل وزارة المالية، في ساحة السرايا وسط مدينة غزّة، لمطالبة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بالرحيل.
جاء هذا الحراك بدعوة من الحملة الشعبية المطالبة برحيل عبّاس، على خلفية إجراءاته الأخيرة بحقّ موظفي السلطة في قطاع غزّة، ورفضاً لسياساته ضدّ القوى الوطنية والأحزاب المعارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وإلى جانب التظاهرة، التي خرجت في القطاع، غرّد رواد مواقع التواصل الاجتماعي على وسم "#ارحل"، وعلّل الناشطون غضبهم على عبّاس بقطعه رواتب الموظفين. في المقابل، ردّ مؤيدو عباس بوسم "#اخترناك"، في حين خرجت مسيرات مؤيدة له في الضفة الغربية.
وبدأت سياسة خصم الرواتب في مارس (آذار) 2017، واستمرت حتى اليوم، وقد راوحت نسبة الخصم بين 30 إلى 70 في المئة من قيمة راتب الموظف. وفي التاريخ ذاته، بدأت وزارة المالية بفرض التقاعد المبكر على الموظفين، وفق نقابة الموظفين العموميين.
ومن بين المقطوعة رواتبهم، هالة الحسنات، والدة أحد القتلى، التي تعيل أسرته المكوّنة من خمسة أفراد. وتقول "كنت أتلقى راتب الشهيد المقدر بحوالي 1500 شيكل (400 دولار)، لأُعيل من خلاله أطفاله، وهم بحاجة إلى مستلزمات كثيرة، لا أستطيع توفيرها الآن بعدما قُطِع راتبه".
تعيش الحسنات في بيت متواضع جدرانه متهالكة، وفق وصفها، وزوجها لا يعمل بسبب مرضه، وهي تعتمد على راتب ابنها. وتضيف "إذا استمر قطع الرواتب، فإنّ أطفاله لن يستطيعوا الذهاب إلى المدرسة، ولن نتمكن من تأمين أكلنا اليومي".
لا تختلف حالة والدة الأسير صالح خضورة كثيراً. إذ تعيل هي الأخرى أطفال ابنها، الذي يقضي عامه الـ 20 في السجون. وتقول "خرجت اليوم أناشد الرئيس بضرورة إعادة راتب ابني، الذي أُعيل من خلاله الأطفال، وقطع الراتب يزرع الحقد داخل أطفالنا على الرئيس، بدلاً من تجميع الكل حوله لمصلحة القضية الفلسطينية"، مشيرة إلى أنّ مستلزمات أسرتها تتعدى قيمة راتب الأسير.
وكان من بين الذين خرجوا في التظاهرة المصاب خليل أبو فول، الذي بُتِرت قدمه في العدوان الإسرائيلي في العام 2008، ويقول إن "ما قام به الرئيس عباس جريمة تنذر بموت المئات من أمثالي".
ضرب أبو فول على قدمه المبتورة ضربتين، موحياً بالألم الذي أصابه، ليضيف "أحتاج إلى علاج شهري، بتكاليف تفوق 200 دولار، ولا يمكن أن أستغني عن المسكنات التي أتناولها"، وقد انهمرت دموعه. "مصاريف العلاج تفوق طاقتنا المعيشية، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في قطاع غزّة"، وفق ما قال.
يستكمل أبو فول "براتبي كنت أعيل أسرتي المكونة من ستة أفراد، من بينهم طالبان في الجامعات الفلسطينية، إضافة إلى دفع بدل إيجار البيت".
ويُقدّر عدد الموظفين المقطوعة رواتبهم الشهر الماضي بـ 5043 موظفاً، من بينهم 1719 موظفاً مدنياً و1512 موظفاً عسكرياً و112 من تفريغات العام 2005، وحوالي 1700 من الأسرى المحرّرين والجرحى في قطاع غزة.
ويقول المحلّل الاقتصادي سمير أبو مدلّلة إنّ "عبّاس حلّ أزمته المالية بقطع الرواتب أو فرض التقاعد المبكر على موظفي الحكومة في غزّة. فهو قطع الأموال عن موظفي غزّة، الذين لا يعملون، لسد العجز المالي وتسديد مستحقات موظفي الضفة الغربية الذين يعملون، فضلاً عن وجود بُعد سياسي للقرار".
ويتوقع أبو مدلّلة مساواة الرواتب بين موظفي الضفة الغربية إذا لم تستلم السلطة الفلسطينية أموال المقاصة من إسرائيل، أو في حال تعنّت إسرائيل باقتطاع حوالي نصف مليون شيكل (150 ألف دولار) منها، مشيراً إلى أنّ وزارة المالية ستخفّض قيمة فاتورة السلطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال عارف أبو جراد، نقيب الموظفين العموميين التابعين للسلطة الفلسطينية، إنّ سبب قطع الرواتب لا يعلمه إلا مجلس الوزراء ووزارة المالية، التي "لا تطلعنا على الأسباب والأرقام الحقيقية".
وأشار أبو جراد إلى وجود توجّه لدى وزارة المالية بمساواة رواتب الموظفين في السلك الحكومي بين الضفة الغربية وقطاع غزّة، بعد قرصنة إسرائيل أموال السلطة من المقاصة، ما يعني أنّ هناك أزمة مالية كبيرة تواجه السلطة الوطنية، خصوصاً أن عدد موظفي السلك الحكومي في الضفة الغربية يقدّر بأكثر من 70 ألف مدني وعسكري.
وفي شأن التقاعد المبكر للموظفين، بيّن أبو جراد أنّ هذا الإجراء يُخالف بنود قانون الوظيفة العمومية بين الحكومة والموظف، موضحاً أنّ عدد الذين يُفترض بهم التقاعد يفوق الـ 35 ألف موظف مدني وعسكري، ما أدى إلى انخفاض عدد موظفي السلك الحكومي إلى 27 ألفاً من أصل 75 ألف موظف قبل الانقسام الفلسطيني في العام 2007.
ومن جهة الفصائل، رفضت الجبهتان الشعبية والديمقراطية هذه التظاهرة، ووصفها حزب الشعب بالمعيبة، في حين وقفت حركة الجهاد الإسلامي على الحياد، واعتبرتها حركة "فتح" خروجاً عن الصف الوطني الفلسطيني. أمّا حركة "حماس" فغابت قياداتها عن المشهد، لكن بعض أنصارها والمقربين منها شاركوا في التظاهرات.