يتفق الخبراء والسياسيون، سواء كانوا في موقع الموالاة أو في المعارضة، على أن الدولة اللبنانية تحتاج بشكل ملح إلى مصدر يضخ في أسواقها العملة الأجنبية، التي باتت نادرة ولكنها لا تزال ضرورية لتأمين حاجات ومتطلبات أساسية كلها مستوردة وبالدولار في شكل خاص.
السؤال الأكثر تداولاً: هل يمكن الدولة اللبنانية التي تبحث عن نصائح لكيفية سداد ديونها الخارجية، هل ستتمكن من دفع مصاريفها الداخلية والمقدرة بالمليارات على قطاع الكهرباء والرواتب وغيرها من الاستحقاقات؟ وهل الإصلاحات الاقتصادية، بدءاً من ملف الكهرباء مروراً بالتهرب الجمركي والضريبي وتقليص حجم القطاع العام، إذا تحققت، هي كافية وحدها لسداد الديون المستحقة المقدرة بـ 90 مليار دولار، ووقف الانهيار والعودة بالوضعين المالي والاقتصادي إلى ما كانا عليه سابقاً قبل الأزمة؟
الإصلاحات الاقتصادية ضرورية، يقول نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني لـ "اندبندنت عربية"، فهي قد تسهم في تأمين المساعدات الخارجية المطلوبة، لكنها وحدها لا تكفي. فقبل الإصلاحات الاقتصادية، يقول حاصباني، على السلطة السياسية أن تقوم بإصلاحات سياسية، في مقدمها تثبيت استقلاليتها عن حزب الله وحصر القرار الإستراتيجي في يد الدولة اللبنانية.
مسار تصاعدي
وتكفي مراجعة أرقام الدين المتراكم في لبنان منذ عام 1990 حتى اليوم، كي نعرف حجم الأثر السلبي للقرارات السياسية لحزب الله وحلفائه على الوضعين الاقتصادي والمالي.
اتخذ الدين في لبنان مساراً تصاعدياً، لكنه بلغ ذروته في السنوات العشر الماضية منذ عام 2010 حتى اليوم، وسجل في السنوات العشر الماضية، التي كان فيها حزب الله مسيطراً بشكل كامل مع حليفه التيار الوطني الحر على كل مفاصل القرار في لبنان، ما كان بلغه حجم الدين في الأعوام العشرين السابقة.
كان لتعطيل المؤسسات الدستورية، الكلفة المباشرة والمرتفعة على الاقتصاد والخزينة اللبنانية، منذ الانقلاب عام 2010 على حكومة سعد الحريري الأولى والاستقالة منها تمهيداً لوضع اليد على قرارها، مروراً بفراغ رئاسي لم ينتهِ إلا بتنصيب الحليف الأساسي ميشال عون رئيساً.
ومنذ العام 2010، بلغ حجم الدين لقطاع الكهرباء وحده 30 مليار دولار، أي 44 في المئة من حجم الدين العام.
وإلى تعطيل المؤسسات دفع لبنان ثمناً اقتصادياً باهظاً جراء سياسة خارجية بدت متطابقة مع توجهات حزب الله في ظل تحالف مع الوطني الحر. وكان وزير الخارجية السابق جبران باسيل قد أعلن في أكثر من مناسبة أن موقف بلاده الرسمي لا يعتبر "حزب الله" منظمة ارهابية، لافتاً الى انه ابلغ هذا الموقف لوزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو خلال زيارته الاخيرة الى لبنان. وذهب باسيل الى أبعد من ذلك حين قال في مقابلة مع فضائية أوروبية "من يريد إعطاء أموال للبنان مقابل أن يفرض علينا تغيير سياستنا من "حزب الله" فهذا لن يحصل، ولا نريد أموالاً مشروطة بخطوات سياسية".
هذا التموضع والانخراط بمحاور المنطقة، من سوريا إلى العراق مروراً باليمن والكويت والبحرين، عبر تأسيس خلايا تخريبية خدمة لمشروع إيران، معطوفة على خطاب اتهامي في حق دول الخليج ورؤسائها، كل ذلك، قضى على ما تبقى من سياحة عربية إلى لبنان، وهرب الودائع ورؤوس الأموال الكبيرة، وأدى إلى تراجع الاستثمارات.
صحيح أن الفساد المستشري في إدارات الدولة، ساهم في تراجع الوضع الاقتصادي لكنه وفق الخبراء الاقتصاديين موجود في لبنان منذ الثلاثينيات، فيما سلاح حزب الله وسطوته على القرار السياسي أسهم في تراجع الإيرادات، فأدى تعطيل المؤسسات إلى تأخير إقرار الموازنات وبالتالي جرى الهدر في الإدارات الرسمية والوزارات من دون حسيب ولا رقيب، وكثرت المعابر غير الشرعية التي وجدت لتمرير السلاح من سوريا إلى لبنان ومنه إلى دمشق إضافة إلى البضائع والمزروعات المضاربة للمنتجات اللبنانية، وتراجع المدخول الجمركي والضريبي وازدادت الصفقات من دون أي تحسين في البنى التحتية وفي غياب المشاريع الاستثمارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا حل اقتصادياً أو مالياً من باب تقني، يقول النائب السابق فارس سعيد، فالحل بالنسبة إليه سياسي بامتياز. ويعتبر أن أزمة لبنان ليست مرتبطة بأزمة مالية مصرفية صافية، الأزمة متمثلة بوصاية إيران وسلاحها على القرار اللبناني.
أولوية الإصلاحات
صحيح أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول المانحة، تربط مساعدتها لبنان بإصلاحات، على الحكومة الجديدة أن تنفذها لتخفيف حجم الدين وزيادة الإيرادات، لكن الأولوية لدى كل تلك الدول هي في التأكد من تنفيذ الإصلاحات السياسية والتي تبدأ بالحد من تأثير حزب الله في القرار.
ويرى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن حزب الله وحده قادر على وقف الانهيار الحاصل في لبنان، إذا نفذ ثلاث خطوات: أولاً نزع الغطاء عن حلفائه الفاسدين، وثانياً وقف تدخله في دول المنطقة، وثالثاً تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية التي عليها استعادة قرارها الإستراتيجي.
ويبدو أن الحكومة اللبنانية بحاجة إلى تثبيت استقلاليتها عن حزب الله. ففي حين يؤكد حسن نصرالله أن الحكومة ليست حكومة حزب الله، فيأتي مهنئاً مسانداً داعماً في اليوم التالي على هذا الكلام، رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، الزائر الدولي الأول لحكومة حسان دياب، في زيارة بدأت من دمشق ومرت في بيروت وانتهت في العراق.
اختبار حكومة دياب لإثبات استقلاليتها عن حزب الله، المضي بطلب مساعدة صندوق النقد الدولي وألا تقتصر المساعدة على الاستشارة التقنية، كما يريد حزب الله تجنباً لدخول الصندوق عين أميركا بالنسبة إلى حزب الله، إلى كل الإدارات والملفات والمعابر الشرعية وغير الشرعية والمطار والمرفأ، إنه الامتحان الأول يقول سعيد لتثبت فيه الحكومة الجديدة تحررها عن حزب الله.